«أكشاك» قصر البارون تثير الجدل في مصر

«السياحة والآثار» قالت إنّها تتماشى مع قيمته التاريخية

قصر البارون بعد تطويره وافتتاحه منتصف العام الماضي (وزارة السياحة والآثار المصرية)
قصر البارون بعد تطويره وافتتاحه منتصف العام الماضي (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

«أكشاك» قصر البارون تثير الجدل في مصر

قصر البارون بعد تطويره وافتتاحه منتصف العام الماضي (وزارة السياحة والآثار المصرية)
قصر البارون بعد تطويره وافتتاحه منتصف العام الماضي (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أثار بناء مجموعة من الأكشاك ذات الهياكل المعدنية في حديقة قصر البارون إمبان الأثري بحي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتراضات من جانب الآثاريين المصريين احتجاجاً على ما اعتبروه «تشويهاً للقصر التاريخي»، في الوقت الذي دافعت وزارة السياحة والآثار المصرية عن قراراها، مؤكدة أنّ المواد المستخدمة في بناء هذه الأكشاك تتماشى مع القيمة التاريخية والأثرية للقصر.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لهياكل معدنية في حديقة القصر الخلفية، وكشكاً يحمل إحدى العلامات التجارية المعروفة في مصر بتقديم المشروبات الساخنة والوجبات السريعة على الطرق الرئيسية، متسائلين عن سبب وجودها داخل القصر الأثري الذي تم افتتاحه لأول مرة أمام الجمهور منذ نصف قرن في يونيو (حزيران) الماضي بعد انتهاء مشروع ترميمه.
ورداً على هذه التساؤلات أصدرت وزارة السياحة والآثار بياناً صحافياً مساء أول من أمس، أوضحت فيه أنّ «وجود هذه الأكشاك يأتي في إطار سياسة الوزارة للارتقاء بجودة الخدمات السياحية المقدمة للزائرين، ليقدم قصر البارون إمبان تجربة ثقافية وحضارية متكاملة لزائريه»، وقالت إيمان زيدان، مساعد وزير السياحة والآثار لتطوير المواقع الأثرية والمتاحف، إنّ «الوزارة تعمل على تقديم خدمة مميزة للزائرين تعكس الأجواء التاريخية لبدايات القرن العشرين، بالحديقة الخلفية للقصر، لتضم المساحات المكشوفة المحيطة به كافتيريا، ومطعماً، وبيتاً للهدايا، بطراز بسيط مصمم بنظام الهياكل الخفيفة (light structure) بنظام الفك والتركيب»، مشيرة إلى أنّه «تم تنفيذ هذه الخدمات باستخدام مواد طبيعية بما يتماشى مع القيمة الأثرية والتاريخية والفنية للقصر والبانوراما، أسوة بالمتبع بالقصور الأثرية في العالم، وذلك بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية»، مؤكدة أنه «لم يتم استحداث أي عناصر جديدة تغير من تكوين وجمال القصر، وأن جميع الخدمات تقام بالحديقة».
واعترض الدكتور عبد الله كامل، أستاذ الآثار الإسلامية وعميد المعهد العالي لحضارات الشرق الأدنى القديم بجامعة الزقازيق، على وجود هذه الأكشاك التي «تشوه القصر وتؤثر سلباً على عمارته»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّه «لا يجوز المساس بحديقة القصر، وتغيير معالمها، لأن ذلك يعد مساساً بمتنفس الزوار، وتشويهاً للمبنى سواء كان ذلك في الحديقة الأمامية أو الخلفية»، مشيراً إلى أن «وجود كافتيريا ومطعم في الحديقة يعني تركيب وصلات مياه وكهرباء مما يعرض أصل القصر للخطر، وتعجل بخرابه».
واقترح كامل أن «يتم تنفيذ هذه الخدمات داخل القصر، في الأماكن المخصصة لذلك من دورات مياه ومطابخ، بما يتناسب مع وظيفة القصر الأساسية وهي السكن».
واتفق معه الدكتور بسام الشماع، الخبير الأثري وقال، لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يجب إنشاء مثل هذه الخدمات في حديقة القصر لأنها ستشكل صدمة ثقافية للسائح، والأفضل أن يتم إنشاؤها خارج أسوار القصر»، مؤكداً أنه «ليس ضد الاستفادة اقتصادياً من الآثار، لكن يجب ألا تكون هذه الاستفادة فجة».
ويتضمن مشروع إعادة استغلال القصر «استخدام بدروم القصر كمركز ثقافي إبداعي (Cultural Hub) لإقامة ورش عمل ومعارض فنية واستضافة صالونات ثقافية لرفع الوعي الأثري لدى المواطنين، حيث تم تنظيم معرض للصور الفوتوغرافية الشهر الماضي ضم مقتنيات متحف الفن الإسلامي، بحسب زيدان.
ويعود تاريخ قصر البارون إلى عام 1911، حيث أنشأه البارون البلجيكي إدوارد لويس جوزيف إمبان (1852-1929)، مؤسس حي مصر الجديدة في القاهرة، وتصميم القصر مستوحى من معبد أنكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية، وتبلغ مساحته 12.5 ألف متر، ويتكون من طابقين وبدروم.
وكشف كامل عن أنه «رفض مشروعاً لتحويل القصر إلى فندق عندما كان رئيساً لقطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار في الفترة ما بين عامي 2005 و2006، حيث كان ملاكه يرغبون في إنشاء فندق خلف القصر، وعندها دخلت الدولة في مفاوضات لشراء القصر مع الملاك الذين طلبوا مبلغ 70 مليون جنيه، ولم تتمكن الآثار وقتها من دفعها، فدخلت وزارة الإسكان وعوضت الملاك بـ115 فداناً في القاهرة الجديدة».
وقالت زيدان إنّه «عقب افتتاح القصر وُفّرت بعض الخدمات للزائرين في حديقة القصر من خلال عربة بطراز مستوحى من الطابع التاريخي له وتحترم البيئة المحيطة تقدم مشروبات ومأكولات خفيفة للزائرين، حتى يتم الانتهاء من مشروع خدمات الزائرين الذي يجري تنفيذه حالياً وتسبب في إثارة الجدل».
ويرى الشماع أنّه «يمكن استغلال القصر اقتصادياً من خلال تحويل بعض أجنحته إلى فندق مثلاً أو عمل مطعم بعدد محدود جداً من الطاولات داخل القصر، مع مراعاة مدى تحمل الحالة المعمارية للقصر، وبشرط عدم تغيير طابعه المعماري، كما يمكن عمل مكتبة تبيع كتباً تحكي تاريخ القصر وحي مصر الجديدة»، مؤكداً على ضرورة «إخفاء العلامات التجارية حتى لا تكون ناقدة للأثر، وألا يتم إنشاء أي من هذا في حديقة القصر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».