متحف محمد شاكر في الإسكندرية يجتذب محبي الفنون التشكيلية

يضم نحو 500 عمل فني

عدد من محبي الفن التشكيلي خلال زيارتهم لمتحف محمد شاكر
عدد من محبي الفن التشكيلي خلال زيارتهم لمتحف محمد شاكر
TT

متحف محمد شاكر في الإسكندرية يجتذب محبي الفنون التشكيلية

عدد من محبي الفن التشكيلي خلال زيارتهم لمتحف محمد شاكر
عدد من محبي الفن التشكيلي خلال زيارتهم لمتحف محمد شاكر

وسط العقارات السكنية بمنطقة «سابا باشا» بكورنيش الإسكندرية، يُطل متحف الفنان التشكيلي المصري محمد شاكر، الذي تديره حالياً مكتبة الإسكندرية بعدما قرر شاكر إهداءه إلى المكتبة العام الماضي. ورغم تكون المتحف من 4 وحدات أو شقق، يملكها شاكر في عقار واحد، فإنها تمنحه تنوعاً وميزة إضافية يستفيد منها محبو الفنون التشكيلية من الطلاب والفنانين الذين يتوافدون على المتحف رغم إجراءات «كورونا».
وفتحت مكتبة الإسكندرية أبواب المتحف الجديد أمام الزائرين في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، ويعمل حالياً بدءاً من الساعة التاسعة والنصف صباحاً وحتى الثالثة والنصف عصراً، في جميع أيام الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت.
ويضم المتحف نحو خمسمائة عمل فني أصلي لشاكر، بالإضافة إلى شهادات التقدير والجوائز والميداليات التي حصل عليها خلال مشواره الفني الطويل.
وتتنوع مقتنيات المتحف بين لوحات فوتوغرافية ولوحات زيتية متباينة الأحجام والأشكال، التي استلهم شاكر أفكار الكثير منها من تراث وحضارة مدينة الإسكندرية بشكل خاص، والحضارة المصرية القديمة بشكل عام على مدار مشواره الفني الطويل، وتستحوذ هذه الأعمال على إعجاب الزوار خصوصاً من دارسي الفن التشكيلي.
الدكتور محمد شاكر، العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، والأستاذ المتفرغ بقسم التصوير، حصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير المحلية والدولية، وساهم في تجميل العديد من المشروعات العامة والخاصة بأعماله الفنية المتميزة من جداريات الفسيفساء والزجاج الملون، بالإضافة إلى أعماله الفنية المقتناة لدى الأفراد والمؤسسات الرسمية والهيئات الحكومية المصرية والدولية.
ورغم الإجراءات الاحترازية المتعلقة بمجابهة كورونا التي تحد من زيارة المتحف خلال الجائحة، فإن المتحف يشهد زيارات منتظمة من قبل الفنانين الشباب وطلاب كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية للاطلاع على إبداعات الفنان المصري الكبير، بحسب جمال حسني، مدير إدارة المعارض والمقتنيات الفنية بمكتبة الإسكندرية، والمشرف على متحف الفنان محمد شاكر.
ويقول حسني لـ«الشرق الأوسط»: «متحف الفنان محمد شاكر إضافة مهمة لمتاحف الفن التشكيلي في مصر، وإضافة مهمة لأصول مكتبة الإسكندرية، لكن تصادف افتتاحه مع تزايد إصابات كورنا في مصر»، ويشير إلى أن «المتحف يتميز بوجوده خارج مقر المكتبة التي تضم حالياً أكثر من معرض ومتحف دائم في مبناها الرئيسي على غرار (معارض عالم شادي عبد السلام، وأحمد عبد الوهاب، وآدم حنين، ومحيي الدين حسين، وفاروق شحاتة، وحسن سليمان) وغيرهم»، مؤكداً أن «ثقة المبدعين المصريين تجاه مكتبة الإسكندرية تزايدت خلال السنوات الأخيرة، ودفعتهم إلى إهداء إبداع عمرهم إليها، لكن بدأنا نواجه معضلة ضيق المساحات المتاحة الآن، أمام الاحتفاظ بهذا التدفق الإبداعي للفنانين المصريين، لذلك فإن إهداء الفنان محمد شاكر لمقتنياته الثمينة بجانب المقر، يعد أمراً مميزاً ومسؤولية كبيرة جداً في الوقت ذاته».
وثمّن تجربة الفنان محمد شاكر التشكيلية الطويلة معبراً عن طموحه لتحول متحفه ليكون مركزاً فنياً مضيئاً بالمدينة التاريخية عبر تطويره خلال السنوات المقبلة.
وتعد «المنارة الأندلسية» الموجودة في منتصف ميدان الكيلو 21. والمسماة بـ«الكوبري الفرعوني»، وجدارية «الشاطئ» بمنطقة بحري، و«ثلاثية الحضارة» بميدان الأنفوشي بمدينة الإسكندرية من أبرز ما أبدعه الفنان محمد شاكر خلال السنوات الماضية، إذ تلقى هذه الأعمال إعجاب مواطني وزوار المدينة الساحلية العتيقة، بسبب تميزها الفني وأحجامها الكبيرة، حتى أصبحت من بين معالم «عروس البحر المتوسط».
واعتبر شاكر أن ما قام به «واجب عليه وليس إهداء بل هو جزء بسيط لما قدمته له مصر»، خلال حفل الإعلان عن افتتاح المتحف في شهر نوفمبر الماضي، مضيفاً أن «الإهداء حق أصيل ومكتسب وضريبة يجب على كل مثقف القيام بذلك تجاه بلده ومدينته التي أحبها، وإذا أعطاني الله العمر سأقتسم كل دخلي مناصفة بين أسرتي ومكتبة الإسكندرية».
ويواجه متحف شاكر الذي يفتح أبوابه أمام الجمهور مجاناً عدة تحديات من بينها وجوده وسط عقار سكني، وتوزع مقتنياته على 4 وحدات منفصلة كانت معدة سابقاً لأغراض السكن، بحسب حسني الذي يؤكد قدرة المتحف على استقطاب المزيد من الجمهور خلال الفترة المقبلة.
ويبلغ عدد المتاحف المصرية 167 متحفاً في جميع المحافظات، وفق أول خريطة متكاملة للمتاحف المصرية، التي أعدها أخيراً محمد إسماعيل، الباحث في الدراسات المتحفية والتراثية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».