تفاقم الأزمة الاقتصادية في دمشق... والنظام يلوم «الإدارة الذاتية»

قوات الحكومة تعزل مناطق في حلب «رداً على حصار الحسكة»

TT

تفاقم الأزمة الاقتصادية في دمشق... والنظام يلوم «الإدارة الذاتية»

سجلت أسواق دمشق صباحاً انخفاضاً في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، بعد ساعات قليلة من انفجار أحد خطوط الغاز الفرعية في منطقة السخنة في بادية محافظة حمص، على الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، وأدى إلى اشتعال النيران في المنطقة وتدمير الخط بشكل كامل، في وقت أفيد بفرض قوات الحكومة حصاراً على مناطق في حلب موالية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تحاصر مناطق للنظام في الحسكة، وحملت دمشق «قوات سوريا الديمقراطية» مسؤولية المعاناة الاقتصادية لـ«الإدارة الذاتية».
وبلغ سعر صرف الدولار في دمشق، أمس، 3040 ليرة سورية، وفي حلب وصل إلى 3030 ليرة، وذلك وسط تفاقم أزمتي الوقود والخبز في مناطق سيطرة النظام بالتوازي مع اضطراب الأوضاع في منطقة الجزيرة السورية (سلة القمح والنفط السوري)، حيث أظهر مقطع فيديو بثه ناشطون أكراد في مدينة الحسكة، أعداداً من المتظاهرين المدنيين يتعرضون لملاحقة من قبل قوى الأمن الداخلي (أسايش) أثناء فض مظاهرات خرجت الجمعة في الحسكة احتجاجاً على الحصار الذي تفرض «أسايش» على أحياء مركز المدينة التي يسيطر عليها النظام السوري، قالوا إن «(أسايش) تلاحق عناصر قوات النظام والدفاع الوطني».
بالمقابل، ناشد إمام وخطيب المسجد الكبير في الحسكة أحمد إسماعيل، «المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية» لنقل صوت الأهالي إلى العالم، وتسليط الضوء على «الحصار القاسي» الذي تفرضه «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على «أهالي مدينتي الحسكة والقامشلي... حيث أغلقت الطرق ومنعت دخول المواد الغذائية والماء والوقود والطحين والأدوية»، حسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، كما نقلت عن محافظ الحسكة غسان خليل، تأكيده بأن الحصار الذي تفرضه «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على مدينتي الحسكة والقامشلي مستمر منذ أسبوعين على مركز مدينة الحسكة وحيي طي وحلكو بالقامشلي، وقد تم منع «دخول المواد الغذائية والوقود والطحين الخاص بالأفران والمواد الطبية والأدوية» ما فاقم الوضع الإنساني هناك.
وكان خليل أشار في تصريح سابق إلى فشل المساعي الروسية لفك الحصار، لأن مطالب «قسد» «تعجيزية وغير محقة»، ولن تكون الدولة السورية طرفاً في حوار مع «خارجين عن القانون»، موضحاً أنه رغم كل الظروف وسيطرة «قسد» على محافظة الحسكة والقامشلي، لا تزال الحكومة في دمشق تقدم الطحين يومياً، وما زال الموظفون يحصلون على رواتبهم من الحكومة السورية، حتى «أبناء الميليشيات الكردية يتعلمون في مدارس الدولة السورية، ويسعون للحصول على الشهادة منها». وتطالب «أسايش» بفك الحصار الذي يفرضه النظام السوري عن مناطق الشهباء بريف حلب الشمالي، وطلبات أخرى مقابل فكها للحصار عن المربع الأمني.
كان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أشار إلى أن قوات النظام السوري وأجهزتها الأمنية تواصل حصارها لمناطق نفوذ القوات الكردية ضمن بلدات وقرى ريف حلب الشمالي، ضمن ما يعرف بمنطقة الشهباء «حيث تمنع حواجز (الفرقة الرابعة) والمخابرات الجوية إدخال الطحين والمحروقات والدواء إلى المناطق آنفة الذكر، وتفرض إتاوات مالية كبيرة على سيارات الخضار مقابل إدخالها، كما تقوم حواجز النظام في محيط حي الشيخ مقصود بالتدقيق في هوية المدنيين بشكل تعجيزي، حيث تصل أرتال المدنيين إلى مسافات كبيرة وهي تنتظر الدخول إلى حي شيخ مقصود، بالتزامن مع ذلك، تواصل قوى الأمن الداخلي حصارها على الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام ضمن المربعات الأمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي».
وأفادت أنباء من الحسكة بمواصلة «أسايش» حصارها لمنطقة «المربع الأمني» وأحياء خاضعة لسيطرة النظام السوري في مدينة الحسكة، لليوم العشرين على التوالي، حيث «لا تزال (الأسايش) تمنع دخول وخروج البضائع والمحروقات ومستلزمات الحياة اليومية لتلك المناطق، بالإضافة لمنعها دخول وخروج جميع العاملين في الدولة السورية من عسكريين وموظفين، والسماح فقط بدخول وخروج المدنيين سيراً على الأقدام، وإدخال حاجياتهم بكميات محدودة، وسط استياء أهلي متصاعد»، حسب مصادر في دمشق.
وتشهد أحياء الحسكة ومداخلها الرئيسية والفرعية استنفاراً عسكرياً غير مسبوق من الجانبين، مع تسجيل مناوشات عسكرية رغم دخول موسكو على خط المفاوضات بهدف خفض التصعيد، لكن مصادر مطلعة أكدت عدم اختراق أي نتائج وتجاوب من الأطراف.
وكشفت المصدر أن قائد القوات الروسية بالحسكة عقد اجتماعاً الخميس الماضي ضم نائب قائد القوات النظامية اللواء معين خضور، وقائد قوات «الأسايش» وبحثوا إمكانية إنهاء التوتر دون التوصل لاتفاق يرضي جميع الأطراف، وأكد المسؤول الروسي بأنهم ملتزمون بالاتفاق مع القوات الأميركية لفض النزاع والاشتباكات بين «قسد» والجيش التركي والفصائل السورية المسلحة الموالية لها، فيما تحاول تهدئة التطورات بين هذه الجهات العسكرية المتصارعة.
على صعيد آخر، ساد ترقب في درعا بعد قرب انتهاء مهلة وضعتها السلطات السورية لتنفيذ سلسلة شروط بينها إبعاد مقاتلين معارضين إلى إدلب أو اقتحام طفس غرب المدينة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.