أنقرة وطهران تأملان في مقاربة أميركية جديدة

أكدتا ضرورة توسيع التعاون في جنوب القوقاز

جاويش أوغلو وظريف لدى عقدهما مؤتمراً صحافياً مشتركاً في إسطنبول أمس (رويترز)
جاويش أوغلو وظريف لدى عقدهما مؤتمراً صحافياً مشتركاً في إسطنبول أمس (رويترز)
TT

أنقرة وطهران تأملان في مقاربة أميركية جديدة

جاويش أوغلو وظريف لدى عقدهما مؤتمراً صحافياً مشتركاً في إسطنبول أمس (رويترز)
جاويش أوغلو وظريف لدى عقدهما مؤتمراً صحافياً مشتركاً في إسطنبول أمس (رويترز)

جدّدت تركيا وإيران رفضهما نهج العقوبات المتّبع من الولايات المتحدة، وأعربتا عن أملهما في عودة الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن إلى الاتفاق النووي مع طهران.
وتصدر ملف المفاوضات النووية والعقوبات الأميركية، إلى جانب الوضع في جنوب القوقاز، مباحثات أجراها أمس في إسطنبول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي استقبله الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد ذلك. وتناولت المباحثات أيضاً العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها، إضافة إلى القضايا الإقليمية وفي مقدمتها الأزمة السورية.
وعبّر جاويش أوغلو عن أمله في عودة واشنطن في ظل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، إلى الاتفاق النووي مع إيران. وأكد أن بلاده تدعم منذ البداية الاتفاق النووي، وإسهامها في ذلك واضح حتى قبل إبرامه، مشيراً إلى أنها عبّرت عن رفضها انسحاب الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وأنها تأمل في عودة إدارة بايدن إليه ورفع العقوبات عن طهران، وأنها على استعداد لتقديم مختلف أنواع الدعم لإيران في هذا الصدد. وأضاف أنه بحث مع نظيره الإيراني العلاقات الثنائية بشكل موسّع، وسبل عقد الاجتماعات التي تأجل انعقادها بسبب تفشي وباء «كورونا».
من جانبه، دافع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عن إجراءات بلاده فيما يتعلق بزيادة تخصيب اليورانيوم، قائلاً إنها لا تعني محاولة امتلاك سلاح نووي. وأكد ظريف أن بلاده «ترفض الأسلحة النووية من الناحية العقيدية والاستراتيجية، ولا تعدها مصدراً للأمن، وتعتقد أنه يجب تدمير الأسلحة النووية من قِبل أصحابها في أقرب وقت ممكن».
وشدد ظريف على أن بلاده لن تقبل مطالبة الولايات المتحدة بالعدول عن تسريع برنامجها النووي، قبل أن ترفع العقوبات، واتهمها بممارسة «الإرهاب الاقتصادي»، وشنّ حرب اقتصادية عبر هذه العقوبات أحادية الجانب.
وعن العقوبات الأميركية على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية (إس - 400)، قال ظريف: «لقد شجبنا بصدق العقوبات الأميركية على تركيا ولا نرى لها أي قيمة... من المؤسف أن الإدارة الأميركية أدمنت العقوبات... السياسة الأميركية ستُلحق الضرر بالعالم كله وبأميركا نفسها». ولفت ظريف إلى أن إيران وتركيا وقفتا دائماً كل منهما إلى جانب الأخرى، مؤكداً أن هذه العلاقات ستستمر على الوتيرة ذاتها، وأن البلدين سيطوّران علاقاتهما في المستقبل في مختلف المجالات.
في سياق متصل، وصف مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سولفان، تركيا بأنها «مصدر القلق بالنسبة للولايات المتحدة ودول أوروبا». ويأتي ذلك بعدما انتقدت واشنطن الأسبوع الماضي عدم احترامها قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإفراج عن الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، والناشط المعارض عثمان كافالا. وتسود توقعات بأن إدارة بايدن ستشدد العقوبات المفروضة على تركيا بسبب صفقة «إس - 400» ولن تبدي التساهل الذي أبداه ترمب من قبل.
وبشأن الوضع في جنوب القوقاز، تطرق وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قره باغ الموقّع بين أذربيجان وأرمينيا برعاية روسيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قائلاً إن تركيا ترغب في أن ترى وقف إطلاق نار دائماً في المنطقة.
وأضاف جاويش أوغلو، في هذا الصدد: «نخطط لإنشاء آلية مع أذربيجان وروسيا وأرمينيا وجورجيا وإيران»، لافتاً إلى أن السلام والاستقرار في جنوب القوقاز يعود بالنفع على الجميع وعلى بلدان المنطقة، وفي مقدمتها أرمينيا، التي تتوقع تركيا أن تتخذ خطوات بناءة في هذا الصدد.
بدوره، رأى ظريف أن تعاون بلاده مع تركيا في القوقاز سيكون مفيداً للغاية لدول المنطقة، وتوقع أن «مجالات التعاون الإيراني - التركي الواسعة ستتعمق مع اتخاذ واشنطن موقفاً أكثر عقلانية». ولفت إلى أن بلاده ستستضيف اجتماعاً ثلاثياً لوزراء خارجية تركيا وأذربيجان وإيران في وقت قريب، مضيفاً أن «رؤساء تركيا وأذربيجان وروسيا، كانوا قد بدأوا مرحلة جديدة من أجل السلام في المنطقة وزيارتي أيضاً تأتي في هذا الإطار، وخلال زيارتي إلى أذربيجان وأرمينيا وجورجيا أكدت أهمية السلام في المنطقة وإعادة إحياء التجارة فيها، وبعد زيارة البلدان الأخرى أنا سعيد جداً لوجودي هنا اليوم والتشاور مع الأصدقاء الأتراك». وقال ظريف إن «هناك فرص تعاون خاصة بين تركيا وإيران في منطقة القوقاز»، مشيراً إلى أنه بحث مع جاويش أوغلو التعاون لعقد اجتماعات ثلاثية بين تركيا وإيران وأفغانستان، بطلب من الأخيرة.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.