أوروبا تلجأ إلى صلاحيات استثنائية لـ«إخضاع» شركات الأدوية

بوادر «حرب تجارية» مع لندن رغم تطمينات جونسون

مفوضة الصحة الأوروبية تستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الأربعاء (إ.ب.أ)
مفوضة الصحة الأوروبية تستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

أوروبا تلجأ إلى صلاحيات استثنائية لـ«إخضاع» شركات الأدوية

مفوضة الصحة الأوروبية تستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الأربعاء (إ.ب.أ)
مفوضة الصحة الأوروبية تستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الأربعاء (إ.ب.أ)

في اليوم الذي كانت الوكالة الأوروبية للأدوية توافق على استخدام اللقاح الذي طورّته جامعة أكسفورد وتنتجه شركة «أسترازينيكا» البريطانية - السويدية، كان الاتحاد الأوروبي يستحضر المدفعيّة الثقيلة من ترسانته القانونية لإجبار شركات الأدوية على تأمين جرعات اللقاح الموعودة في العقود المبرمة مع المفوضية الأوروبية.
وكشفت مصادر دبلوماسية أن رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، طلب تفعيل المادة 122 من المعاهدة التأسيسية للاتحاد، والتي تعطي المؤسسات الأوروبية صلاحيات استثنائية لفرض تدابير شديدة القسوة على شركات الأدوية يمكن أن تصل إلى وضع اليد عليها أو إلزامها إنتاج اللقاحات في مختبرات أخرى. وكانت المفوضيّة التي فتحت المعركة مع شركات الأدوية تفضّل الاكتفاء بإجراءات الرقابة على الصادرات، لكنّ المجلس الذي يضمّ جميع الدول الأعضاء قرّر المطالبة بتدابير أكثر تشدّداً بعد ازدياد الشكوك في أن الشركات باعت قسماً من الإنتاج المقرر لبلدان الاتحاد لدول أخرى بأسعار أعلى، وأن التأخير قد يتكرّر في الأشهر المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن اللجوء إلى المادة 122 من المعاهدة التأسيسية للاتحاد مقصور فقط على حالات الكوارث الطبيعية والأزمات التي تخرج عن نطاق سيطرة الدول الأعضاء، ما يعكس مدى الاستياء والقلق في العواصم الأوروبية إزاء التأخير المفاجئ الذي أعلنت عنه شركتا «فايزر» و«أسترازينيكا» بتسليم الدفعات الأولى من اللقاحات في بداية حملات التطعيم التي باتت الرهان الوحيد الذي يعوّل عليه الاتحاد الأوروبي للخروج بسرعة من نفق الجائحة.
وتقول المصادر إن التدابير والصلاحيات الاستثنائية التي باشر خبراء الاتحاد بإعدادها، تُلزم شركات الأدوية الوفاء بجميع بنود العقود الموقّعة معها، وإذا تكرّر التأخير في تسليم الكميات الموعودة بإمكان الاتحاد أن يُلزم الشركات بالتعاقد مع مختبرات أخرى لإنتاج لقاحاتها، كما فعلت «فايزر» بشكل طوعي مؤخراً مع شركة «سانوفي» الفرنسية. كما تتيح هذه الصلاحيات تعليق حقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع حول اللقاحات وإلزام الشركات تقاسم معارفها مع الدول الأعضاء قبل صدور الموافقة النهائية من الوكالة الأوروبية للأدوية.
ومن شأن هذه التدابير الاستثنائية، في حال لجوء الاتحاد الأوروبي إلى تطبيقها، أن تفاقم الأزمة الدبلوماسية والجيوسياسية التي بدأت تتفاعل مع بداية حملات التلقيح، خصوصاً بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول جرعات اللقاح التي تنتجها «أسترازينيكا» في بريطانيا والتي تعدّها بروكسل محجوزة لسوق الاتحاد الأوروبي بموجب الاتفاقات الموقعة بين المفوضية والشركة.
ويتوقّع المراقبون هنا أن يكون رد الفعل البريطاني عنيفاً إذا حاول الاتحاد الأوروبي وضع اليد على إنتاج شركة مقرّها الرئيسي في المملكة المتحدة، كما هو الحال بالنسبة لشركة «أسترازينيكا»، وألا يكون الرّد أقلّ عنفاً من الولايات المتحدة حيث يوجد المقرّ الرئيسي لشركة «موديرنا».
وكان رئيس المجلس الأوروبي قد كشف عن طلبه تفعيل المادة 122 من معاهدة الاتحاد في رسالة ردّاً على رؤساء حكومات النمسا وكرواتيا والسويد واليونان، حيث أشار إلى أن الحوار مع شركات الأدوية لن يجدي حلّاً للتأخير في تسليم الكميات الموعودة، واقترح اللجوء إلى التدابير القانونية الملحوظة في المعاهدات.
وقال مصدر مسؤول في المجلس الأوروبي إن إعداد التدابير بموجب المادة 122 لا يستهدف استخدامها على الفور، بل أن تكون جاهزة عند الاقتضاء.
كانت حكومات أوروبية عديدة قد أعربت عن استيائها العميق من تصرّف الشركتين الذي عدّته غير مقبول، ويهدّد حملات التلقيح التي استثمرت فيها بلدان الاتحاد مئات ملايين الدولارات وتعوّل عليها للخروج من الأزمة.
من جهتها، أعلنت المفوضية الأوروبية أمس (الجمعة)، تفاصيل «آليّة الشفافية» التي تمنع شركات الأدوية من تصدير اللقاحات خارج الاتحاد إذا كانت ضرورية لضمان الإمدادات اللازمة لحملات التطعيم في بلدان الاتحاد. وتفرض هذه الآليّة على الشركات، قبل تصدير منتجاتها خارج الاتحاد، إبلاغ السلطات الوطنية بمضمونها ومواقيتها والكميّات والوجهة المصدَّرة إليها. ويعود لهذه السلطات قرار السماح بالتصدير أو منعه خلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة.
ردود الفعل الأولى من الجانب البريطاني على التدابير التي يلوّح بها الاتحاد الأوروبي، والتي يرى فيها المراقبون الإرهاصات الأولى لحرب تجارية معلنة بين بروكسل ولندن، جاءت باتجاه تهدئة الأجواء وتحاشي المواجهة الصدامية. وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد اختار إظهار وجهه الدبلوماسي عندما قال: «لا يسعنا سوى القول بأن ثقتنا وطيدة بإمداداتنا وبالعقود الموقّعة، وعلى هذا الأساس سنواصل حملة التلقيح»، ثم أضاف أن «المملكة المتحدة ترى أن إنتاج اللقاحات هو ثمرة تحالفات دولية، وأن توزيعها في كل أنحاء العالم يجب أن يكون ضمن مجهود دولي».
تجدر الإشارة إلى أن المملكة المتحدة كانت قد رفضت الانضواء تحت مظلّة العقود الجماعية التي كان الاتحاد الأوروبي يتفاوض عليها مع شركات الأدوية عندما كانت لا تزال عضواً في الاتحاد، كما قرّرت عدم الامتثال لقرارات الوكالة الأوروبية للأدوية وتطبيق تشريعاتها الوطنية للموافقة الأحادية على استخدام اللقاحات الجديدة وتوزيعها.
وبعد أن كانت أوساط إعلامية بريطانية قد أكّدت أن المملكة المتحدة قد ضمنت لهذه السنة كميّات من اللقاحات تزيد عن حاجتها، صرّح جونسون بقوله: «سنحرص على تنفيذ برنامج التلقيح الذي تقرّر وتأمنّت له الإمدادات منذ فترة طويلة. وبالطبع، سوف نتحدث إلى أصدقائنا في أوروبا لنرى كيف بإمكاننا مساعدتهم، لكن المهم هو تنفيذ برنامجنا وفقاً للجدول الزمني والخطة الموضوعة».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رئيس الوزراء الكندي يقول إنه سيستقيل من رئاسة الحزب الحاكم

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)
TT

رئيس الوزراء الكندي يقول إنه سيستقيل من رئاسة الحزب الحاكم

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)

قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال خطاب جرى بثه على الهواء مباشرة اليوم الاثنين إنه يعتزم الاستقالة من رئاسة الحزب الليبرالي الحاكم، لكنه أوضح أنه سيبقى في منصبه حتى يختار الحزب بديلاً له.

وقال ترودو أمام في أوتاوا «أعتزم الاستقالة من منصبي كرئيس للحزب والحكومة، بمجرّد أن يختار الحزب رئيسه المقبل».

وأتت الخطوة بعدما واجه ترودو في الأسابيع الأخيرة ضغوطا كثيرة، مع اقتراب الانتخابات التشريعية وتراجع حزبه إلى أدنى مستوياته في استطلاعات الرأي.

وكانت صحيفة «غلوب آند ميل» أفادت الأحد، أنه من المرجح أن يعلن ترودو استقالته هذا الأسبوع، في ظل معارضة متزايدة له داخل حزبه الليبرالي.

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متحدثا أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني 16 ديسمبر الماضي (أرشيفية - رويترز)

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مصادر لم تسمها لكنها وصفتها بأنها مطلعة على شؤون الحزب الداخلية، أن إعلان ترودو قد يأتي في وقت مبكر الاثنين. كما رجحت الصحيفة وفقا لمصادرها أن يكون الإعلان أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني الأربعاء. وذكرت الصحيفة أنه في حال حدثت الاستقالة، لم يتضح ما إذا كان ترودو سيستمر في منصبه بشكل مؤقت ريثما يتمكن الحزب الليبرالي من اختيار قيادة جديدة.

ووصل ترودو إلى السلطة عام 2015 قبل ان يقود الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

لكنه الآن يتخلف عن منافسه الرئيسي، المحافظ بيار بواليافر، بفارق 20 نقطة في استطلاعات الرأي.