تريث روسي بدفع «الدستورية السورية»... وتنويه تركي بـ«إيجابية» المعارضة

الاجتماع المقبل لـ«ضامني» مسار آستانة يعقد بسوتشي في 16 الشهر المقبل

TT

تريث روسي بدفع «الدستورية السورية»... وتنويه تركي بـ«إيجابية» المعارضة

تجنبت موسكو، أمس، إصدار تقييم لنتائج اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، التي اختتمت جولتها الخامسة في جنيف. وبدا التريث الروسي مرتبطاً بتراجع التوقعات، بعدما كانت الخارجية الروسية أكدت، في وقت سابق، على قناعة بأن اجتماعات اللجنة المصغرة «ستدشن الانتقال إلى عمل مباشر لوضع مقدمة الدستور».
ولم يصدر تعليق عن المستوى الرسمي الروسي على مسار الجولة الخامسة من اجتماعات «الدستورية»، وكان ملاحَظاً أن هذا «الصمت» انعكس أيضاً على تغطيات وسائل الإعلام الروسية الرسمية التي تجاهلت الحدث في جنيف خلال الأيام الماضي، وإن كانت بعضها توقف بشكل عابر عند «تفاقم الخلافات داخل معسكر المعارضة» و«ظهور الحاجة الملحة لإعادة النظر في تمثيل المكون الكردي في اللجنة».
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استبق الجولة الأخيرة بإعلان أن بلاده «تلاحظ تطوراً مهماً، وشاهدنا مناقشات مفيدة حول المبادئ الأساسية في الجولة الرابعة، ونعول على أن الجولة الخامسة سوف تنتقل إلى العمل المباشر على وضع مقدمة الدستور».
لكن الوزير الروسي دعا في الوقت ذاته إلى عدم توقع وقوع اختراقات، مشيراً إلى «تعقيد الوضع في سوريا، خصوصاً بسبب تداخل أدوار اللاعبين الخارجيين، لذلك لا نعول على تحقيق اختراق بقدر ما نتطلع لعمل دؤوب ودقيق وتفصيلي».
وفي مقابل هذه التوقعات، برزت تغطيات محدودة في وسائل إعلام ركزت كلها على انقسامات صفوف المعارضة، وكتبت صحيفة «ازفيستيا» واسعة الانتشار أن «الخلافات الجدية في صفوف المعارضين السوريين برزت بقوة، وهناك حديث عن إمكانية تغيير تركيبة اللجنة لتشمل ممثلين عن (مجلس سوريا الديمقراطية)». وزادت أنه «رغم استياء تركيا، فإن الأكراد لا ينوون التخلي عن هذه الفكرة؛ ففي عهد الرئيس باراك أوباما، كان تعاون الولايات المتحدة مع الأكراد نشطاً للغاية. لذلك، لا يستبعد أن يعود الطرفان، في ظل إدارة جو بايدن، إلى التفاعل الوثيق. وأن تعمل واشنطن على تقريب (قوات سوريا الديمقراطية) من الشق الكردي الممثل في اللجنة الدستورية».
ورأى خبراء تحدثت إليهم الصحيفة أن «الانقسامات المتزايدة داخل المعارضة السورية تؤدي إلى تعقيد المفاوضات المتوترة أصلاً، في جنيف. ونتيجة لذلك، تغدو التناقضات بين وسطاء التسوية السورية أقوى».
ورأى الباحث في مركز الدراسات الشرقية، دانيلا كريلوف، أن «أي إنجازات يمكن أن تحققها اللجنة الدستورية ستكون بمثابة إنجاز لروسيا، مع تركيا وإيران، وهذا ما لا يرضي الأميركيين. وطالما أن الأطراف الأجنبية مهتمة بعدم وصول اللجنة الدستورية إلى نتيجة، فلن يظهر دستور جديد في سوريا. كما أنه يمكن بالمقابل التأكيد على أنه لن يظهر الدستور أيضا إذا لم يتم حل القضية الكردية».
في أنقرة، قالت مصادر دبلوماسية تركية إن المعارضة السورية التزمت «موقفاً بنّاء» خلال الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، رغم محاولات وفد النظام الخروج عن جدول الأعمال. وقالت المصادر إن المعارضة التزمت بأجندة «المبادئ الأساسية للدستور، بما يتماشى مع اللوائح الداخلية الأساسية» التي تم الاتفاق عليها سابقاً في الاجتماعات.
ولم تقدم المعارضة السورية، خلال اجتماعات جنيف، مسودة دستور كاملة وإنما 10 مواد دستورية منضبطة الصياغة، لكن النظام رفض مناقشتها من الأساس، رغم أن جدول أعمال الجولة الخامسة يتركز على إقرار مبادئ الدستور الأساسية.
وفي سياق متصل، بحث وزيرا الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف، في إسطنبول، أمس (الجمعة)، تطورات الملف السوري والاجتماع مسار آستانة المقبل الذي سيُعقد في مدينة سوتشي الروسية في 16 و17 فبراير (شباط) المقبل.
كانت تركيا وإيران وروسيا (الدول الثلاث الضامنة) لمسار آستانة أعلنت عن عقد الاجتماع الخامس عشر في مدينة سوتشي الروسية يومي 16 - 17 فبراير المقبل. وأكدت الدول الثلاث، في بيان مشترك (الخميس) حول المشاورات التي جرت على هامش الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، الالتزام القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، مشددة على ضرورة احترام هذه المبادئ من قبل جميع الأطراف.
وأعرب البيان عن ترحيب الدول الضامنة بالاجتماع الخامس للجنة صياغة الدستور التابعة للجنة الدستورية السورية في جنيف السويسرية.
وعبّرت الدول الثلاث عن استعدادها لدعم عمل اللجنة من خلال تواصلها المستمر مع المندوبين السوريين ومع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، لضمان عمل اللجنة بشكل مستدام وفعال.
وشدد البيان على أن «اللجنة الدستورية التي أُنشئت في جنيف، نتيجة للمساهمة الحاسمة من ضامني أستانا، وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، أدت دوراً مهمّاً في دفع العملية السياسية التي تدار وفق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (2254)، بتيسير من الأمم المتحدة، وبقيادة السوريين».
ولفت البيان إلى أن «الضامنين في (آستانة) أعربوا عن رأيهم بأن عمل اللجنة الدستورية يجب أن يتم على أساس التفاهم والمشاركة البناءة، دون تدخلات خارجية، ودون فرض مواعيد نهائية من الخارج، وذلك بهدف التوصل إلى توافق عام مع أعضائها، من أجل ضمان أوسع دعم ممكن للشعب السوري».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.