دعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى عدم التراجع عن محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وقالت في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي: «لا أحد فوق القانون، بمن فيهم رئيس الولايات المتحدة... تجب محاكمته ومحاسبته كي لا يتكرر ما جرى».
تأتي هذه التصريحات مع عودة الجمهوريين تدريجياً إلى الاصطفاف وراء ترمب؛ حيث عقد زعيم الأقلية الجمهورية كيفين مكارثي لقاء خاصاً مع ترمب في مقر إقامته بفلوريدا، لأول مرة منذ مغادرته البيت الأبيض.
ويدل هذا اللقاء على أن الحزب الجمهوري يسعى لاحتواء الضرر الذي لحق به بعد أحداث الكابيتول، ورصّ الصف مجدداً وراء الرئيس الأميركي السابق، رغم انتقادات كثير من الجمهوريين، ومنهم مكارثي، لدور ترمب في التحريض على اقتحام الكابيتول. لكن هذه الانتقادات بدأت بالتلاشي شيئاً فشيئاً، وتحوّلت إلى هجوم على مساعي الديمقراطيين لمحاولتهم محاكمة ترمب وإدانته.
ويحث مكارثي الذي يترأس الكتلة الجمهورية في مجلس النواب، أعضاء حزبه على التوقف عن مهاجمة بعضهم بعضاً علناً، في محاولة لرأب الصدع في صفوف الحزب. ودعا مكارثي الجمهوريين إلى التركيز على مواجهة أجندة الرئيس الأميركي جو بايدن بدلاً من استهداف زملائهم.
وقد تزايد الشرخ في الصف الجمهوري بشكل كبير إثر تصويت 10 منهم لصالح عزل ترمب في مجلس النواب، الأمر الذي أدى إلى استهداف داعمي الرئيس السابق لزملائهم علناً. وقال مكارثي إن هذه التصرفات تضع الجمهوريين المعارضين لترمب في خطر، كالنائب بيتر ميير الذي أعلن أنه سيبدأ بارتداء سترة واقية من الرصاص بسبب التهديدات التي تلقاها إثر تصويته لصالح عزل ترمب.
وقد طفت الخلافات الجمهورية على السطح في وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث تبادل الجمهوري آدم كيزينغر الاتهامات مع النائبة الجديدة الموالية لترمب مارجوري تايلور غرين. وقال كيزينغر إن تصريحات غرين، وهي من المتعاطفين مع حركة «كيو أنون» المؤمنة بنظريات المؤامرة، ستؤدي إلى أحداث مشابهة لعملية اقتحام الكابيتول. وغرّد: «هي ليست جمهورية. هناك كثيرون يدعون أنهم جمهوريون، لكنهم لا يشاركون الحزب في قيمه الأساسية».
تحديات «جمهورية»
ويشكل الأعضاء الجدد كغرين وغيرها تحديات كبيرة أمام الحزب الجمهوري. فغرين التي فازت بسباق مجلس النواب عن ولاية جورجيا، روّجت لنظريات المؤامرة في ملفات كثيرة، كما أنها أعربت عن دعمها لحركة «كيو أنون» التي صنّفها مكتب التحقيقات الفيدرالي على أنها تهديد إرهابي داخلي.
ومن مواقف غرين المثيرة للجدل، تصريحات عبر الفيديو تقول فيها إنه يجب منع المسلمين من تسلم مناصب حكومية، كما اعتبرت أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أتت «من الداخل»، وأن حوادث إطلاق النار في مدراس أميركية كانت مفتعلة.
وقد عادت غرين إلى الواجهة بقوة بعد أن نشرت محطة «سي إن إن» تقريراً يعرض مواقف سابقة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو فيها إلى استهداف ديمقراطيين. ومن أكثر المواقف الصادمة لها بحسب تقرير «سي إن إن»، ردّ لغرين في العام 2018 على مستخدم في موقع «فيسبوك»، دعا فيه إلى «شنق» الرئيس السابق باراك أوباما ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. وأجابته غرين بأن «الاستعدادات جارية»، ويجب تنفيذ الأمر بشكل «متكامل».
وقد ردت غرين على هذه التقارير قائلة إن أشخاصاً كثراً كانوا مسؤولين عن حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن تتطرق إلى تسجيلات الفيديو التي أظهرتها وهي تتحدث عن بعض نظريات المؤامرة المذكورة.
وبمجرد صدور هذه التقارير، أدان مكتب زعيم الجمهوريين كيفين مكارثي تصريحات غرين، وقال المتحدث باسمه، مارك بيدنار، لموقع أكسيوس: «هذه التعليقات مقلقة للغاية، وسيتحدث الزعيم مكارثي مع النائبة بشأنها».
ويعتبر البعض أن هذا التصريح ليس كافياً للتطرق إلى المشكلة الفعلية التي قد تؤدي إلى مزيد من الاعتداءات على أعضاء الكونغرس. لهذا، فقد عمد النائب الديمقراطي جيمي غوميز إلى طرح مشروع قانون لطرد غرين من مجلس النواب. وقال غوميز: «إن الدعوة للتشدد والتمرد لا يتطلب الطرد من الكونغرس فحسب، بل يستحق إدانة قوية وواضحة من كل زملائها الجمهوريين، بمن فيهم زعيم الأقلية في (النواب) كيفين مكارثي، و(الشيوخ) ميتش ماكونيل».
وتحدث غوميز عن طرحه لطرد غرين من المجلس قائلاً: «إن وجودها في منصبها يشكل تهديداً مباشراً لأعضاء الكونغرس». وعلى الرغم من مواقف غرين العلنية، سيكون من الصعب أن تبصر مساعي طردها من الكونغرس النور. فأي مشروع قانون بهذا الشأن سيتطلب أغلبية ثلثي الأصوات في مجلس النواب، ما يعني انضمام 60 جمهورياً للديمقراطيين في عملية التصويت.
وعادة ما تتم معاقبة نواب على تصريحات عنصرية أو مثيرة للجدل عبر حرمانهم من مقاعد في لجان الكونغرس، وهذا ما فعله مكارثي في العام 2019 عندما جرّد النائب الجمهوري ستيف كينغ من مناصبه في اللجان بسبب تصريحات داعمة للعنصريين البيض. لكن مكارثي هذه المرة عيّن غرين في لجنة التعليم، ولم يجردها حتى الساعة من منصبها.
وقد أثار تعيين غرين في اللجنة غضب بيلوسي، فقالت في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي: «القيادات الجمهورية تجاهلت تصريحاتها، ثم عيّنتها في لجنة التعليم! لقد سخرت من مقتل أولاد في المدارس، وعينوها في لجنة التعليم؟ بماذا يفكرون؟ هذا مثير للغضب!».
وكانت تصريحات غرين أثارت انتقادات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي اعتبرت أنه يجب وضع النائبة الجمهورية على لائحة المراقبة، وليس في الكونغرس. كما وصفت رئيسة اللجنة الجمهورية الوطنية رونا مكدانييل تعليقات غرين على وسائل التواصل الاجتماعي بـ«المقززة»، معتبرة أنه لا مكان لتصريحات من هذا النوع في الحزب الجمهوري، وأنه «يجب النظر فيها». وتطرقت مكدانييل إلى حركة «كيو أنون»، فقالت: «إنها منظمة خطيرة، ويجب أن ننظر فيها وأن نكون حاسمين في عدم دعمنا لأي مجموعة تحث على العنف».
وقد أثارت غرين البلبلة في أكثر من مناسبة منذ تسلمها منصبها، إذ رفضت ارتداء كمامة في مجلس النواب، وبعد أن أرغمت على ذلك بسبب قوانين المجلس، سعت إلى ارتداء كمامات مثيرة للجدل، كتب عليها «ترمب فاز» و«تم حظري». كما أنها أعلنت عن سعيها لعزل بايدن في أول يوم من تسلمه للرئاسة.
ويشار إلى أن المرة الأخيرة التي طرد فيها مجلس النواب نائباً كانت في العام 2002، عندما صوّت المشرعون لصالح طرد النائب الديمقراطي جايمس ترافيكانت بعد إدانته بـ10 جنح مرتبطة بالرشوة.