مصر تحذر إثيوبيا: نرفض أن يكون النيل رهينة

شكري عبّر أمام البرلمان عن حرص بلاده على إتمام المصالحة العربية

TT

مصر تحذر إثيوبيا: نرفض أن يكون النيل رهينة

حذرت مصر إثيوبيا من إطالة أمد مفاوضات «سد النهضة»، والاستمرار في تشييد السد دون التوصل لاتفاق يبدد المخاوف المصرية من تأثيره على حصتها في نهر النيل. وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمام البرلمان، أمس، إن دخول بلاده المفاوضات لا يعني أنها «تتفاوض من أجل التفاوض»، مشدداً على أن مصر «لم ولن نقبل بفرض الأمر الواقع... ولم ولن نقبل بأن يقع هذا النهر (النيل) رهينة لسعي البعض للسيطرة عليه».
وتجري مصر وإثيوبيا والسودان، مفاوضات منذ نحو 10 سنوات، لكنها لم تؤد إلى تحريك الموقف المتجمد، رغم دخول أطراف دولية فاعلة مثل الولايات المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي. وتطالب مصر والسودان، بضرورة عقد اتفاق «قانوني ملزم»، ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد، الذي يقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ومن المقرر أن تصل سعته خزانه إلى نحو 74 مليار متر مكعب.
وقال وزير الخارجية المصري، أمام مجلس النواب، أمس، إن «الدبلوماسية المصرية تولي اهتماماً كبيراً لأزمة سد النهضة على نحو يعكس ما توليه لهذا الملف الحيوي من اهتمام بالغ باعتبارها قضية وجودية للشعب المصري، وبهدف ضمان الحفاظ على مصالح مصر وحقوقها المائية». ولفت إلى مشاركة بلاده في العديد من الجولات التفاوضية برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي، أفضت إلى بلورة اتفاق متكامل حول السد قامت مصر بتوقيعه بالأحرف الأولى، فيما رفضت إثيوبيا التوقيع وشرعت في ملء خزان السد كمرحلة أولى بشكل أُحادي.
وشملت التحركات المصرية الدبلوماسية إحالة الملف إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، الذي عقد جلسة نهاية يونيو (حزيران) الماضي، في سابقة تاريخية كونها المرة الأولى الذي يناقش فيها مجلس الأمن مسألة ذات صلة باستخدام واستغلال الموارد المائية والأنهار العابرة للحدود.
وقال شكري إنه أعقب جلسة مجلس الأمن إطلاق المفاوضات الجارية برعاية الاتحاد الأفريقي، وهي مفاوضات «انخرطت فيها مصر إيماناً منها بالعمل الأفريقي المشترك وسعياً لتسوية هذه القضية في إطار البيت الأفريقي». كما أشار إلى أن الدبلوماسية المصرية نجحت في استصدار قرارين من مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري العام الماضي أكدا تضامن الدول العربية مع حقوق مصر المائية.
وحذر شكري إثيوبيا قائلاً: «إن دخول مصر في التفاوض، لا يعني أننا نتفاوض من أجل التفاوض، وإنما من أجل قضية عادلة، ولم ولن نقبل بفرض الأمر الواقع، ولم ولن نقبل أن يقع هذا النهر رهينة لسعي البعض للسيطرة عليه». ونوه بأن هناك تنسيقاً بين أجهزة الدولة بشأن مستجدات «سد النهضة» بشكل يومي، مشيراً إلى أن مصر حريصة على علاقاتها مع الأشقاء في أفريقيا وخصوصاً إثيوبياً، و«لكن للأسف لا توجد حتى اللحظة إرادة حقيقية لدى إثيوبيا للحل عبر التفاوض، وسنظل نعمل من أجل الوصول إلى الحلول... ولدينا القدرة العزيمة على الحفاظ على حقوقنا المائية». وترفض إثيوبيا إضفاء طابع قانوني على أي اتفاق يتم التوصل إليه، يلزمها بإجراءات محددة لتخفيف حدة الجفاف.
من جهة أخرى، استعرض وزير الخارجية المصري، أمام البرلمان، محددات السياسة الخارجية لبلاده تجاه القضايا الإقليمية والدولية. وقال شكري إن «مصر حريصة على إقامة علاقات متوازنة وقوية ومتينة، خصوصاً مع الدول العربية»، منوهاً بأن «مصر تتضامن مع الأشقاء في السعودية والإمارات، وبناء على معاهدة العلا حافظنا على الوحدة العربية والتضامن العربي ونأمل أن تتحقق البنود كافة». ووقعت مصر والسعودية والإمارات والبحرين اتفاق مصالحة مع قطر، خلال القمة الخليجية التي عقدت مؤخراً بالعلا في السعودية. وقال شكري إن «مصر الدولة العربية المحورية تتحرك من أجل الحفاظ على ما تحقق من نجاحات في الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن وزارته تعمل على تنفيذ رؤية الدولة للدفاع عن المصالح والجهود، بما يضمن حماية وصون الأمن القومي ومواجهة الإرهاب وتحقيق التنمية المستدامة.
ولفت إلى أن مصر لم تبتعد عن محيطها العربي، ورغم توقيع اتفاقية السلام مع دولة إسرائيل، فإن القضية الفلسطينية ما زالت هي القضية الأهم التي تتصدى لها في كل وقت.
وحول العلاقات مع أميركا، أكد شكري أن العلاقات المصرية الأميركية استراتيجية وسياسية وعسكرية وتقوم على المصالح المشتركة، وستكون على النهج نفسه خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً مع تغيير الإدارات، وأن «مصر منفتحة على إدارة الرئيس جو بايدن وبالمنهج القائم نفسه، و(هو عدم التدخل في الشأن الداخلي والمصالح المشتركة)».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».