لا يزال جمهور السينما متعلقاً بذكرى النجمة النمساوية الأصل رومي شنايدر رغم مرور عقود على رحيلها. والدليل الرواج التجاري والتغطيات الإعلامية الواسعة التي يلقاها كتاب من نوع المذكرات الحميمة، صدر في باريس مؤخراً من تأليف سارة بيازيني. وسارة هي ابنة رومي وتعمل ممثلة أيضاً. وهي تبلغ من العمر حالياً 43 عاماً، وكانت في الرابعة من العمر عند وفاة والدتها بسكتة قلبية، أو على الأرجح انتحارها.
لماذا انتظرت الابنة كل تلك السنوات لتكتب هذا النص العاطفي المنقوع بماء الورد، كما يقولون؟ إنّها تعترف برغبتها في الكتابة منذ زمان، لكنّها لم تكن تجد موضوعاً تكتب عنه.
ثم خطر ببالها أن تستثمر حكايتها العائلية الخاصة باعتبارها ابنة ممثلة قديرة وشهيرة، وهو ما لم تتمكن شخصياً من بلوغه. وكان السؤال «ماذا أكتب عن أمي وأنا لم أعرفها جيداً ولا أحمل ذكريات كثيرة عنها؟». نقرأ في الكتاب أن سارة كانت تشعر بالحرج حين تلتقي بالناس فيسألونها عن رومي وتجد نفسها عاجزة عن إرواء ظمأهم لمعلومات جديدة. كان مكتوباً عليها أن تعيش وهي تحمل صفة «ابنة رومي» التي تطغى على اسمها الخاص. ثم وجدت نفسها ذات يوم تستعد بدورها لتصبح أماً. ولما وضعت طفلتها قال لها زوجها «حان الوقت لأن تكوني والدة لطفلتك ولست طفلة لوالدتك فحسب».
تلك العلاقة مع مفهوم الأمومة هو ما تركز عليه سارة بيازيني في كتابها الصادر عن منشورات «ستوك» في باريس. وهي أمومة رومي شنايدر التي انجرحت جرحاً لم يندمل بمصرع ابنها البكر ديفيد في حادث سقوط من النافذة.
وهي تحاول أن تتخيل لوعة امرأة يموت ابنها قبلها. وبعد 10 أشهر على رحيله وُجدت الممثلة جثة هامدة في منزل كان المنتج التونسي طارق بن عمار قد أعارها إياه. لكن المؤلفة تنفي انتحار والدتها وتؤكد أنّ المشاهد التي بقيت في ذهنها عنها هي صورة امرأة دائمة الابتسام رغم كل شيء.
من الأمور التي تكشفها سارة بيازيني أنّها تلقت اتصالاً في نهار ربيعي من عام 2017 يفيد بأنّ قبر والدتها قد تعرض للنبش. وكان مطلوباً منها أن تتسلم الجثمان وتعيد ترميم المرقد. وتكتب أنّها وجدت نفسها تقيم جنازة ثانية لوالدتها، رغم أنها لم تحضر جنازتها الأولى.
يبحث القارئ عن قصص الحب المدوية التي عاشتها رومي في حياتها فلا يجد تفاصيل جديدة. لقد ارتبطت بعلاقات مع زملائها الممثلين جان لوي ترنتتنيان، وجان كلود بريالي، لكن غرامها بالنجم آلان دولون كان السبب في أن تترك حياتها السابقة وتنتقل لتعيش قربه في باريس. لكن ديلون خذلها وخرج من حياتها كما ينزل الراكب من عربة قطار. وقد تودد كثيرون لها، وكانت كريمة مع أصدقائها، سهرت كثيراً وأنفقت عليهم كثيراً وانتهت زوجة لدانييل بيازيني، سكرتيرها وسائق سيارتها والرجل المخلص الذي كان يهتم بشؤونها كافة ويرعى ابنها ديفيد الذي كانت رزقت به من زوجها الأول الممثل الألماني هارالد ميين. وكانت سارة هي ثمرة الزواج الثاني.
في ملامح الابنة الكثير من تعبيرات رومي. لكنّها لم ترث الشقاوة ولا الموهبة. وقد رباها أبوها بعيداً عن الأجواء الفنية، وحاول إخفاءها عن أعين الصحافة؛ لئلا تجري المقارنة بينها وبين والدتها وبالتالي استدراجها إلى التمثيل.
وفي صغرها، سمح لها بأن تتفرج على سلسلة أفلام «الإمبراطورة سيسي» التي كانت رومي شنايدر قد بدأت بها حياتها الفنية. وعندما كبرت قليلاً شاهدت الأفلام الأخرى التي قامت أمها ببطولتها، وبالأخص «حمام السباحة» أمام آلان ديلون.
حاول مخرجون كثيرون التعاقد مع سارة مستغلين الشبه بينها وبين والدتها. لكنّها رفضت تلك المحاولات وظلت تقاوم ميولها الفنية التي ورثتها من أمها رومي، ومن جدتها الممثلة ماغدا شنايدر، ومن والدة جدتها الممثلة روزا ريتي. أرادت أن تشق طريقها في دراسة تاريخ الفن وحلمت بمتاحف تفتح أبوابها بالمجان لكل الناس، أما الذين يتعذر عليهم السفر وزيارة أهم متاحف العالم، فلا بأس من نقل الآثار إليهم وإقامة معارض متنقلة تصل إلى أبعد مناطق الكرة الأرضية.
بعد الماجستير، عملت سارة بيازيني في شركات تجارة التحف، لكنّها ظلت تشعر بأنّها في غير مكانها الطبيعي، وأن شيئاً ما، مثل نداء مُبهم، يدعوها لتغيير مسارها في الحياة. وهكذا، ليلة احتفالها بُعيد ميلادها الخامس والعشرين، قررت أن تصارح أباها وتقول له «أظن أنني أريد أن أصبح ممثلة مثل أمي وجدتي وجدة أمي».
وهكذا سافرت إلى لوس أنجليس، ودخلت مدرسة للتمثيل في المدينة التي يريد كل من فيها أن يصبح ممثلاً. وهناك صقلت سارة لغتها الإنجليزية التي كانت قد درستها في الجامعة ونالت شهادة من معهد «لي ستراسبورغ» لإعداد الممثلين.
حال عودتها إلى باريس، كان هناك دور في انتظارها في فيلم تجري أحداثه في القرون الوسطى، من إخراج شارلون براند شروم. ومن السينما قفزت سارة بيازيني إلى المسرح وأدت دوراً في مسرحية بعنوان «قدمان حافيتان في الحديقة».
ومنذ ذلك الدور وحتى اليوم وهي تعيش محنة عشرات الصحافيين الذين يسعون لمقابلتها بحثاً عن ضحكة رومي وزرقة عيني رومي. لكنها تقول إنّها كبرت ولم تعد تخاف من المقارنات بينها وبين أمها.
وهي تحب التمثيل ولا تريد أن تتراجع عنه. هل يأتي كتابها الأول بمثابة تحريك لمياه مهنتها الراكدة؟
«جمال السماء»... ابنة رومي شنايدر تكتب عن والدتها التي لا تعرفها
«جمال السماء»... ابنة رومي شنايدر تكتب عن والدتها التي لا تعرفها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة