الشباب الفرنسي يشتكي من التمييز في ضواحي باريس الأكثر فقرا

4 ملايين شخص يعيشون حول أبراج عالية.. وأزقة تحرسها عصابات

الأحياء الفقيرة بضواحي باريس
الأحياء الفقيرة بضواحي باريس
TT

الشباب الفرنسي يشتكي من التمييز في ضواحي باريس الأكثر فقرا

الأحياء الفقيرة بضواحي باريس
الأحياء الفقيرة بضواحي باريس

في سن الـ17 «تخلى» ياسين عن الدراسة ولم تعد تساوره أي أوهام حول المستقبل. وعلى غرار الكثير من الشبان في الأحياء الفقيرة بضواحي باريس، يعتبر نفسه ضحية لتمييز اجتماعي ذهب رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل فالس إلى حد تشبيهه بنظام الفصل.
وقال هذا الشاب الخجول: «المدرسة كانت صعبة جدا. أعدت السنة ثم توقفت». وكان يأمل بالنجاح في امتحانات الباكالوريا قبل متابعة الدراسة في الجامعة.
ورغم البرد، يهيم ياسين مع صديقه حول الأبراج العالية في بوبيني، التي شيدت في الأساس لتأمين مساكن لائقة للأسر ذات الدخل المحدود قبل أن تتحول اليوم إلى رمز للضيق في الأحياء الأكثر فقرا حيث غالبية السكان تتحدر من مهاجرين.
وغالبا ما تشهد الأزقة التي تربط بين هذه المباني بيع مخدرات خلال الليل بينما تفرض عصابات يقودها شبان قوانينها الخاصة في الأحياء «الحساسة». وأضاف ياسين: «إذا قصدت رب عمل سيكون من الصعب أن يوظفني مع أصولي والمنطقة التي أقيم فيها». وياسين من أب وأم جزائريين هاجرا إلى فرنسا.
ولذلك فإن الصعوبات الاجتماعية أكثر حدة في الأحياء التي تعتبر حساسة والتي يعيش فيها 4.7 مليون شخص أي 7.5 في المائة من السكان في فرنسا، بحسب المرصد الوطني للمناطق الحضرية الحساسة.
والفقر في هذه المناطق يفوق بثلاثة أضعاف مستواه في سواها من المناطق بينما الأمية أعلى بـ4 مرات (12 في المائة في 2012) ونسبة البطالة تبلغ فيها 24 في المائة في مقابل 10 في المائة تقريبا على المستوى الوطني، بحسب التقرير الأخير للمرصد. وأثار رئيس الوزراء صدمة في بعض الأوساط السياسية عندما أعلن الأسبوع الماضي أن هناك «فصلا محليا واجتماعيا وإثنيا» في البلاد. وبعد الاعتداءات الدامية التي نفذها 3 شبان مسلمين متحدرين من أصول مهاجرة، استنكر فالس وجود «أحياء فقيرة معزولة» في فرنسا.
ويقول محمد المولود في فرنسا من والدين مغربيين أتيا مع مهاجرين آخرين في ستينات القرن الماضي «نعم لقد ألقوا المهاجرين في تلك المدن وكأنهم حيوانات في الأقفاص». وأضاف محمد (32 عاما) أنه في هذه المدن حيث تسود الجنح «يحمل الفقر وقلة النقود الشباب على ارتكاب أعمال غير قانونية وعلى السطو».
وتابع: «لو كان اسمي جان شارل وكنت أشقر وأزرق العينين لكنت عثرت على عمل بسهولة أكبر».
ويشير تقرير المرصد إلى أن الشباب في هذه الأحياء يواجهون عند بحثهم عن عمل عراقيل عدة: ندرة الفرص (66 في المائة) وقلة الخبرة (58 في المائة) وقلة الشبكات المهنية (36 في المائة) وصعوبات مرتبطة بمكان السكان (9 في المائة).
ويقول نادر كاهيا رئيس جمعية «بانليو بلوس» التي تعنى بالشباب في تلك المناطق إن «أي شاب من هذه الأحياء فرصه أدنى بـ3 مرات للعثور على عمل». ويطالب كاهيا «باتخاذ إجراءات فعلية لكسر الفصل»، مشيرا إلى تعبير «الجدار الدائري» الذي يفصل هذه المدن عن باريس. وشدد على أن الأولوية الأهم هي التعليم «لأن الكثير من الشباب مهمشون ولا يذهبون إلى المدرسة أو فشلوا فيها». واعتبر أن «سياسة الاندماج أو الاستيعاب فشلت لأنها لم تأخذ سكان الأحياء الشعبية في الاعتبار على أنهم مواطنون كاملو الحقوق، مواطنون مساوون لغيرهم». وكانت الحكومة الفرنسية اتخذت إجراءات وخصصت مليارات الدولارات لإعادة تأهيل تلك المناطق بعد أعمال الشغب في الضواحي في 2005. إلا أن كاهيا أشار إلى «عدد متزايد من الشباب في هذه الأحياء يحقق نجاحا وينتقل إلى الطبقة المتوسطة».
ويقول الكاتب رشيد سنتاكي المتحدر من تلك المدن إن «رد الفعل الأول» لدى الذين يحققون نجاحا هو الرحيل عن تلك الأحياء. وشدد سنتاكي الذي يقوم بعدة مبادرات في تلك الأحياء إذ يعتبر أن الثقافة تعزز الروابط الاجتماعية على وجود «نوع من العزلة الذهنية». وأعرب عن قناعته بأن سكان هذه المدن عليهم التخلي عن «الانهزامية» و«تحمل مسؤولياتهم». وأضاف: «عليهم أولا أن يبدأوا بالانتخاب ليكون للضواحي وزن سياسي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».