توثيق «مقومات التكنولوجيا» في مصر القديمة

عبر كتاب يرصد صناعة الأسلحة وأدوات الري والتعدين

توثيق «مقومات التكنولوجيا» في مصر القديمة
TT

توثيق «مقومات التكنولوجيا» في مصر القديمة

توثيق «مقومات التكنولوجيا» في مصر القديمة

توثق «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، مقومات التكنولوجيا في مصر القديمة عبر إصدار كتاب جديد للراحلة الدكتورة فرخندة حسن، تحت عنوان «التكنولوجيا المصرية القديمة». ويتناول الكتاب تميز مصر بمقومات عدة أتاحت نشأة وازدهار أولى الحضارات الموثَّقة، ففي الوقت الذي برع المصريون القدماء في ابتكار واختراع التكنولوجيات التي مكّنتهم من استغلال كل ما هو متاح من موارد في صالح كل مجالات الحياة، حرصوا على توثيق أعمالهم بتفاصيلها الدقيقة بطرق تضمن بقاءها لتكون شاهدة على إنجازاتهم على مر الزمان.
ووفق مؤلفة الكتاب فإن ابتكار واختراع عدد من الآلات والأدوات مكّن المصريين القدماء من توثيق ما قاموا به، إمّا بالحفر والنقش على الحجر وإما بالكتابة على أوراق وملفوفات البردي المحفوظة والمعروضة في الكثير من متاحف العالم.
وسلط الكتاب الضوء على أهم أشكال التكنولوجيا التي ابتكرها المصريون القدماء على غرار «تكنولوجيا الري، وتكنولوجيا الزراعة، وتكنولوجيا صناعة الخبز والمواد الغذائية، وتكنولوجيا البناء، وتكنولوجيا التعدين، وتكنولوجيا صناعة الأسلحة الحربية، وتكنولوجيا الكتابة وأدواتها، وتكنولوجيا الممارسات الطبية وصناعة العقاقير» وغيرها، كما تضمّن الكتاب بعض صور تلك الأشكال وكيفية القيام بها.
ويعزو خبراء آثار سبب براعة المصريين القدماء في ابتكار أدوات جديدة إلى حاجتهم الكبيرة لها في تلك الفترة، ويرى الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية، أنّ المصريين القدماء تفوقوا على كل الحضارات التي عاصروها في فجر التاريخ بما أنجزوه في مجالات الطب والبناء والتعدين والتحنيط، والزراعة والري والفلك، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كان نهر النيل أكبر مسوّغ لازدهار الحضارة المصرية القديمة بمركزيته ومساهمته في الانتقال بين شمال وجنوب البلاد، فقد شهدت جميع أنحاء البلاد وقتئذ انتشار هذا التقدم بشكل متزامن».
وشبّه عبد البصير، مصر القديمة بأنّها «كانت مثل كبريات الدول التكنولوجية المتقدمة في الوقت الراهن على غرار الولايات المتحدة الأميركية، إذ كانت تتمتع بالقدرة على الإنتاج الذاتي، عالمي الإبداع، وذائع الانتشار، وجاء ذلك في وقت كانت تعاني الحضارات المنافسة لها من فترات تراجع وضعف، وعدم القدرة على الابتكار والتجديد».
ويعد هذا الكتاب آخر ما قدمته الدكتورة فرخندة حسن للهيئة المصرية العامة للكتاب قبل رحيلها في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وهي سياسية وأكاديمية مصرية، شغلت منصب الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، وكانت تعمل أستاذة جيولوجيا في الجامعة الأميركية بالقاهرة.
وحسب عبد البصير، فإنّ اتجاه المصريين القدماء إلى الكتابة في وقت مبكر من التاريخ أسهم في معرفتنا بمقومات التكنولوجيا التي ابتكروها وقتئذ، بدايةً من الصناعات الحجرية والخشبية والنحت وبناء المقابر إلى جانب دخول عصر بناء الأهرامات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».