الموضة والسياسة... علاقة مؤثرة عمادها رسائل مبطنة

حفل تنصيب الإدارة الأميركية الجديدة يُذكّر بأهمية الأزياء التاريخية

جيل بايدن وأسلوب كلاسيكي  في اختيار الأزياء (غيتي)
جيل بايدن وأسلوب كلاسيكي في اختيار الأزياء (غيتي)
TT

الموضة والسياسة... علاقة مؤثرة عمادها رسائل مبطنة

جيل بايدن وأسلوب كلاسيكي  في اختيار الأزياء (غيتي)
جيل بايدن وأسلوب كلاسيكي في اختيار الأزياء (غيتي)

سيكون اليوم الأربعاء يوماً مهماً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. والمقصود هنا ليس فقط الاحترازات الأمنية والمخاوف من انتشار عدوى «كوفيد - 19»، ونشوب مناورات مع مناصري الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، وما إلى ذلك، بل أيضاً الموضة التي سيكون لها نصيب لا يستهان به من الأهمية في هذا اليوم التاريخي. فقد تكون لعروض الأزياء العالمية وحفلات الأوسكار وحفل الموضة السنوي الذي ينظمه متحف ميتروبوليتان للفنون أهميتها الفنية والتجارية القصوى، لكنها لا ترقى إلى حفل تنصيب الرئيس الأميركي. فما يلبسه الرئيس الجديد وزوجته يبقى مؤرخاً في كتب التاريخ وفي أرشيف مكتبة «سميثسون» لتُمحصه وتدرسه أجيال قادمة.
السبب يشرحه أندرو بولتون، أمين متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك، بقوله إن «الموضة مرآة تعكس أحداث العصر، بما فيها السياسة، ذلك أنها استعملت دائماً للتعبير عن الميول الوطنية أو القومية، كما لتسليط الضوء على القضايا المعقدة المتعلقة بالطبقية والعرق، ومؤخراً قضايا البيئة من دون أن ننسى البروباغندا». يشير بولتون أيضاً إلى أن المصممين لا يصنعون أزياء أنيقة فحسب، بل هم ناشطون مؤثرون من الناحية السياسية بشكل غير مباشر.
مصمم دار «لويس فويتون» فيرجيل أبلو، ومؤسس ماركة «أوف وايت»، يؤكد هذا الرأي بقوله إن السياسة لم تعد اهتماماً ثانوياً في حياة الناس «بل هي جزء من ديناميكية نعيشها بشكل يومي... فهي تحاصرنا من كل صوب بدءاً من هواتفنا المحمولة إلى ثقافة الشارع ما جعل أزياءنا هي الأخرى سياسية».
أهمية حفل التنصيب تعود إلى أنها الانطباع الأول، وهي التي تُعطي فكرة عن أجندة الإدارة الجديدة وما تأمل تحقيقه. طريقة اختيار الأزياء ترسخ الانطباع الأول، حسب ما تقوله كيمبرلي كريسمان، وهي مؤرخة موضة في كتابها «Worn on This Day: The Clothes That Made History». تم ارتداؤه في هذا اليوم: ملابس صنعت التاريخ».
تستدل بالأزياء التي اختارها جون كيندي وزوجته جاكلين في حفل تنصيبه عام 1961. وهو أول حفل يتم بثه على التلفزيون بالألوان. أشعلت أزياء الرئيس وزوجته خيال المتابعين، بحيث كان نقطة التحول في علاقة الموضة بالسياسة. فرغم أن الرئيس الشاب ظهر آنذاك ببدلة رسمية تقليدية وقبعة رأس كما جرت العادة من قبله، إلا أنه سرعان ما خلع القبعة في حركة غير مسبوقة أثارت حفيظة الجيل القديم وأثارت إعجاب الجيل الجديد الذي كان يستهدفه كيندي. بين ليلة وضحاها تراجعت مبيعات القبعات، ثم اختفت تماماً من حفلات تنصيب كل من خلفوه من الرؤساء حفاظاً على ولاء الشباب. جاكلين كيندي أيضاً غيرت وجه الموضة بعد ظهورها بمعطف مستقيم من الصوف تزينه أزرار كبيرة عوض معطف فخم من الفرو وفستان طويل. كان منظرها بسيطاً مقارنة بمن سبقنها من زوجات الرؤساء لكنه كان عصرياً. كان كل شيء في أزياء الزوجين يقول بأنهما من جيل الشباب وأنهما مع التغيير، وهو ما خلف أصداء إيجابية.
لكن شتان بين التغييرات التي شهدتها حقبة الستينيات من القرن الماضي وما تفرضه جائحة «كورونا» وحملات «مي - تو» النسوية وحركة السود من تغييرات حالية. فإذا كانت صورة جاكلين كيندي في عام 1961 مثيرة للأحلام ورومانسية بشكل عصري، فإن الصورة التي يمكن أن تُطل بها كل من جيل بايدن وكمالا هاريس على العالم اليوم الأربعاء ستكون أكثر واقعية وعملية تعكس شخصية كل من جيل بايدن التي تعشق مهنة التدريس وتنوي الاستمرار فيها حتى بعد أن تصبح سيدة أولى، وقوة وكاريزما كمالا. المؤكد أن الأنظار ستُسلط على هذه الأخيرة أكثر، ليس لأنها أول امرأة تتبوأ هذا المنصب القوي فحسب، بل لأنها أيضاً تتحدر من أصول جمايكية وهندية.
حفل التنصيب سيكون مناسبة تتحد فيها قوى الإدارة الجديدة لتأتي الصورة قوية وباعثة على الأمل في لم الشمل بعد الشتات الذي شهدته الولايات المتحدة مؤخراً. الألوان التي ستختارها جيل وكمالا، وطبعاً الرئيس الجديد جو بايدن، سيتم اختيارها بعناية فائقة، لأنها ستكون رسائل للعين واللاوعي. وبينما سيبقى الأحمر والأزرق والأبيض الاختيار التقليدي للرئيس لأسباب معروفة، فإن الاختيار أمام السيدات سيبقى مفتوحاً بلا قيد أو شرط.
لكن لا يتوقع العديد من متابعي الموضة أن يحمل اليوم مفاجآت كبيرة في هذا الجانب. فجيل بايدن قد تظهر بفستان أو معطف بتصميم أنيق يؤكد حبها للألوان والتنويع في ارتداء فساتين بتصاميم عصرية وشبابية، بينما تُرجح التوقعات أن تظل كمالا وفية للتايور المكون من بنطلون وجاكيت. ربما ستُضفي عليه لمسة ناعمة بتنسيقه مع قميص من الساتان وعقد من اللؤلؤ، كما لا يُستبعد أن تطعمه بلمسة تشير إلى جذورها العرقية، وفي كل الحالات ستكون إطلالة قوية تعكس الوضوح والتفاؤل والأمل، وكلها صفات تعكس شخصيتها وتوجهاتها السياسية.
النقطة الأخرى، التي لا تقل أهمية، أن كل الأزياء ستكون مصنوعة في الولايات المتحدة الأميركية. فهذا هو التقليد منذ عهد جورج واشنطن الذي يقال إنه تعب طويلاً ليجد خياطاً أميركياً يصنع له بدلته الصوفية الخاصة بتنصيبه. هذا التقليد احترمه كل من أتوا من بعده، وتفسره كامبل في كتابها بأنه ليس مجرد تعبير عن شعور وطني، بل أيضاً دعاية ودعم للمصممين المحليين، وهو ما سيُرحب به صناع الموضة الأميركية الآن أكثر من أي وقت مضى، بسبب الضرر الذي لحق بهم بسبب الجائحة من جهة ورفضهم لشعبوية ترمب من جهة ثانية. فرفضهم التعامل معه أو مع ميلانيا كلفهم الكثير. الإدارة الجديدة تُدرك جيداً أهمية الموضة كقطاع فعال ومؤثر، ليس على المخيلة أو الاقتصاد فحسب، بل أيضاً كأداة لتوحيد القوى. وهذا ما يأمل الكثيرون رؤيته على منصة التنصيب غداً من خلال أزياء تعبر عن الشمولية والتنوع. الآمال معقودة على كمالا هاريس طبعاً. فتأثيرها بالنسبة لصناع الموضة الأميركية سيكون مثيراً وديناميكياً لمسوه خلال حملتها الانتخابية، بعد تصدرها غلاف مجلة «إيل»، ومؤخراً غلاف مجلة «فوغ»، النسخة الأميركية لعدد شهر فبراير (شباط)، الذي ما إن تسرب حتى أشعل جدلاً لم تنته أصداؤه بعد، مؤكداً أن الانتقاد قاسم مشترك بين الموضة والسياسة، وبأن رضا الجميع غاية لا تُدرك.
كان الغلاف خبطة صحافية بكل المعايير بالنسبة للمجلة، يؤكد أن الموضة والسياسية مترابطان بخيوط متينة تشكل قناعات مؤثرة. من هذه القناعات مثلاً أن المجلة رفضت رفضاً قاطعاً التعامل مع ميلانيا ترمب طوال حكم زوجها، بحيث لم تظهر على غلافها سوى في عام 2005، أي قبل أن يتولى زوجها الرئاسة. تجاهلها طوال أربع سنوات يتناقض مع تقليد اتبعته المجلة وتمنح فيه سيدات البيت الأبيض صفحات سخية، سواء من خلال جلسات تصوير أو حوارات خاصة، كما لن يفهمه البعض بالنظر إلى أن ميلانيا ترمب تتمتع بكل مواصفات عارضات الأزياء وتعتبر مناسبة جداً لتصدر غلاف أي مجلة براقة أكثر من ميشال أوباما التي منحتها «فوغ» ثلاثة أغلفة، الأمر الذي أغاظ دونالد ترمب وجعله يُعبر عن استيائه بتغريدة يدين فيها هذا التجاهل.
بيد أن الحيز الأكبر من الجدل حول غلاف «فوغ» الأخير، ليس اختيار كمالا، بل الصور التي تظهر فيها بإضاءة باهتة وتايور وحذاء رياضي وقلادة من اللؤلؤ قيل إنها من خزانتها الخاصة، ولم تتدخل خبيرات المجلة في اختيارها، لتأتي النتيجة أقل من عادية مقارنة بأغلفة «فوغ» المبهرة. لم يشفع للغلاف أن مصوره تايلر ميتشل، هو أول مصور أسود تتعامل معه المجلة. ما يعرفه كل صحافي، أن الحصول على موافقة شخصية مثل كمالا، وفي هذا التوقيت لكي تخضع لجلسة تصوير وإجراء لقاء صحافي، يتطلب أحياناً تقديم عدة تنازلات. من هذا المنطلق يمكن فهم أن السيدة هاريس ليس لها أي رغبة في أن تغير الصورة التي اجتهدت في رسمها لعقود، فقط لـتبدو أكثر أناقة أو جمالاً في وقت تنادي فيه بالمساواة والعدالة الاجتماعية. فهي على العكس من ميلانيا تماماً لم تغازل الموضة أو تحلم بأن تكون فتاة غلاف. فالفرصة بالنسبة لها كانت تقديم رسالة سياسية من خلال مجلة لها تاريخ بحكم أنها تُدرك أهمية الأزياء كلغة صامتة لكن بليغة التأثير.
أنا وينتور أكدت الأمر عندما سارعت للدفاع عن الغلاف قائلة إن الفكرة كانت من البداية صورة تجسد الواقع الحالي الذي تفرضه جائحة «كورونا» والاقتصاد المنهار والحركات الاجتماعية المتمردة. هذا الواقع يفرض أزياء عملية وأجواء غير مبالغ فيها، لهذا كان من الضروري أن يعكس الغلاف ما نشهده الآن من أحداث. عندما يُطرح العدد في الأسواق في شهر فبراير المقبل، ستكون كمالا هاريس قد نصبت رسمياً نائبة رئيس لبايدن، وهو ما سيكون لحظة تاريخية بالنسبة للمرأة من جهة والأقليات العرقية من جهة ثانية، وسيثبت أن كمالا بأسلوبها المتمثل في التايور المكون من بنطلون وجاكيت، الذي لا تحيد عنه قوية لا تحيد أيضاً عن وعودها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».