في قلب القاهرة التاريخية وبإطلالة فريدة على مجموعة من أشهر المعالم الأثرية والسياحية النابضة بالأصالة والحياة، وسط بنايات عتيقة ذات معمار إسلامي عريق، تحيطها ورش الفنون اليدوية التراثية التي عرفتها مصر على مر العصور، ولدت مساحة فن جديدة ذات مشهد جميل ومهيب يجعلها مقصداً استثنائياً للفنانين والمعماريين والمبدعين الباحثين عن ملاذ ثقافي هادئ، وأجواء خاصة ملهمة تحت اسم «مرسم القلعة».
يستمد المرسم خصوصيته من مكانه، فهو يقع في حي «الخليفة» بالقرب من ميدان قلعة صلاح الدين الأيوبي (جنوب القاهرة)، في نطاق عمراني وتراثي مميز فهو أعلى تلة منفصلة عن هضبة المقطم، أو ما يسمى «الصُّوة»، مما يجعلها في موضع مرتفع يمنح المرسم إطلالة فريدة من نوعها على عدد كبير من المعالم الأثرية والمباني التاريخية، على غرار «مدرسة ومسجد السلطان حسن، الرفاعي، قاني باي الرماح، جوهر اللالا، تكية البسطامي، والبيمارستان المؤيدي، بيت المعمار المصري، متحف الزعيم مصطفى كامل، دار المحفوظات العمومية، وقلعة صلاح الدين بإضاءتها الليلية المؤنسة، كما أنّه في محيطه يوجد مسجد الناصر محمد بن قلاوون، وبوابة «باب العزب» التاريخية، وفي الأفق البعيد يمكننا رؤية حديقة الأزهر، والأهرامات، وجانب من متحف الحضارة. وسط هذا الزخم التاريخي انطلق المرسم الذي يتحدث عنه مؤسسه المهندس المعماري محمد وهدان، مدير مدرسة القلم لفن الخط العربي لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «لطالما كانت تراودنا فكرة توفير مساحة آمنة ورحبة كملاذ للمبدعين، وإتاحتها للمهتمين بالعمل في بيئة مختلفة من المشتغلين بالصناعات الإبداعية والتراث والعمارة والفنون والحِرف والتصوير الفوتوغرافي والسينمائي، ويبحثون عن الوجود في قلب القاهرة التاريخية، حتى رأى المرسم النور منذ أيام قليلة. مشيراً إلى أنّه يسعى على المدى الطویل أيضاً إلى التأثیر في النطاق المحیط، واستعادة جمالیات المنطقة التي لطالما اشتهرت بمنطقة «مونمارتر القلعة» على غرار «مونمارتر باريس»، كي تعود كما كانت بالسابق مقصدا للفنانین من الهواة والمحترفین ولكي یستخدموا فراغاتها لتقدیم إبداعاتهم الفنیة، إضافة إلى العمل على دمج المرسم بمسار السیاحة في القاهرة التاریخیة بالتعاون مع وكالات السفر والشركات السیاحیة، وتوفير إقامات فنية للفنانين؛ نظرا لافتقار منطقة القلعة لمثل هذه الخدمات».
مؤكداً أن «المرسم عبارة عن مركز ثقافي مستقل تابع لمؤسسة القلم للفنون والثقافة، ويقدم نشاطا خدميا غير هادف للربح، وفي ظل اتجاه الدولة لتطوير وتعزيز السياحة الثقافية بالمنطقة المحيطة بالمرسم سنعمل على التعاون مع وزارات الثقافة والشباب والرياضة والسياحة والآثار، خلال الفترة المقبلة، حيث وضعنا بروتوكول تعاون لعرضه على هذه الوزارات».
لم يأت توقيت انطلاق المرسم مصادفة، إذ يأتي تزامنا مع انطلاق عدة مشروعات تنموية في محيط درب اللبانة ومنطقة القلعة وفق وهدان: «يشهد المكان عدة مشروعات لتطويره، ومنها مشروع تطوير باب العزب، والممتد على مساحة 13 فدانا، الذي ينفذه الصندوق السيادي المصري تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، بهدف إحياء هذه المنطقة التي ظلت مغلقة لسنوات، واستغلالها بشكل استثماري وسياحي، فضلاً عن مشروع تطوير القاهرة التاريخية، ويستهدف في مرحلته الثانية منطقة درب اللبانة لتعزيز السياحة الثقافية بها».
يلمس زائر المرسم عراقة التفاصيل وأصالتها، عبر شعار المرسم الذي صممه الفنان أحمد الجداوي بالخط الكوفي المربع، بجانب احتلاله الطابق السابع في بناية عتيقة بحارة «الوالدة باشا».
ويتكون المرسم من صالة متسعة وثلاث قاعات متفاوتة المساحة: السلطان، والقلعة، والمحفوظات، ومجهز بقطع أثاث بسيطة ومستلهمة من التراث الإسلامي ما يتفق مع أجواء المنطقة، فضلاً عن الشُرفة الممتدة بعرض 18 مترا تقريبا مع واحدة من أفضل الإطلالات المتميزة على القاهرة التاريخية تحت ظل الشمس صيفا أو في دفئها شتاء، مع إمكانية الصعود إلى سطح المبنى حيث أعلى نقطة من دون حواجز للرؤية وسط بنايات منخفضة.
وداخل هذا المكان المُوحي لأي مبدع ستقام سلسلة من الفعاليات الفنية المتنوعة يكشف عنها المهندس وهدان: «ستكون في مجالات العمارة الإسلامية والرسم اليدوي، والفنون التشكيلية والتطبيقية، والموسيقى، والغناء الجماعي، مع إتاحة القاعات للفنانين والحرفيين المستقلين».
وداخل المرسم يمكن للزائر أن يلتقي بقامات ثقافية وفنية معروفة في إحدى الفعاليات مثل المهندس عصام صفي الدين مؤسس بيت المعمار المصري الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «رغم مشقة صعودي للدور السابع، وأنا على مشارف الثمانين من عمري فإنني كنت شغوفا بزيارة المرسم، لفكرته الجديدة في المشهد المصري، والإفادة التنموية والمجتمعية المتوقعة منه»، كما يلتقي الزائر بمجموعات من الشباب من تخصصات مختلفة يمارسون أنشطة متعددة، تقول المهندسة الشابة سارة هشام الديب المتخصصة في إعادة تأهيل المباني التاريخية: «المكان ملهم بالنسبة لأي فنان أو فرد يحب الوجود في الأماكن التراثية القديمة، لا سيما أنّه يوجد في حي عريق يأخذنا إلى أجواء البيازين في غرناطة حيث الأجواء التاريخية والأثرية والحواري الضيقة العتيقة، وكلها مصادر للإبداع، وأستطيع وصف من يوجد في حرم يجمع كل هذا التراث في مشهد واحد من الفائزين بمنجز إبداعي جديد!، كما أنّه مكان (استجمامي) ثقافي لأي طالب جامعي، فقد نجح في اجتذاب الشباب حتى من الكليات غير الفنية مثل الطب والحقوق والألسن، ما يتيح فرصا للتواصل الثقافي بين الشباب».
7:49 دقيقة
«مرسم القلعة» يجتذب محبي التّراث لإطلالته الفريدة على معالم القاهرة
https://aawsat.com/home/article/2752466/%C2%AB%D9%85%D8%B1%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%B9%D8%A9%C2%BB-%D9%8A%D8%AC%D8%AA%D8%B0%D8%A8-%D9%85%D8%AD%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%91%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D9%84%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9
«مرسم القلعة» يجتذب محبي التّراث لإطلالته الفريدة على معالم القاهرة
دُشّن بالتّزامن مع تطوير المنطقة التاريخية
- القاهرة: نادية عبد الحليم
- القاهرة: نادية عبد الحليم
«مرسم القلعة» يجتذب محبي التّراث لإطلالته الفريدة على معالم القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة