إقرار «شرعة مبادئ الإسلام» في فرنسا

ماكرون وعد بوضع حد لاستجلاب أئمة من الخارج خلال أربع سنوات

الرئيس ماكرون لدى استقباله أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في قصر الإليزيه أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون لدى استقباله أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في قصر الإليزيه أمس (رويترز)
TT

إقرار «شرعة مبادئ الإسلام» في فرنسا

الرئيس ماكرون لدى استقباله أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في قصر الإليزيه أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون لدى استقباله أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في قصر الإليزيه أمس (رويترز)

مرة جديدة، عاد موضوع الإسلام في فرنسا ليحتل واجهة الحدث السياسي، وذلك من خلال تطورين اثنين: الأول، توصل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى توافق بشأن «شرعة مبادئ الإسلام» في فرنسا، التي طلبها الرئيس الفرنسي ومارست السلطات الفرنسية ممثلة برئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون ووزير الداخلية جيرالد دارمانان، ضغوطاً شديدة على المجلس للتغلب على صراعاته ونزاعاته الداخلية وتضارب الآراء والمصالح بين مكوناته. والآخر، انطلاق مناقشة مشروع قانون محاربة الانفصالية الإسلاموية، أمس، في البرلمان، وهو يثير تجاذبات ليس بين الأكثرية والمعارضة، بل داخل كل عائلة سياسية يميناً ويساراً. ومن المنتظر أن تتواصل مناقشة مشروع القانون طيلة الأسبوع الحالي قبل التصويت عليه في قراءة أولى يتم بعدها نقله إلى مجلس الشيوخ. منذ الخطاب الذي ألقاه في 2 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في مدينة ليه مورو الواقعة شمال غربي باريس، طرح ماكرون رؤيته لـ«إسلام فرنسا»، وحدّد ما يريده للقضاء على ما سماه «الانفصالية الإسلاموية». ومما طلب من مسلمي فرنسا بلورة «ميثاق» أو «شرعة» يحددون فيه، عبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي كُلف المهمة، علاقة الإسلام بالجمهورية وتبنيه قيمها، وعلى رأسها مبدأ العلمانية ورفض العنف والتدخل الخارجي في شؤون ثاني أكبر ديانة في البلاد؛ ما يمر عبر إنشاء «المجلس الوطني» للأئمة الذي ستكون من مهامه الموافقة على تعيين أئمة فرنسيين وتنشئتهم في فرنسا. ووعد ماكرون بوضع حد لاستجلاب أئمة من الخارج خلال أربع سنوات، علماً بأن هؤلاء يأتون من ثلاثة بلدان رئيسية، هي الجزائر، والمغرب، وتركيا.
وبعد طول مخاض، نجحت الأطراف الثمانية التي يتشكل منها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في التوصل إلى اتفاق على نص «الشرعة» المؤلفة من ثماني صفحات، والتي تفتح الباب لإعادة تنظيم شؤون الإسلام والمسلمين في فرنسا التي تثار دورياً، وخصوصاً عند حصول عمليات إرهابية على الأراضي الفرنسية. وتجدر الإشارة إلى أن 251 شخصاً قُتلوا في أعمال إرهابية منذ بداية عام 2015، إضافة إلى مئات الجرحى. لكن التوصل إلى اتفاق احتاج إلى اجتماع دعا إليه دارمانان مساء السبت، وحضره رئيس المجلس محمد الموسوي ونائباه، أعلن الأول، على أثره، التوصل إلى اتفاق. ووافقت الأطراف الثمانية على النص أول من أمس؛ الأمر الذي دفع رئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان ليلة الأحد - الإثنين يفيد بأن ماكرون سيلتقي ظهر أمس أعضاء المجلس. لكن المفارقة، أن ثلاث جمعيات من الثمانية التي وافقت على نص «الشرعة» وأقرّته رفضت توقيعه خطياً؛ الأمر الذي يشكل مفارقة يصعب فهمها. ومن بين الثلاث جمعيتان تركيتان، واحدة مرتبطة مباشرة بوزارة الأديان التركية، والأخرى «ميللي غوروس» تابعة لـ«الإخوان» المسلمين. وكانت النتيجة أن ممثلي الجمعيات الثلاث استُبعدوا من اجتماع الإليزيه. أوساط الرئاسة نقلت عن ماكرون قوله لأعضاء المجلس، إن شرعة المبادئ «تمثل التزاماً واضحاً وبيناً ودقيقاً لصالح (قيم) الجمهورية»، وإنها «نص مؤسس للعلاقة بين الدولة وإسلام فرنسا»، إضافة إلى كونها «مرحلة بالغة الأهمية لجهة؛ كونها ستتيح توضيح تنظيم الديانة المسلمة. كذلك، نُقل عن رئيس المجلس محمد موسوي تبرير لامتناع الجمعيات الثلاث عن التوقيع «لأنها في حاجة إلى مزيد من الوقت لشرح ما تم التوافق عليه لأعضائها». بيد أن مصادر متابعة وضع مجلس الديانة الإسلامية، ربطت بين رفض الجمعيتين التركيتين التوقيع على نص «الشرعة» وبين العلاقة المتوترة بين باريس وأنقرة رغم ما حصل من تجميد التراشق الإعلامي بين الطرفين في الأيام الأخيرة. أما الجمعية الثالثة، وهي «التبليغ» والتابعة للتيار السلفي، فإنه لم يصدر عن المسؤولين عنها أي تبرير لامتناعهم عن التوقيع الخطي الذي طلبه ماكرون شخصياً لتلافي التنصل لاحقاً من مضمون الوثيقة. وأهم ما جاء في كلمة موسوي في اجتماع الإليزيه، أن نص «الشرعة» «يؤكد بشكل واضح أن مبادئ الديانة الإسلامية تتوافق بشكل تام مع مبادئ الجمهورية». إضافة إلى ذلك، أفاد موسوي بأن ممثلي المجلس أكدوا للرئيس ماكرون، بحضور وزير الداخلية، عزمهم على إطلاق مجلس الأئمة في أسرع وقت لمباشرة عمله الحقيقي، أي الموافقة على تعيين الأئمة وتحديد أوضاعهم وأطر عملهم ومهماتهم وحماية الإمامة من الأشخاص الذين ينصبّون أنفسهم أئمة أو من الذين يفتقدون الأهلية. ويريد الإليزيه أن توقع مكونات المجلس كافة نص «الشرعة»، وأن يطلق مجلس الأئمة قبل نهاية الشهر الحالي. ومن أهم مضامين النص، إلى جانب التوافق بين الإسلام ومبادئ الجمهورية، وحق أي مواطن ولا سيما المسلم في أن يعيش حياته في إطار قوانين الجمهورية الضامنة لوحدة البلاد وتماسكها والتأكيد على المساواة أمام القانون بين الجنسين، ورفض تدخل الدول الأجنبية في شؤون الإسلام الذي من بين أشكاله التمويل ورفض توظيف الإسلام لأغراض سياسية. وتتمسك السلطات الفرنسية بقوة بالنقطة الأخيرة؛ لأنها تعتبر أن المخاطر على الجمهورية تتأتى من «الإسلام السياسي» الذي تعتبر أنه يحمل «مشروعاً انفصالياً» على صعيد القيم والممارسات وأشكال العيش المشترك. بالتوازي مع إقرار الشرعة، انطلقت في مجلس النواب أمس مناقشات مشروع قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية» الذي كان يسمى سابقاً «محاربة الانفصالية الإسلاموية»، وقد تم التخلي عن التسمية الأولى لتلافي اعتباره استهدافاً للمسلمين وحدهم. ويتوقع المراقبون أن تكون المناقشات حامية، والدليل على ذلك أنه تم التقدم بـ1700 تعديل على النص المطروح، وذلك خلا نظر لجنة القوانين به قبل نقله إلى الجمعية العامة. وقالت مارين لوبان، رئيسة حزب «التجمع الوطني»، أي اليمين المتطرف، إنها ستقدم «مشروعاً مضاداً»؛ لأنها تعتبر أن مشروع الحكومة غير كافٍ، وهو رأي العديد من نواب اليمن الكلاسيكي ممثلاً بحزب «الجمهوريون». كذلك، ثمة انقسامات داخل صفوف الأكثرية بين جناح متشدد يريد المزيد من القيود على ما يعتبر إبرازاً لانتماء عرقي أو ديني، وجناح يتخوف من تبعات المشروع على «الانسجام» الوطني. ومن المواضيع الخلافية ارتداء النساء والفتيات الحجاب الذي أثار في السنوات السابقة جدلاً كبيراً ولا يزال يثيره.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».