خلف الأبواب المغلقة... مسارح باريس تمضي قدماً

عرض «كوليك» مستمر في أحد مسارح باريس
عرض «كوليك» مستمر في أحد مسارح باريس
TT

خلف الأبواب المغلقة... مسارح باريس تمضي قدماً

عرض «كوليك» مستمر في أحد مسارح باريس
عرض «كوليك» مستمر في أحد مسارح باريس

يمكنك أن تصف ذلك بأنه انعكاس لروح المقاومة الفرنسية. على الصعيد الرسمي، تعتبر دور المسرح هنا مغلقة، جراء موجة جديدة من الإصابات بفيروس «كورونا». ومع ذلك، فإنه على الصعيد غير الرسمي، ما تزال هناك عروضاً يجري تقديمها، لكن خلف الأبواب المغلقة.
على سبيل المثال، جرى تنفيذ عرض «سري» لمسرحية «الملك لير» التي أبدعها شكسبير بأحد مسارح باريس ـ وإن كانت كاميرات برنامج حواري شهير يدعى «سا فو» كانت هناك هي الأخرى. ووصفت مصادر أفراد الجمهور الذين التزموا بقواعد التباعد الاجتماعي بأنهم «ممن اعتادوا ارتياد المسرح»، وصرح رجل لا يرتدي قناعاً لحماية الوجه في حديث لأحد الصحافيين بأنه يحضر العرض للتعبير عن اعتراضه على «الانحسار التدريجي لحرية الحياة».
وفي وقت لاحق، دافع مدير المسرح، الذي لم يكشف عن اسمه، عن هذا الخرق للقواعد، عبر شاشات التلفزيون بقوله: «عندما يغفل مجتمع ما أن المسرح عنصر ضروري للغاية، فإنه يموت».
وبعيداً عن مدى حكمة استعراض نشاطات غير قانونية عبر شاشات التلفزيون، تعكس حالة مسرحية «الملك لير» شعوراً متزايداً بالإحباط والغضب في صفوف فناني المسارح المحلية. وفي الوقت الذي تمتعت المسارح الفرنسية بحظ أوفر عن الكثير من المسارح الأخرى خلال عام 2020. مع تنظيم عروض لشهور بين فترتي إغلاق، تبدو المسارح الفرنسية اليوم في حالة من التيه منذ إقرار إجراءات الإغلاق الثانية في نوفمبر (تشرين الثاني).
بادئ الأمر، أعلنت الحكومة أن المسارح ستعيد فتح أبوابها في الخامس عشر من ديسمبر (كانون الأول)، لكنها بدلت مسارها عندما أخفقت في الوصول إلى هدف النزول بعدد حالات الإصابة اليومية بفيروس «كورونا» المستجد إلى أقل عن 5 آلاف حالة. وكان من المقرر عقد مراجعة للقرار في السابع من يناير (كانون الثاني)، لكن جرى تغاضيها بسبب استمرار ارتفاع أعداد الإصابات.
والآن، تنتظر صناعة المسرح الخطوة القادمة من جانب الحكومة، والتي من المقرر الإعلان عنها الأربعاء. وبسبب تذبذب مثل هذه القرارات ما بين الاستمرار والتوقف، فإن عروضاً مسرحية كانت جاهزة لعرضها على المسرح واجهت قرارات إلغاء في اللحظة الأخيرة.
إلا أنه بدلاً عن تركها تذهب سدى، اختارت بعض دور المسرح حلاً أكثر قانونية عما فعله القائمون على مسرحية «الملك لير». واليوم، يجري تنظيم عروض خاصة خلال النهار للمهنيين، معظمهم صحافيون. ونظراً لأن ارتياد العمل ما يزال أمراً قانونياً طالما أنه من المتعذر الاضطلاع بالوظيفة من المنزل، فإن هذه العروض المغلقة لا تشكل من الناحية الفنية خرقاً لأي قواعد.
وبالتأكيد، لن يفوت أي عاشق للمسرح فرصة العودة إلى قاعة مسرح مظلمة، لكن في هذا الحدث على وجه التحديد، بدا الأمر وكأن شخصاً ما يفتح هدايا موجهة إليه بنفسه دون أن يجد حوله من يشاركه هذه اللحظة الرائعة. جدير بالذكر هنا أن الممثل الفرنسي برتراند بوسار قدم أداءً مذهلاً في دوره في مسرحية هو المؤدي الوحيد بها بعنوان «إنكريدبلي إنكرويابل 0.2» على خشبة مسرح «إسباس كاردان»، المقر الحالي لفرقة «تياتر دي لا في»، لكن العمل ذاته يعتمد على نوع من التفاعل المرح مع الجمهور لا يعتبر المهنيون الفئة الأمثل للاضطلاع به.
رغم وصفه بأنه «الوجه المضاد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، فإن عرض «إنكريدبلي إنكرويابل 0.2» يعتبر في جوهره تكريماً للعرض الكوميدي البريطاني الذي قدمه بوسار للمرة الأولى عام 1998. وتضمن العرض مقدمة في صورة فيديو قصير ألمحت إلى الحاضر من خلال تقديم بوسار كممثل كوميدي يشعر بالإحباط ويعتقد بمسؤوليته عن قرار بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكن الأحداث الأخيرة المرتبطة بالحدث جرت الإشارة إليها بالكاد خلال العرض ذاته. وعندما بدأ العرض، بدت نبرته خفيفة الظل متعارضة بعض الشيء مع واقع عام 2021. وفي مشهد حول دونالد ترمب، مساء يوم اجتياح مبنى الكونغرس الأميركي، اعترف بوساد نفسه بأنه: «إنه سريع للغاية بالنسبة لي، ففي كل يوم هناك حلقة جديدة».
ويهتم «عرض «إنكريدبلي إنكرويابل 0.2» كثيراً بحقيقة أن بوسار يقدم عروضه بالإنجليزية أمام جمهور فرنسي، وربما تكون هناك حاجة لجمهور أكبر لضمان وصول النكات التي يلقيها بوسار إلى أذهان المشاهدين. ومع هذا، فإن ذكاء انطباعات جسده عندما يؤدي بعض الشخصيات - خاصة مجموعة من اللصوص الروس - يقضي على الحاجة لأي ترجمة.
الملاحظ أن الطلب ازداد بشدة على العروض الفنية المعتمدة على رجل واحد أو امرأة واحدة منذ إقرار قواعد لمكافحة جائحة فيروس «كورونا» المستجد، والتي تجعل من الصعب على مجموعات كبيرة من الأفراد العمل معاً. ومن أبرز هذه الأعمال المعروضة حالياً عرض «كوليك» على مسرح «تياتر 14»، وهو عبارة عن مونولوغ من تأليف الكاتب الألماني رينالد غوتز، يتناول رحلة كئيبة ومبهمة في جزء كبير منها داخل ذهن رجل يحتضر.
وفي العرض الذي ينتجه الآن فرانكو، يجري تصوير الشخصية الرئيسية كمدمن خمور ويتطلب الدور قوة أداء كبيرة من جانب الممثل، الأمر الذي حققه أنتوان ماثيو على الوجه الأكمل، متأرجحاً خلال أدائه الشخصية ما بين اليأس الوجودي والشجاعة المتهورة.
وأثناء وجوده على خشبة المسرح بمفرده جالساً على مقعد متحرك، عمد ماثيو إلى تعديل النص المجزأ والمبسط الذي وضعه غوتز ليحوله إلى عبارات شبه موسيقية. في ظل الظروف العادية، كان هذا الدور ليشكل علامة فارقة في المسيرة المهنية لصاحبه بعالم التمثيل ـ لكن للأسف فإن الأداء التمثيلي الاستثنائي في ظل الظروف الراهنة، قد لا ينال التقدير والإشادة التي يستحقها، في الوقت الذي ألغيت الجولات الفنية على مدار المستقبل المنظور.
في هذا السياق، تبدو جائزة مسابقة «مهرجان إمباسيونس»، منصة ومسابقة رفيعة المستوى للمخرجين الصاعدين، أكثر قيمة وأهمية عن أي وقت مضى. واختار منظمو المهرجان عقد النسخة الـ12 منه بأي تكلفة. وفي الوقت الذي سيتعين إرجاء الجوائز التقليدية للجمهور، ستمنح لجنة من المهنيين تترأسهم الممثلة رشيدة براكني أفضل مشروعات الإنتاج الفرصة لعقد جولة حول أرجاء فرنسا بمجرد رفع القيود.
من ناحية أخرى، شابت فعاليات المهرجان خلال عطلة نهاية الأسبوع الأول له التي أقيمت في مسرح «تياتر دي شيل» بإحدى ضواحي باريس، تداعيات إلغاء عرض «مور مور» لكارول أومولينغا كارميرا، بسبب عدم قدرة المخرج على السفر من رواندا. في المقابل، نجح عرض «الوطن» لماغريت كولون، والذي يعتبر عملاً وثائقياً مسرحياً رفيعاً، من القدوم من بلجيكا.
كانت كولون قد تخرجت في أحد البرامج المسرحية هناك عام 2019. وقضت وقتاً داخل دار للمسنين في بروكسل وطلبت من ثلاثة ممثلين شباب تجسيد شخصيات البعض منهم. وعلى خشبة المسرح، ومن دون ماكياج يوحي بالتقدم في العمر أو ملابس خاصة، نجح الممثلون في تجسيد العضلات الواهنة والأيدي المرتعشة التي ترافق التقدم في العمر، وكذلك وتيرة الحياة البطيئة والرتيبة داخل بعض المنازل. وتتخلله بعض المشاهد عن الطابع الواقعي خلال النصف الثاني من العرض، مثلما يحدث عندما يبدأ الممثلون في مزامنة شفاههم مع تسجيلات صوتية لنزلاء دار المسنين.
يتمثل عرض آخر يعقد خلف الأبواب المغلقة في «المنزل»، وكذلك عرض بعنوان «ما الذي يجب أن يقال للرجال؟» لديدييه رويز في مسرح «إم سي 93»، الذي نجح في اجتذاب جمهور كبير من المدعوين. أما عرض «المنزل» فيقام بحضور أقل عن 70 شخصاً داخل قاعة تتسع لـ230 شخصاً. ولذلك، يبدو من السهل التزام إجراءات التباعد الاجتماعي، لكن من غير الواضح بعد الحد الأقصى المسموح به لأعداد الحضور. حال تطبيق القواعد المنظمة للتباعد الاجتماعي داخل أماكن العمل، فإن الحد الأدنى لمتطلبات المساحة يبلغ أربعة أمتار مربعة للفرد، أي نحو 40 قدماً مربعاً، لكن على ما يبدو يفترض القائمون على بعض الأماكن أنه طالما نصف المقاعد فارغة، فلا بأس.
من العروض المخفية حالياً، «ما الذي يجب أن يقال للرجال؟»، الذي يستحق عرضه على نطاق واسع، وعلى وجه السرعة. الملاحظ أن رويز، الذي عمل بشكل رئيسي مع غير المحترفين على مدار عقدين، جند سبعة رجال ونساء متدينين لهذا العمل الجديد. وخلال العمل، يجري تمثيل عدد غير قليل من الديانات والمعتقدات، من الإسلام والكاثوليكية إلى الشامانية، ويتناوب أعضاء فريق التمثيل على مشاركة كيف شكلت المعتقدات الروحانية حياتهم.
في الواقع، نادراً ما يظهر الإيمان الديني في المسرح الفرنسي هذه الأيام، ويحمل عرض «ماذا يجب أن يقال للرجل؟» كل مشارك في رحلة طويلة ومدروسة وهادئة. على سبيل المثال، يتضمن العمل الاستماع إلى راهب دومينيكي يتأمل أربعة عقود قضاها داخل خلية صغيرة له.
وفي الأوقات التي تبدو مشاعر الإحباط فيها دونما نهاية، ربما يكون إبداع عمل مسرحي يبعث على الشعور بالهدوء والتأمل عملاً من أعمال المقاومة - ونتمنى لو كان بمقدور الجمهور مشاهدته.
* خدمة «نيويورك تايمز»



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».