قلق أوروبي متزايد من سرعة سريان السلالة الفيروسية الجديدة

مسعف ينقل تابوت أحد ضحايا «كورونا» في ألمانيا (أ.ب)
مسعف ينقل تابوت أحد ضحايا «كورونا» في ألمانيا (أ.ب)
TT

قلق أوروبي متزايد من سرعة سريان السلالة الفيروسية الجديدة

مسعف ينقل تابوت أحد ضحايا «كورونا» في ألمانيا (أ.ب)
مسعف ينقل تابوت أحد ضحايا «كورونا» في ألمانيا (أ.ب)

بعد حوالي شهر على رصدها للمرة الأولى في بريطانيا، تحولت السلالة الجديدة المتحورة لفيروس «كورونا» المستجد إلى كابوس آخر يقض مضاجع السلطات الصحية الأوروبية التي تستعد لمواجهتها بحزمات جديدة من التدابير الوقائية، وتمديد فترات الإقفال التي أعلنتها قبل بداية العطلة الأخيرة.
وخلال الاجتماع الافتراضي الذي عقده وزراء الصحة في الاتحاد الأوروبي مساء أول من أمس (الأربعاء)، قال وزير الصحة الألماني جينز سبان، إنه سيكون من المتعذر تخفيف تدابير الإقفال السارية في البلاد حتى نهاية الشهر الجاري؛ خصوصاً أن عداد «كورونا» ما زال يحطم كل يوم رقماً قياسياً جديداً؛ حيث بلغ عدد الوفيات أمس الخميس 1244 وزاد عدد الإصابات عن 25 ألفاً.
ومن المتوقع أن تستمر تدابير الوقاية والقيود على التحركات والتجمعات في ألمانيا حتى نهاية مارس (آذار) المقبل، بعد أن حذرت المستشارة أنجيلا ميركل من فترة قاسية جداً قد تمتد طوال ثمانية أو عشرة أسابيع، ومن أنه إذا تعذر احتواء السلالة الفيروسية الجديدة فقد يتضاعف عدد الإصابات عشر مرات بحلول عيد الفصح المقبل.
وبينما أعرب وزراء الصحة الأوروبيون عن قلقهم العميق من سرعة سريان السلالة الجديدة من فيروس «كورونا» المستجد، قالت مفوضة الشؤون الصحية ستيلا كيرياكيديس: «إن تداعيات الانتشار السريع لهذه السلالة في عدد كبير من البلدان الأوروبية تستدعي أقصى درجات الحذر، واتخاذ ما يلزم من تدابير كي لا يخرج الوضع عن السيطرة».
وقد بدأت آثار السريان السريع الذي تتميز به هذه السلالة تضغط على حملات التلقيح في عدد من البلدان الأوروبية، مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا، بينما أكدت السلطات الصحية الألمانية أنها ستنجز حملة تلقيح جميع السكان قبل نهاية الصيف المقبل. ولا تستبعد فرنسا إعلان إقفال ثالث، بعد أن أعلن رئيس الحكومة جان كاستيكس عن حزمة جديدة من تدابير الوقاية والقيود على التنقلات، وتقديم موعد حظر التجول الليلي إلى السادسة بعد الظهر.
ومن جهته أعلن وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا أن حالة الطوارئ ستمدد حتى نهاية أبريل (نيسان) المقبل، بينما أعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روتيه تمديد الإقفال الذي يشمل إغلاق المدارس والمتاجر غير الأساسية حتى منتصف الشهر المقبل.
وكانت وزيرة الصحة البرتغالية مارتا تيميدو التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد، قد صرحت بقولها: «إن الانتشار السريع الذي نشهده للسلالة الفيروسية الجديدة في هذا الوضع الوبائي الذي ما زال معقداً وبالغ الصعوبة، يستدعي منا مواصلة تطبيق التدابير المشددة منعاً لما هو أسوأ».
وبالإضافة إلى تشديد تدابير الوقاية والاحتواء وتمديد فترات الإقفال، تعتزم دول أوروبية عدة وضع قيود جديدة على الوافدين إليها من بلدان الاتحاد الأوروبي ومن دول أخرى، وأعلنت الدنمارك عن فرض فحص سلبي على جميع الوافدين على رحلات جوية دولية، بينما تستعد ألمانيا لفرض الفحص السلبي على الوافدين من مناطق تسجل معدلات انتشار عالية للفيروس أو تسري فيها السلالة الجديدة.
وكان القلق من السلالات الفيروسية الجديدة التي ظهرت مؤخراً قد وصل إلى منظمة الصحة العالمية التي دعت إلى عقد اجتماع استثنائي للجنة الطوارئ قبل أسبوعين من موعدها المحدد مرة كل ثلاثة أشهر، وذلك لبحث التدابير الواجب اتخاذها في مواجهة هذا التطور، وتوجيه التوصيات إلى الدول الأعضاء. وحسب البيانات الأخيرة المتوفرة لدى المنظمة الدولية، فإن السلالة المتحورة التي ظهرت للمرة الأولى في بريطانيا أصبحت منتشرة في 50 دولة، بينما تلك التي ظهرت في جنوب أفريقيا موجودة في أكثر من 20 دولة. كما أن هناك سلالة أخرى متحورة مصدرها غابة الأمازون البرازيلية أعلنت عنها اليابان مؤخراً، وقالت منظمة الصحة العالمية إن الدراسات الأولى التي أجريت حولها تبعث على الاعتقاد بأنها «سلالة مقلقة».
ومن جامعة «أوهايو» الأميركية، أفاد باحثون أيضاً بظهور سلالتين جديدتين أسرع انتشاراً من السلالة الأم، إحداها تحورت بطريقة مشابهة لتلك التي تحورت بها السلالة البريطانية، والأخرى بطريقة غير معروفة حتى الآن. وكان خبراء منظمة الصحة قد أعربوا عن اعتقادهم بأن تدابير الوقاية الراهنة لن تكون كافية لاحتواء انتشار هذه السلالات الجديدة.
وكانت دراسة بريطانية نشرت أمس (الخميس) قد أفادت بأن السواد الأعظم من أفراد الطواقم الصحية المتعافين بعد إصابتهم بالفيروس، يتمتعون بمناعة ضد الإصابة مجدداً، تمتد لفترة لا تقل عن خمسة أشهر؛ لكن حذرت الدراسة من أن بعضهم يحمل شحنة فيروسية عالية يمكن أن تنقل الإصابة إلى الآخرين.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟