«كنوز من رصاص»... تحف «الفن الإسلامي» تحاكيها منحوتات على أسنان الأقلام

معرض مصري مبتكر يضم 20 عملاً

عدسات مكبرة لرؤية معروضات معرض «كنوز من رصاص» في المتحف الإسلامي بالقاهرة
عدسات مكبرة لرؤية معروضات معرض «كنوز من رصاص» في المتحف الإسلامي بالقاهرة
TT

«كنوز من رصاص»... تحف «الفن الإسلامي» تحاكيها منحوتات على أسنان الأقلام

عدسات مكبرة لرؤية معروضات معرض «كنوز من رصاص» في المتحف الإسلامي بالقاهرة
عدسات مكبرة لرؤية معروضات معرض «كنوز من رصاص» في المتحف الإسلامي بالقاهرة

أسنان أقلام الرصاص التقليدية الشهيرة رافقتنا منذ كنا صغاراً في الكتابة والرسم، ولكنها تحولت على يد فنان مصري إلى منحوتات صغيرة تجسد وتحاكي أبرز مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة من خلال معرض «كنوز من رصاص». واحتاج جمهور المعرض إلى عدسات مكبرة وضعت على كل قطعة كي يمكنهم مشاهدتها، وبدت المنحوتات الصغيرة على «سن» القلم الرصاص كأنها كائنات أسطورية يصعب رؤيتها بالعين المجردة بسبب صغر حجمها ودقة تفاصيلها.
يضم معرض «كنوز من رصاص» الذي ينظمه متحف الفن الإسلامي (وسط القاهرة) حالياً، 20 عملاً للنحات إبراهيم بلال، تجسد بعض القطع التراثية على أسنان الأقلام الرصاص، بعدما قام الفنان بنحت نموذج لشكل القطعة كاملاً بكل تفاصيله الدقيقة على «سن» القلم الرصاص.
ورغم دقة حجم «سن» القلم الرصاص الذي لا يزيد على 3 ملي، فإن الفنان تمكن من نحت أشكال مصغرة للعديد من القطع المتنوعة من مقتنيات المتحف، بينها أوانٍ وأباريق، وشمعدانات، وأواني عطور، ومسدس، وسيوف، ومشكاة إسلامية وغيرها.
ونظراً لصغر المنحوتات ودقتها تم وضع عدسة مكبرة أمام كل قطعة في قاعة المعرض لكي يتمكن الزوار من مشاهدة تفاصيلها الفنية الدقيقة؛ إذ تُعد كل قطعة نموذجاً مصغراً يجسد إحدى القطع التراثية من مقتنيات المتحف، وأضْفت العدسات المكبرة قدراً كبيراً من الغموض والتشويق وبدت القطع المعروضة خلفها كأنها نسخ أسطورية من القطع التراثية الأصلية.
ويأتي المعرض ضمن مشروع فني للنحات الشاب إبراهيم بلال للترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال منحوتاته الصغيرة على أسنان الأقلام الرصاص؛ إذ قام بنحت نماذج لأشهر القطع الأثرية المصرية منها مصغرات لآثار وتماثيل فرعونية شهيرة، مثل رأس نفرتيتي، وحجر رشيد، وقناع وتابوت توت عنخ آمون.
واستغرق العمل على منحوتات المعرض الحالي نحو 3 أشهر، بينما احتاجت كل قطعة إلى العمل عليها بشكل متواصل لنحو 12 ساعة، ويقول إبراهيم بلال لـ«الشرق الأوسط»، إن «النحت على أسنان القلم الرصاص يخضع للقواعد الفنية نفسها لفن النحت بشكل عام، لكنه يتطلب دقة أكبر نظراً لصغر سن القلم؛ لذلك استخدم عدسة مكبرة خلال العمل، وأقوم بتصوير القطعة التراثية التي سأقوم بتجسيدها من زوايا مختلفة كي أتمكن من رؤية تفاصيلها كافة، وتخرج المنحوتات في النهاية نموذج مصغر للقطعة يماثلها تماماً بكافة تفاصيلها الفنية».
ولا يحتاج النحت على أسنان الأقلام الرصاص إلى أدوات كثيرة، فكل ما يحتاج إليه الفنان شفرة حادة «مشرط» وعدسة مكبرة ليتمكن من العمل على التفاصيل الدقيقة للمنحوتة، كما أنه يمكن استخدام أنواع الأقلام الرصاص كافة، شريطة أن تكون خامتها جيدة وخالية من الشوائب. ويشير بلال إلى أن «بعض القطع التي تجسد تماثيل فرعونية قد يستغرق العمل عليها نحو 30 ساعة بسبب دقة تفاصيلها وصعوبتها، ومهما بلغت درجة احترافية الفنان ومهارته فإنه قد يحدث أن ينكسر سن القلم الرصاص سواء بسبب عدم جودة خامته أو عدم تركيز النحات على الجزء الذي يعمل عليه؛ إذ إن حركة صغيرة خاطئة للمشرط تؤدي إلى كسر سن القلم».
ويعد النحت على «سنون» الأقلام الرصاص من بين أشكال فن النحت النادرة والتي بدأت تأخذ طريقها إلى الانتشار في العالم خلال السنوات الماضية، ومن أشهر النحاتين الذين اتجهوا إلى النحت على أسنان الأقلام الرصاص النحات الروسي سالافات فيداي، الذي اشتهر بإبداعاته في هذا المجال للكثير من المعالم السياحية والشخصيات الدولية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».