الأسواق الخليجية تحافظ على «شعلة» الاكتتابات رغم «كورونا»

تقرير يتوقع انتعاش الطروحات الأولية بقيادة السعودية والإمارات العام الحالي

الاكتتابات لم تتعطل في دول الخليج رغم تداعيات {كورونا} العام الماضي (إ.ب.أ)
الاكتتابات لم تتعطل في دول الخليج رغم تداعيات {كورونا} العام الماضي (إ.ب.أ)
TT

الأسواق الخليجية تحافظ على «شعلة» الاكتتابات رغم «كورونا»

الاكتتابات لم تتعطل في دول الخليج رغم تداعيات {كورونا} العام الماضي (إ.ب.أ)
الاكتتابات لم تتعطل في دول الخليج رغم تداعيات {كورونا} العام الماضي (إ.ب.أ)

بعد الاكتتاب العام الأولي القياسي لشركة أرامكو أواخر العام 2019، يؤكد تقرير خليجي حديث أن سوق الاكتتابات الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي حافظ على جذوة اشتعاله حية في 2020 رغم تزايد الضغوط البيعية التي شهدتها الأسواق المالية على خلفية جائحة (كوفيد - 19) بداية العام الماضي، مشيرة إلى أن انتعاش أنشطة الطرح كانت في النصف الثاني من العام المنصرم.
وأفاد تقرير صدر عن شركة كامكو للاستثمار – مقرها الكويت – بأن العدد الإجمالي للاكتتابات العامة الأولية الصادرة عن دول مجلس التعاون الخليجي تراجع في البورصات الإقليمية والدولية إلى 7 إصدارات في العام 2020 مقابل 12 إصداراً في عام 2019، مشيرة إلى أن حصيلة أنشطة الاكتتابات العامة الأولية بلغت 1.87 مليار دولار مقابل 29 مليار دولار في العام 2019.
وترى «كامكو للاستثمار» أنه كان من الممكن أن يشهد سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي نشاطا أعلى في العام 2020، لا سيما في النصف الأول من العام، إلا أن الجهات المصدرة فضلت تجنب التطرق إلى السوق الأولية حتى تتعافى الأسواق الثانوية من تداعيات الجائحة.
وأضافت في التقرير «أدى ذلك الأمر إلى تأجيل الإصدارات حتى نهاية العام 2020 في حين فضل البعض الآخر الانتظار حتى العام 2021»، موضحة أنه على صعيد الاكتتابات العامة الأولية المدرجة إقليمياً في دول مجلس التعاون الخليجي، واصلت السعودية الاحتفاظ بمكانتها الريادية على مستوى الأسواق الأولية بطرح 4 من أصل 7 اكتتابات عامة أولية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وأبانت «كامكو للاستثمار» أن السعودية تصدرت أيضاً بجمعها أعلى حصيلة من عائدات الاكتتابات العامة، حيث استحوذت على نسبة 78 في المائة من إجمالي الإصدارات بقيمة 1.4 مليار دولا، فيما كانت قطر السوق الأخرى التي شهدت إصداراً أوليا خلال العام من خلال طرح أسهم شركة تأمينية، فيما عادت الإمارات إلى ساحة الاكتتابات العامة الأولية الإقليمية بطرح صندوق ريت.
وأشار التقرير إلى أن طرح مجموعة الدكتور سليمان الحبيب للخدمات الطبية في السعودية سجل أكبر اكتتاب عام أولي على مستوى المنطقة العام الماضي بحصيلة 698.6 مليون دولار، تبعه اكتتاب أسهم شركة بن داود القابضة (السعودية) بحصيلة بلغت 585.1 مليون دولار.
من جانب آخر، توقع تقرير «كامكو للاستثمار» أن تظل أسواق الاكتتابات الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي نشطة في العام 2021، بالنظر إلى جملة من المحفزات التي يمكن أن تعزز أداء الأسواق الأولية من داخل المنطقة، لافتة إلى أنه من المتوقع أن تقود السعودية مجدداً سوق الاكتتابات الأولية الإقليمية التي تستهدف 15 طلباً للإدراج.
وبحسب التقرير، تأتي الإمارات متحفزة للاكتتاب مع إطلاق سوق ناسداك دبي للنمو لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، بجانب تأثير معرض دبي إكسبو في النصف الثاني من العام 2021.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.