العشرات من أهل الإعلام يصابون بعدوى «كوفيد ـ 19»

لبنان يدرجهم على أولى لوائح التلقيح ضد الوباء

TT

العشرات من أهل الإعلام يصابون بعدوى «كوفيد ـ 19»

لا يفرّق وباء «كورونا» بين كبير وصغير، أو بين سياسي وإعلامي وفنان؛ فالجائحة في لبنان تبلغ ذروتها اليوم بأعداد المصابين فيها لتتجاوز 5000 إصابة في اليوم الواحد. وبات اللبناني يلمس خطورتها أكثر فأكثر بعدما دخلت بيته شخصياً، أو أصابت أحد معارفه. وعندما يتعلّق الأمر بإصابة وجه معروف يحبّه من مشاهير الفن والإعلام يتضاعف اهتمامه بالأمر، ويتوسع قلقه. فمن قبل كان يشعر بأنه بمنأى عن الجائحة، وأن ما يسمعه حول أعداد المصابين فيها يبقى مجرد مادة إخبارية متداولة ليس أكثر. اليوم وبعدما اقترب «كوفيد - 19» منه إلى حدّ إصابة أولاده، إضافة إلى مؤثرين على الساحة اللبنانية تغيّر الوضع، فاستحق منه الشعور بالخوف، وضرورة أخذ الحيطة والحذر.
وإثر تصاعد أعداد المصابين بعدوى «كورونا» في الأسبوع الأول من العام الجديد، تصدّرت أسماء وجوه إعلامية هذه اللوائح الطويلة. فكما جيسيكا عازار الإعلامية في تلفزيون «إم تي في»، كذلك ريمي درباس ويزبك وهبي ومالك شريف وهشام حداد على شاشة «إل بي سي آي»، إضافة إلى آخرين أمثال جو معلوف ومنى أبو حمزة وجوزف طوق. وتكر السبحة لتطال أيضاً وجوهاً فنية معروفة كالمغنين ناجي الأسطا ومعين شريف وأنور نور، والممثل أسعد رشدان وغيرهم.
فالإعلامي يُعدّ من الأشخاص الذين يعملون في الصفوف الأمامية في زمن «كورونا». ويندرجون على لائحة الأشخاص المستثنين من حالة منع التجول المطبقة في لبنان؛ فهم يمارسون مهمتهم ناقلين أحداثاً تجري على الأرض مباشرة أو مستضيفين شخصيات معروفة في استوديوهات المحطات العاملين فيها. ورغم أخذهم إجراءات الحيطة والحذر خلال ممارسة عملهم، فإنهم لم يستطيعوا أن يبقوا في منأى عن الإصابة بالعدوى. وانطلاقاً من طبيعة عملهم والأخطار التي تحيط بها تم الإعلان مؤخراً من قبل لجنة «كورونا» في لبنان عن نيتها إدراج الإعلاميين على أولى لوائح التلقيح في لبنان. وبحسب الأطباء الاختصاصيين المشاركين في اللجنة، فإن أهل الإعلام يتعرضون بشكل مباشر لالتقاط العدوى من جراء النقل المباشر الذي يقومون به لاجتماعات وزارية وأحداث مختلفة. وكذلك من خلال إجرائهم حوارات مع أشخاص عاديين ناقلين همومهم ومشكلاتهم عبر الشاشة الصغيرة. فكل ذلك يضع الإعلاميين في الصفوف الأمامية في المواجهة والاحتكاك المباشر مع العدوى.
ويرى النائب الدكتور عصام عراجي رئيس لجنة الصحة النيابية في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «منظمة الصحة العالمية» أدرجت الإعلاميين عالمياً في لائحة أول الأشخاص الذين سيجري تلقيحهم في العالم. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الموضوع أدرجته المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي). في البروتوكول العالمي لموضوع لقاح (كورونا)، من باب المخالطة التي يمارسها الإعلاميون خلال ممارستهم عملهم. فهم بذلك يتساوون مع غيرهم من أصحاب المهن التي تفرض عليهم التخالط مع الآخرين، كالأطباء والصيادلة والممرضين وحتى موظفي الأمن والحراسة في المستشفيات وغيرهم».
وكانت الوزيرة السابقة مي شدياق أول الإعلاميين الذين أصيبوا بعدوى «كورونا» في شهر مارس (آذار) الماضي. ومن ثم أعلنت الإعلامية ناديا البساط عن إصابتها أيضاً، ودخلت على أثرها إلى المستشفى تماماً كزميلتها مي.
ومن الإعلاميين الذين خسرهم لبنان بسبب إصابتهم بالوباء جورج بشير ورمزي نجار. ومن الفنانين الذين غابوا عنا مؤخراً بعد إصابتهم بالعدوى الموسيقار إلياس الرحباني.
ويرى دكتور عراجي في سياق حديثه لـ(«الشرق الأوسط») أن اللقاح يجري حقنه للشخص على مرحلتين، وأنه حالياً يجري التفكير بإعطاء الجرعة الأولى منه لأكبر عدد من الناس كي يتسنى لهم التزود بالمناعة ضد الوباء لفترة معينة. ويوضح: «في الإمكان الاستفادة من المناعة التي تعطيها الجرعة الأولى من اللقاح، وتأجيل إعطاء الجرعة الثانية منه إلى حين تبلور الصورة كاملة. ونحن في انتظار قرار رسمي يصدر في هذا الصدد».
من ناحيته يشير مذيع نشرات الأخبار في محطة «إل بي سي آي»، يزبك وهبي، الذي أُصيب بعدوى «كوفيد - 19» مؤخراً، إلى أن الجائحة تشهد حالياً تفشياً هائلاً، ولذلك وجب على الجميع تطبيق قواعد البعد الاجتماعي وعدم المخالطة. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نتيجة (بي سي آر) السلبية لم تعُد فعّالة كما في السابق. إذ يمكن أن يحمل الشخص نتيجته هذه ويصاب بالعدوى أثناء عودته إلى منزله دون أن يكون بمقدوره تحديد السبب». وعن حالته الصحية يقول: «أشعر بعوارض وأوجاع كثيرة، خصوصاً أثناء الليل. أتناول 9 أدوية معالجة، بينها فيتامينات وأخرى مضاد حيوي ومسيّلة للدم. ورغم كل الاحتياطات وإجراءات الوقاية المتخذة في محطة (ال بي سي آي) التي أعمل بها، فالإصابات فيها تُعدّ بالعشرات بسبب سرعان انتشار الجائحة حالياً». وعن رأيه في موضوع إدراج الإعلاميين على لائحة الأشخاص الأولين الذين سيجرون اللقاح ضد «كورونا»، يوضح: «إنني على علم بهذا الموضوع منذ بداية التحدث عن اللقاح. وأكّد لي ذلك نقيب الأطباء في لبنان شرف أبو شرف؛ إذ إن الإعلامي بحسب المرجعيات الصحية العالمية معرّض لالتقاط العدوى؛ كونه يوجَد في الصفوف الأمامية بحكم طبيعة عمله».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)