«تكميم الأفواه خطير وليس أميركياً. للأسف، فإن هذه الاستراتيجية ليست جديدة على اليسار. إنهم عملوا على إسكات الأصوات المعارضة لسنوات. لا نستطيع السماح لهم بإسكات 75 مليون أميركي. هذا ليس الحزب الشيوعي الصيني». هكذا ندد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بوقف شركة «تويتر» حساب الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب نهائياً، بعد أيام من هجوم الكابيتول.
وقرّر عملاق التواصل الاجتماعي، أول من أمس (الجمعة)، تعليق حساب ترمب الشخصي بشكل دائم. وسارع الرئيس المنتهية ولايته للتغريد مستخدماً الحساب الرسمي لرئيس الولايات المتحدة، وقال: «لن يتم إسكاتنا»، متوجهاً إلى «75 مليون وطني» صوّتوا له. وتحدّث عن ردّ ضد الشبكة التي «تحظر حرية التعبير»، واحتمال إطلاق منصته الخاصة في مستقبل قريب، وذلك عبر سلسلة تغريدات سرعان ما حذفها «تويتر» لـ«منع الالتفاف على حسابٍ تمّ تعليقهُ سابقاً».
وقال الموقع في بيان: «بعد المراجعة الدقيقة للتغريدات الأخيرة على حساب (دونالد ترمب) وللسياق الحالي (...) علّقنا الحساب نهائياً بسبب خطر حدوث مزيد من التحريض على العنف» من جانب الرئيس الأميركي. وتابع مشيراً إلى محادثات على المنصة وخارجها: «هناك خطط من أجل مظاهرات مقبلة مسلحة، تسري على (تويتر) وأماكن أخرى، بما يشمل تنفيذ هجوم ثانٍ على الكابيتول في 17 يناير (كانون الثاني) 2021».
وكان «فيسبوك» و«إنستغرام»، ومواقع أخرى مثل «سناب شات» أو «تويتش»، قد علقت أيضاً حسابات الرئيس المنتهية ولايته لفترة غير محددة.
- انتقادات... وانتقادات مضادة
رحّب كثيرون، خصوصاً في الأوساط الديمقراطية، بتجميد حساب ترمب، منتقدين في الوقت ذاته تباطؤ الشركة في محاسبة سيد البيت الأبيض لنشره أخباراً زائفة وتحريضه على العنف خلال السنوات الأربع الماضية. فقد تكثفت الانتقادات طوال الأسبوع لشبكات التواصل الاجتماعي، معتبرةً أنها «متراخية جداً» أو «بطيئة» في التحرك.
ودعا عدد متزايد من الشخصيات والمنظمات إلى منع ترمب من استخدام هذه المنصات، بدءاً بالسيدة الأميركية الأولى السابقة ميشيل أوباما، وصولاً إلى نقابة موظفي «غوغل»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وكتب رئيس منظمة «ميديا ماترز فور أميركا» غير الحكومية، أنغيلو كاروسون: «حين يتحرك (تويتر) ومواقع أخرى الآن، فإن ذلك يشبه قيام كبار المسؤولين في الحكومة بتقديم استقالاتهم قبل أيام على انتهاء الولاية (ترمب)، هذا أمر قليل جداً ومتأخر جداً». وأضاف: «لو تحركوا في وقت أبكر، لكان من الممكن تجنب الأحداث الرهيبة التي وقعت الأربعاء».
وعد البعض أن تأخر «تويتر» وغيرها من المنصات في اتّخاذ قرارات حازمة بشأن خرق قوانين استخدامها يعود للحفاظ على مصالحها المالية، خصوصاً أن أسهم «تويتر» تراجعت فور إغلاق حساب ترمب، الذي يحظى بأكثر من 88 مليون متابع.
في المقابل، تسبب قرار المنصّة التي استخدمها الرئيس الأميركي «سلاحاً» لبناء قاعدة شعبية واسعة ووظّفها انتخابياً في عامي 2016 و2020، في موجة غضب واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقارن ابن الرئيس دونالد ترمب، جونيور، في تغريدة على «تويتر» بين قرار الأخير إيقاف حساب والده، فيما لا يزال حساب المرشد الإيراني علي خامنئي وحسابات «أنظمة ديكتاتورية أخرى» نشطة.
وتزامن تصريح ترمب الابن مع حجب موقع «تويتر» تغريدة نشرتها حسابات تابعة للموقع الإلكتروني الرسمي للمرشد الإيراني بشأن اللقاحات الأميركية والبريطانية المضادة لفيروس «كورونا» المستجد، معتبراً أنها «تخالف» قواعده لا سيما المتعلقة بـ«كوفيد - 19».
بدوره، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، مخاطباً «تويتر»: «إن قراركم حظر الرئيس ترمب بشكل دائم خطأ جسيم. يمكن للمرشد الإيراني أن يغرّد، لكن ترمب لا يستطيع ذلك. ذلك يكشف الكثير عن الأشخاص الذين يديرون (تويتر)». وتابع: «أنا مصمم أكثر من أي وقت مضى على إلغاء المادة 230 (التي تمنح) شركات التكنولوجيا الكبيرة الحصانة من الدعاوى القضائية».
وفي الجانب الآخر من الخطاب السياسي، عَلَت أصوات من اليسار لتُحذّر من احتمال المساس بحرية التعبير وممارسة شركات التكنولوجيا دور الرقابة.
وقالت كايت روان، من جمعية الدفاع عن الحقوق المدنية: «نتفهم الرغبة في تعليق (حساب الرئيس)، لكن يجب أن يقلق الجميع حين يكون لدى هذه الشركات القدرة على شطب حسابات أشخاص عن منصاتها، التي بات لا غنى عنها كوسيلة تعبير لمليارات الأشخاص».
لكنّ ذلك لم يمنع الموقع من مواصلة تجميد حسابات عدد من مؤيديه، لخرقها قوانين الاستخدام، بما فيها حساب مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين الذي أُعفي عنه مؤخراً، وكذلك محامية حملته الانتخابية السابقة سيدني باول، وموقع حملته الانتخابية، وموقع ما يُعرف بـ«كيو أنون»، وهي منظمة تروّج لنظريات المؤامرة.
- البحث عن بدائل
قال ترمب إنه يتفاوض مع عدد من المنصات بشأن الانضمام إليها، وإنه سيعلن ذلك قريباً. ويُعتقد على نطاق واسع أن يصبح موقع «بارلر» المنصة البديلة لترمب، خصوصاً أنه شهد في الأيام والساعات الأخيرة سباقاً غير مسبوق للانضمام إليه من مؤيدي الرئيس المنتهية ولايته، ما أدى إلى تعطل خدمته بسبب عدم قدرته على استيعاب العدد الكبير من طلبات التسجيل. لكنّ الموقع بات الآن أمام أزمة وجودية، بعد توجيه «غوغل» و«أبل» تحذيراتهما له مساء أول من أمس (الجمعة). وأبلغت شركة «أبل» التطبيق يوم الجمعة، بأنه يتعين عليه تكثيف الرقابة على المحادثات فيه. فيما أوقفت «غوغل» تطبيق «بارلر» على متجرها «غوغل بلاي» إلى أن يقوم بتطبيق شروطها بشكل أفضل، وأن يحذف المحتوى المحرّض على العنف. وقالت «أبل» في رسالة إلكترونية إلى «بارلر»، إنها تلقت شكاوى من أن الناس استخدموا التطبيق الذي يحاكي «تويتر»، للتخطيط لأعمال الشغب التي جرت يوم الأربعاء في واشنطن. وقالت «أبل» إنها منحت التطبيق 24 ساعة للامتثال لشروطها قبل إزالته من متجرها. وأوضحت لاحقاً أن التطبيق لم يقم بإزالة «المحتوى الذي يشجع على النشاط غير القانوني ويشكل خطراً جسيماً على صحة وسلامة المستخدمين».
كان الرئيس التنفيذي للتطبيق، جون ماتزي، قد أعلن في مقابلة مع صحيفة «تايمز»، بعد يوم واحد من أحداث الأربعاء، أنه «لم يشعر بالمسؤولية عمّا جرى لأننا ساحة محايدة تلتزم بالقانون». وقال ماتزي لصحيفة «وول ستريت جورنال»، الجمعة، إنه واثق من أنه «يمكننا الاحتفاظ بقيمنا، وإسعاد (أبل) بسرعة».
من جانبها، قالت «غوغل» في بيان إنها سحبت التطبيق لأن «بارلر» لم يطبّق سياسات الاعتدال الخاصة بها، على الرغم من التذكير الأخير منها، وبسبب المنشورات المستمرة على التطبيق التي سعت إلى التحريض على العنف. وقال البيان: «ندرك أنه يمكن أن يكون هناك نقاش معقول حول سياسات المحتوى وأنه قد يكون من الصعب على التطبيقات إزالة جميع المحتويات المخالفة على الفور، ولكن بالنسبة إلينا لتوزيع تطبيق عبر (غوغل بلاي) فإننا نطلب من التطبيقات تنفيذ إشراف قوي للمحتوى الفاضح».
- سلطة شركات التكنولوجيا
وأظهرت قرارات «أبل» و«غوغل» مثالاً صارخاً على قوة أكبر شركات التكنولوجيا في التأثير على ما هو مسموح به على الإنترنت، وعلى المواقع والتطبيقات غير الخاصة بها. ومن المرجح أيضاً أن تؤجج هذه القرارات الغضب بين اليمينيين الذين يعتقدون أن وادي السيليكون يكتم الأصوات المحافظة، خصوصاً عندما يقترن بسلسلة من الإجراءات الأخرى لتلك الشركات ضد ترمب وأنصاره منذ يوم الأربعاء. وفي نظر العديد من مؤيدي ترمب، كان «بارلر» ملاذاً آمناً مما تسمى رقابة شركات التكنولوجيا الكبرى، وهو المكان الذي يمكنهم فيه تبني نظريات المؤامرة، وحتى التخطيط لتجمعات عنيفة دون القلق من التعرض للحظر. وكان التطبيق واحداً من أكثر التطبيقات التي تم تنزيلها في الأشهر الأخيرة في الولايات المتحدة. ولكن من الواضح الآن أن التطبيق لن يكون قادراً على الحفاظ على مجانّيته إذا أراد أن يكون قادراً على الحفاظ على نطاقه الواسع، في ظل سيطرة «أبل» و«غوغل» على أنظمة تشغيل الهواتف الذكية حول العالم، ويقتسمان السوق في الولايات المتحدة. وإذا سُحب تطبيق «بارلر» منهما نهائياً، فلن يتمكن الأشخاص من تنزيله على أجهزة الشركتين، لكن سيحافظ الأشخاص الذين قاموا بتنزيله سابقاً على قدرة استخدامه، لكن التطبيق لن يتمكن بعد اليوم من القيام بأي تحديث ما سيؤدي إلى تقادمه في النهاية وتعطله تدريجياً.
«تويتر»... من «سلاح» في يد السياسيين إلى «رقيب» عليهم
ترمب يبحث عن بدائل بعد إغلاق حسابه
«تويتر»... من «سلاح» في يد السياسيين إلى «رقيب» عليهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة