عون يصادم البرلمان بانتزاع صلاحيته لتفسير الدستور

TT

عون يصادم البرلمان بانتزاع صلاحيته لتفسير الدستور

فوجئت مصادر نيابية بارزة بإصرار رئيس الجمهورية ميشال عون، على استدراج العروض للدخول في اشتباكات سياسية متنقلة مع القوى السياسية، التي كان آخرها محاولته لانتزاع الصلاحية المناطة بالبرلمان لتفسير الدستور، وتجييرها لمصلحة المجلس الدستوري الذي يقتصر دوره على مراقبة تطبيق الدستور، وهذا ما استدعى رداً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي فتح الباب أمام الردود عليه من دون أن يجد عون من يدافع عنه، ولو بحذر، سوى عضو «تكتل لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان، بذريعة أن ما يقترحه هو بمثابة مطلب إصلاحي.
وتؤكد المصادر النيابية أن رئيس الجمهورية كان في غنى عن إقحام نفسه في اشتباك سياسي ليس هو الأول ولا الأخير، وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه كان يفترض به أن ينصرف بالتعاون مع رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، لتذليل العقبات التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة في ضوء تصاعد وتيرة التأزم السياسي الذي أُضيف إليه تزايد عدد المصابين بوباء فيروس كورونا ما يُنذر بكوارث صحية، في ظل فقدان السيطرة عليه من جهة، والتأخر في تأمين اللقاحات المطلوبة للحد من اجتياحه الذي بات يهدد صحة اللبنانيين.
وتلفت المصادر إلى أن لا مبرر لنصب الألغام السياسية أمام تشكيل الحكومة بالاستمرار في إضاعة الفرص، وتسأل عون: ما الجدوى من الانصراف لافتعال المزيد من الاشتباكات السياسية التي تستهدف أبرز خصومه في محاولة مكشوفة من قبل التيار السياسي المحسوب عليه لصرف الأنظار عن مسؤوليته حيال إغراق البلد في متاهات التطييف، التي يترتب عليها رفع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي، في مقابل إخفاقه في تعويم وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وترى أن هذا الفريق يمعن في تجويف «اتفاق الطائف» من مضامينه، رغم ما أصابه من انتكاسات بسبب سوء تطبيقه، وإنما هذه المرة تحت ذريعة استرداد حقوق المسيحيين، رغم أنه ينصب الكمائن له باعتبار أن هذا الاتفاق كان وراء إخلائه للقصر الرئاسي في بعبدا، وتؤكد بأنه لم يتمكن من كسب ود الشارع المسيحي للتعويض عن تراجع شعبيته في وجه خصومه. في هذا السياق، تسأل المصادر نفسها، لماذا اختار عون هذا التوقيت لاستحضار مادة خلافية أساسية تتعلق بتفسير الدستور؟ ومن هي الجهة التي نصحته بطرحها في العلن بخلاف ما نص عليه النظام الداخلي للمجلس الدستوري الذي تأسس في أعقاب التوافق على «الطائف»، فيما كان تكتله النيابي قد تقدم سابقاً من البرلمان باقتراح قانون طلباً لتفسير المادة 95 من الدستور المتعلقة بإلغاء الطائفية السياسية؟
كما تسأل لماذا لم يقترح عون في حينها إلحاق تفسير الدستور بالمجلس الدستوري؟ خصوصاً أن اقتراح تكتله النيابي في هذا الشأن تلازم مع انتخابه رئيساً للجمهورية، وهل أن الظروف السياسية الراهنة في ظل التأزم الذي يحاصر البلد، ويؤخر ولادة الحكومة، تتيح له الخروج على جدول الأعمال الذي يتضمن بنداً وحيداً يتعلق بتهيئة الظروف لتسهيل تشكيلها، وفقاً للأصول الدستورية المتبعة بدلاً من أن ينصاع لنصائح فريقه السياسي الذي يتبع مباشرة باسيل، ويعود إليه في كل شاردة وواردة يفترض أن تكون صلاحية النظر فيها لرئيس الجمهورية؟
وتعتقد أن عون لم يكن مضطراً للدخول في اشتباك مع الشيعة بمطالبته بانتزاع الصلاحية المناطة بالبرلمان بتفسير الدستور، وتقول بأنه أضاف بنداً خلافياً آخر مع الرئيس بري من خلال محاولته للالتفاف على اتفاق الإطار الذي كان توصل إليه مع واشنطن، ومهد الطريق أمام بدء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية، والتوصل إلى حل للنزاعات بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة ممثلة بالقوات الدولية «يونيفيل» المنتشرة في جنوب لبنان.
وتؤكد بأن عون أوحى من خلال التفافه على دور بري بأن الخلاف حول الحدود البحرية يتجاوز في مساحته 860 كيلومتراً مربعاً إلى 2290 كيلومتراً مربعاً، وهذا يتطلب إصدار مرسوم في هذا الخصوص تمهيداً لرفعه إلى الأمم المتحدة لحفظ حقوق لبنان في المنطقة المتنازع عليها بخلاف المذكرة التي كان أودعها إياها، أي 860 كيلومتراً مربعاً، وتقول بأن هناك صعوبة في إصدار المرسوم الذي يراد من إعداده تبرير توقف المفاوضات وتعليقها إلى ما بعد تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن، صلاحياته الدستورية في 20 من الشهر الحالي، وإنما في اللجوء إلى المزايدات الشعبوية، ناهيك عن أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب، وقبل أن تستقيل، كانت ألمحت استجابة منها لطلب الحراك الشعبي إلى وجود نية لديها بالتوجه إلى البرلمان طلباً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ما تسبب باشتباك مع بري، لأنه يتجاوز الحالات التي ينص عليها الدستور في هذا الخصوص، وأولها انتهاء ولاية البرلمان أو استقالة أكثر من نصف أعضائه.
كما أن عون، الذي يرفع شعار مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاحات، يحاول في المقابل برفضه التوقيع على التشكيلات القضائية الإبقاء على بعض القضاة بلا أي مبرر سوى تكليفهم، كما تقول المصادر النيابية، بفتح الملفات وملاحقة المتهمين بها بصورة انتقائية وكيدية، وهذا ما بدأ يظهر تباعاً وتسبب بردود فعل.
وعليه، فإن عون، حسب خصومه، يهوى استدراج من لا يدين له بالولاء للدخول في اشتباكات سياسية لا طائلة منها سوى المزيد من الإرباك.



الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
TT

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

تتجه الجماعة الحوثية في اليمن إلى توسيع دائرة مواردها من خلال ابتكار آليات ووسائل جديدة للجبايات بالتزامن مع مساعيها إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرتها، وأنشأت أخيراً آلية جديدة تحت اسم «موارد دعم القضاء»، إلى جانب توجهها لفرض جبايات على صناعة المحتوى الإلكتروني، وعلى عدد من الخدمات العمومية.

وكشفت وثيقة جرى تسريبها عن قرار أصدره القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الانقلابي) بدمج عدد من المؤسسات في السلطة القضائية بوزارة العدل وحقوق الإنسان في حكومة الجماعة التي لا يعترف بها أحد، وإعادة تنظيم مهام وأهداف الكيان الجديد، بما في ذلك تولي تحصيل موارد ما سماه «صندوق دعم القضاء».

قرار حوثي بإعادة هيكلة مؤسسات حكومية تضمن الإشارة إلى صندوق موارد لصالح القضاء (إكس)

وبينما لم تعلن الجماعة الحوثية إنشاء هذا الصندوق أو مهامه رسمياً، ترجح مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء صدور قرار بإنشاء الصندوق دون الإعلان عنه، خصوصاً أن الجماعة تتحفظ على الإعلان عن قراراتها الأخيرة بشأن دمج وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختطفة، ومنها هذا القرار الذي جرى تسريب بعض مواده.

وتوقعت المصادر أن يكون قرار إنشاء صندوق بهذا الاسم بوابة لتحصيل جبايات مختلفة من مصادر متعددة، سواء من المؤسسات أو القطاعات الإيرادية، بهدف السيطرة على إيراداتها وضمان دخولها في أرصدة تابعة للجماعة في البنوك، أو من الشركات التجارية والتجار ورجال الأعمال، وحتى من صغار الباعة ومختلف المهن والأعمال.

وذهبت المصادر في توقعاتها إلى أن مثل هذا الصندوق قد يستخدم في ابتزاز التجار ورجال الأعمال والشركات والبيوت التجارية، من قبيل أن عدم مساهمتهم في رفد موارد القضاء قد يتسبب في تعطيل مصالحهم أو معاملاتهم القانونية، وإجراءات التقاضي الخاصة بهم.

وبدأت الجماعة الحوثية منذ أسابيع تقليص الهيكل الإداري للدولة ومؤسساتها في مناطق سيطرتها من خلال عمليات دمج وإلحاق وإلغاء، بهدف مزيد من السيطرة عليها وإزاحة الموظفين فيها من غير الموالين للمشروع الحوثي.

ملاحقة صناعة المحتوى

وذكرت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تدرس منذ عدة أسابيع إنشاء آلية لفرض رسوم على صناعة المحتوى الإلكتروني من خلال فرض جبايات على المواقع الإلكترونية، وعلى صناع المحتوى والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقاً للمصادر فمن المتوقع أن يجري فرض الجبايات تحت اسم ضريبة الدخل، ويجري تحصيلها مقابل ما يتحصل عليه صناع المحتوى ومالكو المواقع الإلكترونية من مبالغ، سواء كانت عائدات من نشاطهم، أو من الإعلانات التي يقدمونها.

مبنى مجلس القضاء الأعلى في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية وتفرض جبايات باسمه (فيسبوك)

وبينت المصادر أن الجماعة تدرس آليات ووسائل فرض هذه الرسوم من خلال تتبع أنشطة صناع المحتوى، ومراقبة المواقع الإلكترونية وما تعرضه من إعلانات على صفحاتها، وتسعى إلى الاستفادة من تجارب عدد من الدول في هذا الشأن.

إلا أن الجماعة تواجه تحدياً كبيراً في تنفيذ نياتها، ويتمثل ذلك في قلة صناع المحتوى اليمنيين، ووجود كثير منهم خارج البلاد، حيث لا تساعد سرعات وأسعار الإنترنت في مناطق سيطرة الجماعة على إتاحة الفرصة لصناعة محتوى يدر مداخيل كبيرة.

كما أن غالبية مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن لا يحصلون على إيرادات كبيرة، ويكتفي أغلبهم بالحصول على هدايا من الجهات التي يقدمون لها خدمات إعلانية.

ومنذ قرابة شهر ونصف الشهر أخطرت وزارة إعلام الجماعة الحوثية ملاك المواقع الإخبارية ومحركات البحث، بتقديم تخفيضات بنسبة 70 في المائة على رسوم الحصول على تراخيص مزاولة النشاط، ولمدة لا تتجاوز الشهرين، مهددة بإجراءات عقابية على من يتخلف عن السداد والحصول على التراخيص.

جبايات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على نتائج اختبارات النصف الأول من العام الحالي (إعلام حوثي)

ومن المتوقع أن تبدأ الجماعة فرض إجراءات عقابية بحق المواقع الإلكترونية، مثل الحجب، واقتحام المكاتب، ومصادرة الأجهزة والمعدات، ضد كل من تخلف عن الحصول على تلك التراخيص.

وأخيراً فرضت الجماعة الانقلابية رسوماً على نتائج اختبارات طلبة المدارس للنصف الأول من العام الدراسي الحالي في مناطق سيطرتها.

وذكر أولياء أمور الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرسوم التي فرضتها الجماعة الحوثية مقابل الحصول على النتائج تراوحت بين أقل من نصف دولار إلى أكثر من دولار (بين 300 و600 ريال، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً)، وجرى تحصيلها من دون سندات.

واستنكر أولياء الأمور هذه الجبايات الجديدة، التي تضاف إلى ما يجري فرضه عليهم وعلى أبنائهم من رسوم منذ بداية العام الدراسي، والتي ضاعفت من الأعباء المفروضة عليهم، خصوصاً مع توقف الرواتب، وغلاء الأسعار، وتردي أحوالهم المعيشية.