«رشاش.. للشر اسم»... دراما من أرشيف الجهات الأمنية السعودية

طاقم تمثيلي من المملكة بالكامل وأضخم إنتاج في المنطقة

الممثل السعودي يعقوب الفرحان في دور «رشاش»
الممثل السعودي يعقوب الفرحان في دور «رشاش»
TT

«رشاش.. للشر اسم»... دراما من أرشيف الجهات الأمنية السعودية

الممثل السعودي يعقوب الفرحان في دور «رشاش»
الممثل السعودي يعقوب الفرحان في دور «رشاش»

للمرة الأولى في تاريخ الإنتاج الدرامي ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، تنطلق قريباً على منصة «شاهد VIP» الدراما السعودية المُستندة إلى أحداث حقيقية «رشاش»، من إنتاج «إم بي سي ستوديوز»
يُعد «رشاش» أكبر عمل درامي في السعودية، وأضخم إنتاج يُعرض على منصة رقمية في المنطقة على الإطلاق، فضلاً عن كونه أحد أبرز الإنتاجات الدرامية العربية من نوعه.
اعتباراً من الخميس 21 يناير (كانون الثاني)، وتحت «مسلسلات شاهد الأصلية»، تبدأ منصة «شاهد VIP» المنضوية تحت مظلة «مجموعة إم بي سي»، بعرض خفايا القصة التي لم تُروَ من قبل، والمأخوذة من أرشيف الجهات الأمنية السعودية، حول مجرم عتيد مارس نشاطاته الإجرامية المروّعة خلال حقبة الثمانينات في المملكة. وتستند قصة العمل إلى أحداث حقيقية، تروي القصة الكاملة لرجل العصابات سيئ السمعة المعروف باسم «رشاش»، والجهود الجبارة التي بذلتها أجهزة الأمن للإيقاع به وتقديمه إلى العدالة.
سلسلة من ثمانية أجزاء
العمل من تأليف كاتب السيناريو التلفزيوني البريطاني الشهير توني جوردان، الذي يحفل سجله بأعمال عالمية. كتب العمل كل من الشيخة سهى آل خليفة، وريتشارد بيلامي. يأتي «رشاش» ضمن سلسلة من ثمانية أجزاء ناطقة بالعربية ومترجمة إلى الإنجليزية، وتُعرض على «شاهد VIP» بواقع حلقة واحدة كل خميس مدتها 60 دقيقة.
وتروي سلسلة «رشاش» قصة القاتل الشرس ومهرب المخدرات، الذي أُلقي القبض عليه في السعودية أواخر ثمانينات القرن الماضي. ويتتبّع العمل المراحل الإجرامية المتعاقبة في حياة رشاش، بدءاً من أولى تجاربه الإجرامية، مروراً بالفترة التي عاث فيها فساداً، وانتهاءً بالإيقاع به وتقديمه إلى العدالة. بموازاة ذلك، تُسلّط الحكاية الضوء على الضابط الشاب «فهد» الذي كرّس جهوده وسخّر مسيرته المهنية للإيقاع برشاش والقضاء على منظمته الإجرامية.
قيمة إنتاجية ضخمة
يتميز «رشاش» بقيمته الإنتاجية العالية؛ فهو أضخم عمل سعودي درامي - أكشن، فضلاً عن كونه أكبر إنتاج يُعرض على منصة رقمية في المنطقة. يحمل «رشاش» توقيع المخرج البريطاني كولِن تيج.
وعلى الرغم من أن خطة الإنتاج تضمّنت تصوير مَشاهد العمل في فترة تناهز الـ90 يوماً، غير أن الإجراءات التي فرضها فيروس كورونا، أسفرت عن تمديد فترة التصوير، وذلك تحت إشراف مدير التصوير العالمي الشهير لوك برايان، الذي تحمل بصمته إنتاجات عالمية.
وقد أمضى كل من المخرج البريطاني كولِن تيج، ومدير التصوير لوك برايان ثلاثة أيام في تصوير مشاهد من الطائرة المروحية. في حين شهد العمل استخدام العديد من المعدات الباهظة على غرار عربات تصوير مع Russian Arm Dynamic المزودة بكاميرات متحركة متطورة لتصوير مشاهد الأكشن، إلى جانب كاميرا فانتوم، وطائرات «درون» من دون طيار، وكاميرات ثابتة في مشاهد الأكشن تطلّبت في بعضها زيادة عددها من 2 إلى 5 أو 6 كاميرات حسب خصوصية كل مشهد.
وعلى نحوٍ غير مسبوق في الإنتاجات التلفزيونية، ضمّ «رشاش» أكثر من 24 ممثلاً بديلاً - محترفاً لتنفيذ المَشاهد الخطرة التي صممها وأشرف عليها كالويان فودينيشاروف، أحد مؤسسي فريق Alpha Stunt البلغاري الشهير، الذي تشمل مسيرته المهنية إنتاجات هوليوودية شهيرة.
طاقم تمثيلي سعودي بالكامل
اعتمد العمل على عدد كبير من المواهب السعودية؛ ما اقتضى بالتالي التركيز على بناء مواهب جديدة في المملكة، وهو أحد أبرز أهداف كل من «مجموعة إم بي سي» و«شاهد» و«إم بي سي ستوديوز»، التي تعمد جميعها إلى احتضان وتعزيز وتنمية المواهب السعودية في جميع قطاعات العمل الإنتاجي والإعلامي. يضم «رشاش» طاقماً تمثيلياً يتألف بأكمله من نخبة من الممثلين السعوديين، هم: يعقوب الفرحان (رشاش)، نايف الضفيري (فهد)، فايز بن جريس (عمر)، حكيم جمعة (سلطان)، عبد الله البراق (مهال)، إبراهيم الحجاج (قحص)، أيمن المطهر (مصلح)، خالد يسلم (الشيف عزام)، سمية رضا (عايدى).
وعلى الرغم من أن الممثلين الرئيسيين نفّذوا بعض المشاهد الخطرة بأنفسهم، فقد كان لكل ممثل في العمل بديل محترف للقيام بمشاهد الأكشن الخطرة نيابة عنه. وقد خضع جميعهم لتدريب خاص على الأسلحة قبل بدء التصوير على أيدي محترفين متخصصين، ليبدو الممثلون ضمن مشاهد الأكشن بمظهر المحترفين المعتادين على التعامل مع الأسلحة على نحوٍ مقنع للمُشاهد.
جدير ذكره، أنه خلال تصوير «رشاش» حصلت (إم بي سي ستوديوز» على دعم إنتاجي من قبل شركة «توفور 54» أبوظبي، المعروفة بتقديم خدمات إنتاجية بمواصفات عالمية، إلى جانب مبادرات تدريبية تعنى بالمواهب، فضلاً عن خدمات وتسهيلات للشركات الإعلامية في المنطقة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)