«صار لازم راسك يفرز» .. حملة توعية تلحق لبنان بقافلة الحضارة العالمية

هدفها فرز النفايات وإعادة تدوير الصالح منها للمساهمة في تنقية البيئة ونظافتها

«صار لازم راسك يفرز» .. حملة توعية تلحق لبنان بقافلة الحضارة العالمية
TT

«صار لازم راسك يفرز» .. حملة توعية تلحق لبنان بقافلة الحضارة العالمية

«صار لازم راسك يفرز» .. حملة توعية تلحق لبنان بقافلة الحضارة العالمية

سيكون لبنان أول بلد عربي يلتحق بقافلة الحضارة العالمية في موضوع النفايات، من خلال اتباع المواطن فيه فرزا لنفاياته المنزلية. فتحت عنوان «صار لازم راسك يفرز»، انطلقت أخيرا حملة توعوية بيئية تحثّ المواطن على وضع نفاياته في كيسين؛ أحدهما أسود يستخدم للمواد العضوية المؤلفة من بقايا الأطعمة، وآخر أزرق توضع فيه النفايات البلاستيكية وعلب الصودا والقناني الزجاجية.
وكان الحديث عن إقفال مطمر النفايات في منطقة الناعمة في الآونة الأخيرة، والعمل على إقرار خطة جديدة من قبل الدولة اللبنانية لمعالجة النفايات الصلبة، هي التي دفعت بناشطين بيئيين لإطلاق هذه الحملة. وكان سكان بلدة الناعمة قد قاموا بمظاهرة بشرية أقفلوا خلالها المداخل المؤدية إلى مطمر بلدتهم، فمنعت دخول شاحنات شركة «سوكلين» المسؤولة عن جمع النفايات، بخطوة تصعيدية من قبلهم تجبر المعنيين في هذا الملف على إيجاد مساحة جديدة على أرض أخرى غير أرض بلدتهم لطمر النفايات فيها. خصوصا أن نسبة التلوث البيئي في منطقتهم بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، مما تسبب بحالات خطرة من أمراض صدرية وسرطانية عدة. وكان أهالي بلدة الناعمة قد قاموا بخطوة مماثلة منذ نحو السنة للضغط على الدولة اللبنانية لإيجاد حلّ لمشكلتهم المستعصية، ثم عادوا عنها بعد أن تلقوا وعودا بإيجاد حلّ لمشكلتهم في مطلع هذا العام.
ويقول زياد أبي شاكر أحد الناشطين البيئيين الذين أسسوا لهذه الحملة، إن كمية النفايات المنزلية التي ينتجها اللبنانيون يوميا تبلغ نحو 5000 طن في اليوم الواحد. وإن محافظتي بيروت وجبل لبنان وحدهما تنتجان نحو نصف هذه الكمية، أي نحو الـ22000 طن. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان علينا القيام بهذه الخطوة لتوعية اللبناني بالوضع البيئي الخطير الذي يمكن أن يواجهه في حال توقفت شركة «سوكلين» عن جمع النفايات، بفعل منع رمي حمولاتها في مطمر الناعمة. كما رغبنا في أن نقدم له حلا جذريا لمصير نفاياته الصلبة تسهّل عمل «السوكلين»، أو أي شركة أخرى قد تتولى رفع النفايات من المستوعبات الموجودة في الطرقات كافة.
وأضاف: «في هذا الفرز سنسهم في تنظيف بيئتنا من ناحية، وتأمين العمل لعدد لا يُستهان به من (نابشي القمامة)، المنتشرين هنا وهناك يحاولون التفتيش في تلك المستوعبات عن المواد الصلبة لبيعها لمؤسسات ومعامل تعمل على تدويرها (recycling)، وما لا يعرفه كثيرون هو أن لبنان فيه عدة معامل ومصانع تدوير. بينها 200 معمل للمواد البلاستيكية، ومعمل واحد للحديد، وآخر لتدوير الزجاج. كما أن غالبية المواد المدورة تستخدم في صناعات لبنانية معروفة، إن في مجال الـfibre الذي يستخدم في حشوة التنجيد، أو لصناعة النرابيج للري، أو الأواني الزراعة وغيرها. كما تقوم بعض هذه المعامل ببيع تلك المواد إلى بلدان أخرى، كتركيا وإيطاليا.
ويرى زياد أبي شاكر أنه على اللبنانيين المساهمة في الحفاظ على بيئتهم لأنهم هم أيضا مسؤولون عنها، وأن استخدام كيسين لفرز نفاياتهم المنزلية هو بالأمر السهل، ولا يتطلب منهم سوى دقائق قليلة.
اللبنانيون في غالبيتهم تجاوبوا حتى الآن مع هذه الحملة بشكل فعّال. فراح قسم منهم يسأل عن تفاصيلها من خلال المواقع الإلكترونية الخاصة بها، بينما هرع آخرون إلى تنفيذها مباشرة، بعدما شاهدوا الإعلان الترويجي المصوّر لها، الذي يشرح ببساطة كيفية استخدام الكيسين الأزرق والأسود ليتكفّل «نابشو القمامة» بإيصالها إلى معامل التدوير الموزعة في مختلف مناطق لبنان (نحو منطقة المطار والضاحية الجنوبية ومدينتي جبيل وطرابلس وبلدات عمشيت والشويفات وكفرشيما، وصولا إلى الصرفند جنوب لبنان وغيرها). وستتكفل تلك المعامل بنقل الأكياس الزرقاء على عاتقها وإيصالها إلى الأماكن الخاصة لتدويرها.
وينهي زياد أبي شاكر، وهو مهندس بيئي يعمل في مجال بناء المصانع لمعالجة النفايات على النطاق البلدي، بأن اللبنانيين بدأوا فعليا بتطبيق الحملة المذكورة ابتداء من 17 من الشهر الحالي.
من ناحيتها، أشارت صبحية نجار ناشطة أخرى في هذا المجال، إلى أن الحملة أقيمت تحت شعار «صار لازم راسك يفرز حتى ما نخلّي الزبلة تطمنا بعد 17 الشهر»، في محاولة لتذكير اللبنانيين بما ينتظرهم من تلوّث بيئي لو صدر القرار نهائيا بإيقاف شركة «سوكلين» عن ممارسة مهامها.
وقالت: «لقد سبق أن عاش اللبنانيون حالة مماثلة العام الماضي، عندما تكدست أكياس النفايات في المستوعبات الخاصة بها، فاختنقوا من الروائح المتسرّبة منها، وباتوا مطمورين حقيقة بنفاياتهم».
وتابعت: «بهذه الطريقة سنسهم في تأمين لقمة العيش لهؤلاء المعوزين الذين اتخذوا من البحث في القمامة مهنة لهم، كما أننا نكون وضعنا لبنان على خط الحضارة العالمية أسوة بغيره من البلدان في الغرب التي نظمت كيفية رمي النفايات المنزلية وفرزها».
والمعروف أنه في الأرجنتين مثلا استحدث لهؤلاء العمال (نابشي القمامة)، نقابة خاصة بهم المعروفة بـ«cartooneras»، وهم معروفون في جميع بلدان العالم تحت اسم «scanvenger»، أي صيادي النفايات، نسبة إلى طبيعة عملهم التي تتطلب منهم اصطياد أكبر عدد ممكن من أكياس النفايات الصلبة، ليقوموا ببيعها ويزيدوا من مدخولهم الشهري.
إذن سيكون اللبناني أول مواطن عربي يطبق نظام فرز نفاياته المنزلية. والمطلوب منه أن يتقيد بعنوانها العريض، ألا وهو استخدام الكيس الأسود لبقايا الأطعمة (مع وضع بعض الورق فيها لامتصاص السوائل والروائح الناتجة عنها)، والكيس الأزرق أو أي لون آخر للمواد الصلبة كالبلاستيك والحديد والنحاس والزجاج وغيرها.
وإلى أن يصدر قرار واضح وصريح من قبل الدولة اللبنانية يتعلّق بإقفال مطمر الناعمة واستبدال به آخر بعيد عن مناطق السكن، فعلى اللبناني أن يقوم بمسؤولياته تجاه بيئته ونظافتها ليصح القول المأثور: «نيّال اللي عندو مرقد عنزة بلبنان».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».