صنعاء تودّع أسوأ أعوامها مع الانقلابيين

أوبئة وإتاوات وقمع وسرقة للمساعدات الأممية و«حوثنة» للمؤسسات

TT

صنعاء تودّع أسوأ أعوامها مع الانقلابيين

ودع سكان العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، واحداً من أسوأ أعوامهم في ظل حكم الميليشيات الحوثية الموالية لإيران، بسبب استمرار الجماعة في إحكام قبضتها على كل مفاصل الدولة، وتجاهل قادتها لتفشي الأوبئة، وتنافسهم على الإثراء والنفوذ، بالتزامن مع توقف الرواتب وحملات القمع وجمع الإتاوات واتساع صنوف الانتهاكات ضد المدنيين.
وتحدث مواطنون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عما وصفوه بـ«يد الإجرام والفساد الحوثية» التي قالوا إنها لم تستثن خلال عام 2020 أحداً في صنعاء، بل طالت جرائمها وانتهاكاتها الصغار والكبار والنساء والشيوخ، فضلاً عن السياسيين والبرلمانيين والتجار وحتى باعة الأرصفة وملاك المتاجر والمخابز والشركات العامة والخاصة، وكافة القطاعات التعليمية والصحية والدينية والبيئية والزراعية وغيرها.
ويقول الحقوقي «م.ن»، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «لقد كان عام 2020 الأصعب والأشد بالنسبة لسكان العاصمة صنعاء، حيث بات غالبيتهم يعيشون نتيجة فساد ونهب وعبث وقمع الميليشيات على حافة المجاعة، ويعانون من أوضاع معيشية كارثية».
وكان إخفاء الميليشيات المتعمد للوقود في صنعاء، ومواصلة بيعه طيلة أشهر بأسعار مرتفعة في السوق السوداء ومحاربتها لذوي الدخل المحدود في أرزاقهم واستنزاف مدخراتهم، أدى إلى استفحال الأزمات الاقتصادية والإنسانية، الأمر الذي انعكس سلباً على أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بشكل جنوني، ما جعل الكثير من السكان يقفون عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الضرورية لضعف قدرتهم الشرائية، وعدم توافر السيولة، بسبب مواصلة نهب الجماعة للمرتبات منذ أعوام.
وألقت تلك السلسلة من الممارسات الحوثية وغيرها طيلة 2020 بظلالها على أوضاع المواطنين في صنعاء، كما شهدت العاصمة بالمقابل ارتفاعاً غير مسبوق لأعداد المتسولين، لتصبح ظاهرة التسول في ظل سيطرة وحكم وفساد الانقلابيين من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشاراً بين المجتمع اليمني.
كان أكاديميون مختصون بقضايا السكان قدروا بوقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن أعداد المتسولين في صنعاء ارتفعت إلى أكثر من 200 ألف متسول ذكوراً وإناثاً من مختلف الأعمار، وما زالت في تصاعد.
على الصعيد الإنساني، واصلت الجماعة في 2020 حرمان الآلاف من المواطنين والنازحين في صنعاء العاصمة من المعونات الغذائية المقدمة لهم من المنظمات الدولية، غير مبالية بكل الاتهامات الموجهة لها بضلوعها وراء عملية نهب وسرقة المساعدات وتسخيرها لصالح أسر قتلاها والموالين لها.
ومع استمرار الاستهداف الحوثي للمنظمات الدولية التي تقدم مساعدات للجوعى في صنعاء ومدن يمنية أخرى، ومواصلة تدخلاتها في طبيعة عملها ومجمل نشاطاتها الإغاثية، كان برنامج الغذاء العالمي ومنظمات أخرى قد أوقفوا عملهم مرات عدة في صنعاء كمحاولة للضغط على الميليشيات للكف عن سرقة الطعام من أفواه الجائعين. لكن الجماعة واصلت استغلال ذلك عبر المتاجرة بمعاناة اليمنيين التي افتعلتها على مستوى الداخل والخارج.
وعقب حرمان الانقلابيين للسكان من الحصول على المساعدات الإغاثية، وتعمد تكديس الأطنان منها بمخازن سرية تابعة للجماعة، رصدت تقارير محلية عمليات إتلاف حوثية لكميات كبيرة من القمح والسلع الأخرى المنتهية الصلاحية، التي كانت مخصصة للفقراء والمحتاجين والنازحين في صنعاء ومناطق تحت سيطرتها.
ومع تفاقم المعاناة والأوضاع الإنسانية بفعل الانقلاب والحرب الحوثية، حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن بات على شفير المجاعة مجدداً، وجاء في بيان لبرنامج الأغذية العالمي أن عدد الناس الذين يواجهون ثاني أعلى مستوى لانعدام الأمن الغذائي في اليمن سيزيد من 3.6 مليون شخص، ليصل إلى 5 ملايين شخص في النصف الأول من عام 2021.
وأشار إلى أن «عدد الناس الذين يواجهون هذه الدرجة من انعدام الأمن الغذائي الكارثي قد يتضاعف ثلاث مرات تقريباً من 16500 حالياً، ليصبح 47 ألف شخص بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 2021».
وبسبب استمرار غياب العدالة التي تخضع هي الأخرى لهيمنة الجماعة، عد ناشطون وسياسيون وإعلاميون ومواطنون في صنعاء أن تصنيف الميليشيات في ضمن جماعات الإرهاب بات اليوم مطلباً شعبياً من قبل جميع اليمنيين ككل وسكان صنعاء على وجه التحديد.
ويقول محامٍ في صنعاء رمز لاسمه بـ«و.ق»، «إن أصوات اليمنيين ترتفع اليوم أكثر للمطالبة بإعلان الميليشيات جماعة إرهابية، والتعامل معها على هذا الأساس باعتباره أمراً في غاية الأهمية».
وأضاف: «إن سلسلة الجرائم وحملات النهب والابتزاز التي مارستها الجماعة طيلة الأشهر الماضية بحق السكان في صنعاء تؤكد للجميع أنها جماعة إرهابية، وليس ثمة فرق بين ما قامت به هذه الميليشيات وبين ما ترتكبه الجماعات الإرهابية الأخرى كتنظيم (داعش) و(القاعدة) و(أنصار الشريعة)، فهما في الأول والأخير وجهان لعملة واحدة».
وقال «إن استمرار صمت المجتمع الدولي على انتهاكات الانقلابيين بحق السكان في صنعاء ومدن يمنية أخرى سيطيل معاناتهم، ويزيد من أوجاعهم، وسيعمل بالوقت ذاته على تشجيع الميليشيات وتماديها في مواصلة ارتكاب أبشع الجرائم بحقهم».
على الجانب العسكري، استمرت الجماعة الحوثية في شن حملات تجنيد قسرية في مختلف مناطق سيطرتها لتعويض خسائرها، وسط تقديرات حكومية بمقتل نحو 10 آلاف من عناصر الجماعة خلال العام المنصرم.
كانت الحكومة اليمنية طالبت مراراً، المجتمع الدولي، بموقف حازم إزاء جريمة تجنيد الميليشيات لآلاف الأطفال، وتحويلهم أدوات للقتل، وإلى قنبلة موقوتة تهدد حاضر ومستقبل البلد والأمن والسلم الإقليمي والدولي.
واتهمت الحكومة الشرعية، في بيان لها، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الميليشيات باصطياد الأطفال في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها عبر الأفكار الإرهابية المتطرفة، وإلقائهم في محارق الموت دون اكتراث بمصيرهم ومعاناة أسرهم.
وأشارت إلى أن الجماعة ضاعفت عمليات تجنيد الأطفال في صنعاء، وأخضعتهم لما تسميها بـ«دورات ثقافية وعسكرية» بهدف بناء جيش من الإرهابيين، وتغطية النقص الحاد في مخزونها البشري.
وعلى وقع ما تشهده الأجنحة الحوثية من صراعات محتدمة على المال والنفوذ قادت بعضها إلى اشتباكات بينية في صنعاء ومناطق أخرى، بدأ ذلك الصراع يأخذ منحى آخر، خصوصاً بعد وصول القيادي في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو إلى صنعاء، منتحلاً صفة السفير لدى اليمن، ليتحول بعدها إلى صراع عقائدي بين جناحي صنعاء وصعدة، حيث مالت الغلبة باتجاه الجناح العقائدي في صعدة، على حساب جناح السلالة في صنعاء وعمران وذمار وإب.


مقالات ذات صلة

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي دعا عدد من السفراء الأجانب لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن (السفارة البريطانية)

دعوات دولية لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن

العليمي:«الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني، والعسكري».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي يمنيان يبيعان الحبوب المنتجة محلياً في سوق بوسط صنعاء (إ.ب.أ)

انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

التهمت موجة غلاء جديدة ما تبقّى من قدرة السكان الشرائية، في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يضاعفون الجبايات، بالتوازي مع تراجع عالمي في أسعار المواد الاستهلاكية

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي أكد طارق صالح أن الظروف الراهنة مواتية لصالح حسم المعركة واستعادة الدولة ومؤسساتها (سبأ)

مسؤولان يمنيان يرفعان جاهزية الجبهات العسكرية

يعتقد المسؤولون اليمنيون أن جماعة الحوثي هي العدو الرئيسي والوحيد للشعب اليمني، وأن الظروف الراهنة مواتية لصالح حسم المعركة، واستعادة الدولة ومؤسساتها.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

يتعرض طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية لابتزاز قادة حوثيين لإعداد رسائلهم للماجستير، والدكتوراه، في حين يجري إغراق التعليم الجامعي بممارسات كسب الولاء

وضاح الجليل (عدن)

الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
TT

الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)

أعلنت السلطات السورية، الثلاثاء، أن قواتها قتلت زعيم خلية مرتبطة بتنظيم «داعش» واعتقلت 8 آخرين، على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف، الأحد، قوات الأمن بشمال البلاد.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت الوزارة في بيان إن العملية «استهدفت موقع خلية إرهابية تتبع لتنظيم (داعش) الإرهابي»، وأدت العملية إلى «إلقاء القبض على جميع أفراد الخلية وعددهم 8، وحُيّد (قُتل) العنصر التاسع، متزعم الخلية، أثناء المداهمة».

وأفادت الوزارة بعملية أمنية ثانية بناء على المعلومات التي جمعتها من العملية الأولى، وأسفرت العمليتان عن «ضبط أحزمة ناسفة، وكواتم صوت، وصواريخ من نوع ميم-دال، إلى جانب أسلحة رشاشة».

وقالت الداخلية إن المجموعة المستهدفة «مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب».

وتأتي هذه العملية بعد هجوم استهدف، الأحد، دورية لإدارة أمن الطرق في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل أربعة من عناصر قوى الأمن الداخلي وإصابة خامس، حسب وزارة الداخلية السورية.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بأن مسلحين أطلقوا النار على الدورية أثناء تنفيذ مهامها على طريق معرة النعمان جنوب المحافظة.

وتبنى تنظيم «داعش» لاحقاً الهجوم، وفق ما أورده موقع «سايت» المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية.

ويأتي ذلك بعد أيام من استهداف وفد عسكري مشترك في مدينة تدمر وسط سوريا، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين، بينهم جنديان ومدني يعمل مترجماً، إضافة إلى إصابة عناصر من القوات الأميركية والسورية، حسب واشنطن ودمشق.


تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
TT

تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)

أقرت مصر حزمة واسعة من التسهيلات لمستثمري منطقة طابا ونويبع، الواقعتين على شاطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء، بعد تضرر الأنشطة السياحية هناك على مدار العامين الماضيين، نتيجة الحرب في قطاع غزة والتوترات الأمنية المحيطة بالمنطقة.

وبحسب تصريحات إعلامية لرئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإنه تمت الموافقة من جانب إدارة الهيئة على منح المستثمرين عاماً إضافياً لتأجيل سداد المديونيات، مع وقف المطالبة بالسداد لمدة 18 شهراً دون فوائد، لافتاً إلى أن هذه القرارات جاءت استجابة لمطالب المستثمرين وبعد عدة اجتماعات ميدانية وجولات تفقدية للمنطقة.

وتضمنت حزمة التسهيلات المقررة مد فترة الإعفاء من سداد قيمة الأراضي إلى 3 سنوات بدلاً من عامين، إلى جانب تجميد المديونيات لمدة سنة ونصف السنة دون فرض أي أعباء إضافية.

وأوضح أن المنطقة تعرضت لضغوط استثنائية أدت إلى توقّف غالبية المقاصد السياحية، مشيراً إلى أن عدد الفنادق العاملة حالياً لا يتجاوز 6 فنادق من بين 55 فندقاً مسجلة في المنطقة.

حوافز حكومية لمنتجعات جنوب سيناء في مصر لتنشيط السياحة (هيئة تنشيط السياحة)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أشارت تقارير إعلامية مصرية إلى «إغلاق نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين بسيناء على شاطئ البحر الأحمر وتراجع معدل الإشغالات الفندقية في منتجع شرم الشيخ ومدن جنوب سيناء نتيجة الحرب على غزة».

الدكتور يسري الشرقاوي، مستشار الاستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، عدّ التسهيلات المالية التي تقدمها الحكومة المصرية لمساندة المشروعات السياحية المتعثرة خطوة مهمة، لكنها لا تمثل حلاً كاملاً في مواجهة تداعيات الظروف الجيوسياسية الراهنة، مشدداً على ضرورة تبني استراتيجية متعددة المحاور.

وقال الشرقاوي، لـ«الشرق الأوسط»: «تُعد السياحة أحد أهم المصادر للعملة الصعبة في مصر، وكان تأثير الظروف الجيوسياسية على مناطق سيناء، خصوصاً المناطق الجنوبية المتضررة جغرافياً، تأثيراً مباشراً وحاداً».

وتابع: «اليوم، تنظر الحكومة المصرية إلى عام 2026 بوصفه عاماً مرتقباً للهدوء النسبي والاستقرار، وهو العام الذي سيأتي أيضاً بعد شهور من الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير، والتدابير المتخذة تهدف إلى جعل عام 2026 عاماً ذهبياً لقطاع السياحة إذا ما تلاشت التأثيرات الخارجية»، مؤكداً أن الحلول المالية المطروحة حالياً ستسهم في سداد الفواتير الكبيرة المستحقة على أصحاب المشروعات السياحية المتعثرة في سيناء، ومتوقعاً المزيد من المساعدات التدريجية في هذا الصدد.

وبحسب تصريحات رئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإن الهيئة حرصت على جمع مطالب المستثمرين، وإقرار ما يدعم استمرارية النشاط في المنطقة التي تمثل أحد أهم المقاصد في جنوب سيناء.

واستقبلت مصر، وفق بيانات رسمية 15.7 مليون سائح خلال عام 2024، ما يُعدّ أعلى رقم تحققه البلاد في تاريخها. كما أعلنت زيادة أعداد السائحين خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 بنسبة 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.

ودعا الشرقاوي إلى ضرورة تدخل أوسع من الحكومة على 3 محاور متزامنة لضمان جذب أعداد أكبر من السائحين؛ أولها المحور الدبلوماسي والسياسي، عبر استمرار الجهد المكثف، ممثلاً في وزارة الخارجية وتحت توجيهات القيادة السياسية، لضمان التحسن التدريجي المستقر في الظروف الجيوسياسية وتلاشي أثرها، إلى جانب الترويج النوعي، من خلال إعداد وزارة السياحة والآثار المصرية برامج ترويجية جاذبة تستهدف إعادة تثبيت الرؤية الآمنة لأسواق السياحة الدولية تدريجياً، خاصة للوافدين إلى سيناء.

وتابع: «كما يجب أن يكون هناك ترويج مدعوم للسياحة الداخلية للحفاظ على نسب الإشغال داخل هذه المنطقة، فلا يمكن لأي منطقة في العالم أن تتجاوز جميع الآثار إلا إذا تضافرت الأيدي الداخلية مع الدعم الخارجي».


«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

في وقت تحدث فيه إعلام إسرائيلي عن زيادة وتيرة التوتر بين مصر وإسرائيل في الفترة الحالية، بسبب ممارسات حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأجهزة المصرية رصدت ما تقوم به إسرائيل من مخالفات لاتفاق شرم الشيخ، وأعدت به ملفاً وأبلغت به واشنطن للتأكيد على أن القاهرة ملتزمة ومصرة على تنفيذ الاتفاق».

ووفق عسكريين سابقين بمصر، فإن «القاهرة ترى في ممارسات إسرائيل بغزة محاولة للتملص من خطة ترمب المتفق عليها، واللجوء لترسيخ وجود عسكري إسرائيلي دائم فيما يعرف بالخط الأصفر بغزة، مما يهدد الأمن القومي المصري».

و«الخط الأصفر» هو خط تقسيم يفصل قطاع غزة إلى جزأين، وفقاً لخطة السلام الموقعة بشرم الشيخ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الخطة التي تهدف إلى إنهاء حرب غزة. ويفصل الخط الأصفر 47 في المائة من الأراضي في المنطقة الغربية التي يسيطر عليها الفلسطينيون، عن 53 في المائة من قطاع غزة التي تسيطر عليها إسرائيل، وتقريباً جميع الفلسطينيين في غزة نزحوا إلى المنطقة الغربية من الخط.

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

وكشف تقرير لـ«القناة 14» الإسرائيلية عن نشاط للجيش الإسرائيلي فيما يعرف بـ«الخط الأصفر»، وتعديل التضاريس الجغرافية لقطاع غزة، وهو ما تعدّه القاهرة «تهديداً مباشراً لمصالحها الإقليمية»، وفق القناة، التي ذكرت أن «ذلك أغضب مصر ودفعها للشكوى إلى الولايات المتحدة، متهمة إسرائيل بأنها تعمل على تقسيم قطاع غزة إلى جزأين، وتغيير التركيبة الديموغرافية والتضاريسية للمنطقة».

وحسب التقرير، فإن القاهرة «تنظر بقلق بالغ لما يجري في قطاع غزة، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيل زامير، حول الخط الأصفر، باعتباره خطاً دفاعياً وهجومياً جديداً»، حيث إن نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة «الصفراء» - الذي يشمل تدمير بنية تحتية للأنفاق وهدم منازل - «يفسر في القاهرة على أنه استعداد لترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في غزة، ما دفع مصر إلى التحرك الدبلوماسي العاجل باتجاه واشنطن»، وفق القناة العبرية.

وأكد نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر غاضبة بشدة من محاولات إسرائيل التملص من التزامها بخطة السلام المتفق عليها، وتحركاتها في المنطقة الصفراء توحي برغبتها في تثبيت وجود عسكري دائم في غزة وقرب الحدود المصرية، مما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري».

مصادر تتحدث عن اشتراطات مصرية لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو (إعلام عبري)

كامل، وهو مستشار بالأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية قال لـ«الشرق الأوسط»: «الموقف المصري واضح ومحدد وثابت في عده قضايا رئيسية تخص الأمن القومي المصري، ويقوم على أن السلام هو الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الخارجية المصرية، واحترام مصر للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، خصوصاً اتفاقيه السلام الموقعة عام 1979، والملحق العسكري المرفق بالاتفاقية وتعديلاته الخاصة بزيادة أعداد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وضرورة احترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين».

وأوضح أن «هناك اشتراطات مصرية للتهدئة مع إسرائيل تتعلق بتنفيذ اتفاق غزة طبقاً لمبادرة الرئيس الأميركي ترمب بمراحلها المختلفة، والبدء فوراً في المرحلة الثانية دون عرقلة أو أسباب واهية، مع التأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والتحول إلى مرحلة السلام، وقيام إسرائيل بالتنفيذ الدقيق للاتفاقية ودخول المساعدات الإنسانية بالكميات المتفق عليها، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

ومن الشروط كذلك بحسب كامل، «رفض مصر الهجرة القسرية أو الطوعية لسكان قطاع غزة، وكذلك الإجراءات الإسرائيلية بالضفة الغربية الخاصة بإقامة المستوطنات وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل أراضي القطاع بما فيها محور فيلادلفيا والعودة لحدود 7 أكتوبر 2023، والتأكيد أن الوجود الإسرائيلي الحالي هو وضع مؤقت مرهون بتطور تنفيذ مراحل الاتفاق، وأن الخطوط الملونة ومنها الخط الأصفر، هي خطوط وهمية لا يعتد بها».

الشرط الرابع، وفق كامل، متعلق بـ«مدى تجاوب نتنياهو وحكومته مع المطالب العربية الواضحة في المبادرة العربية، والخاصة بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والشروع والموافقة على حل الدولتين وعدم التهجير للفلسطينيين؛ سواء بغزة أو الضفة، وإبداء النوايا الحسنة الخاصة بحسن الجوار وعدم الاعتداء، والتجاوب مع المطالب الدولية الخاصة بإخلاء المنطقة من التهديد بالسلاح النووي، وانضمام إسرائيل للاتفاقيات الدولية بذات الشأن».

مسلحون من «حماس» يرافقون أعضاء «الصليب الأحمر» نحو منطقة داخل «الخط الأصفر» الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

ويعتقد أن «مصر لن تتجاوب مع المساعي الأميركية والإسرائيلية الخاصة بعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دون تقديم إسرائيل مبادرة واضحة ومحددة لرغبتها في السلام واستقرار المنطقة، وتكون قابلة للتنفيذ».

وذكرت التقارير الإسرائيلية أن الولايات المتحدة حاولت فعلياً تنظيم قمة ثلاثية في واشنطن؛ بين السيسي ونتنياهو بحضور ترمب، لكن الفكرة ارتطمت بجدار الشروط المصرية التي وصفها الإعلام العبري بـ«غير المقبولة» من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن التقارير ذاتها أشارت إلى أن القاهرة تتوقع أن يمارس ترمب ضغوطاً خلال لقائه المرتقب مع نتنياهو في فلوريدا نهاية الشهر الحالي، لـ«كبحه» والحد من خطواته في غزة.

وقال رئيس الأركان السابق للجيش المصري، اللواء سمير فرج، إن «هناك تعويلاً كبيراً على القمة التي ستعقد بين ترمب ونتنياهو ومخرجاتها، وإن ترمب بالقطع سيضغط على نتنياهو للالتزام بخطة السلام في غزة، التي تحمل اسم ترمب شخصياً».

ونوه فرج في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن مصر ستقيم الموقف في إطار ما ستتمخض عنه قمة ترمب ونتنياهو، ولكن في الوقت ذاته، فإن موقفها واضح وثابت في أنها لا تقبل أبداً بتثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في الخط الأصفر، أو في أي منطقة من غزة، وكل ما تفعله حكومة نتنياهو تدرك القاهرة تماماً أنه محاولة لعرقلة خطة السلام التي تنص على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي غزة.