لبنان مهدد بعدم الانتظام المالي بفعل غياب الحكومة

TT

لبنان مهدد بعدم الانتظام المالي بفعل غياب الحكومة

يهدد الفشل في التوصل إلى اتفاق لتأليف الحكومة اللبنانية، بالعودة إلى الإنفاق العام وفق قاعدة الإنفاق «الاثني عشرية» خارج الموازنة، بسبب التعثر في إعداد موازنة للمالية العامة كان يفترض أن تقرها الحكومة اللبنانية في الأشهر الماضية وتحيلها إلى مجلس النواب لإقرارها قبل السنة الجديدة.
ويجيز القانون اللبناني للحكومة الإنفاق وفق القاعدة «الاثني عشرية» حتى نهاية شهر يناير (كانون الثاني) من كل عام، وهي مهلة إضافية تُمنح للبرلمان لمناقشة الموازنة، لكن هذا العام، لم تقدم وزارة المال بعد مشروع قانون الموازنة إلى الحكومة، بعد استقالة الحكومة في أغسطس (آب) المنصرم، إثر انفجار مرفأ بيروت، ما يهدد بالإنفاق من خارج الموازنة لأكثر من الشهر المسموح به.
وقالت مصادر وزارة المالية لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة تعد مشروع الموازنة منذ نحو شهر، وشارف المشروع على الانتهاء، على أن تحيله الوزارة إلى الحكومة لمناقشته وإقراره، رافضة الكشف عن الأرقام التي تغيرت في المشروع الجديد.
وينص قانون المحاسبة العمومية على أن تقوم مديرية الموازنة ومراقبة النفقات في وزارة المالية بدرس موازنات الوزارات التي وردتها حتى مهلة 31 يوليو (تموز) من كل عام، لتعمل الوزارة خلال شهر أغسطس (آب) على توحيد الموازنات وتحضير مشروع الموازنة العامة، وإحالته إلى مجلس الوزراء، الذي يفترض أن يدرس المشروع ويعدّله ويصدّقه ويحيله إلى مجلس النواب في مهلة قصوى في مطلع أكتوبر (تشرين الأول). وتبدأ اللجان البرلمانية المختصة بدراسته وإحالته إلى الهيئة العامة لإقراره.
وتكمن معضلة أخرى مرتبطة بعدم إقرار الموازنة في الحكومة وإحالتها في المهلة المتبقية، تتمثل في الخلاف الدستوري حول انعقاد الحكومة حين تكون في حالة تصريف الأعمال، ففي وقت يقول بعض الخبراء الدستوريين إن حكومة تصريف الأعمال يمكن أن تنعقد في الأزمات لإقرار ملفات هامة، مثل الموازنة، وهو ما سجلت فيه سابقة في الستينيات، يقول آخرون إن الحكومة لا يمكن أن تنعقد، وهو ما يرتب الانتظار ريثما تتشكل حكومة جديدة تقر مشروع قانون الموازنة وتحيله إلى البرلمان.
وكان لبنان شهد أزمة بالإنفاق المالي من خارج الموازنة امتدت 11 عاماً، قبل أن تنتظم بإقرار موازنة في عام 2017، تلتها موازنات 2018 و2019 و2020. وتهدد أزمة غياب حكومة الآن، بالعودة إلى ما قبل عام 2017 لجهة الإنفاق المالي.
وقال مقرر لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني النائب نقولا نحاس إن لبنان بالفعل «دخل مرحلة ما قبل عام 2017» لجهة عدم انتظام الإنفاق العام وفق موازنة المالية العامة، بالنظر إلى أن الحكومة «تنفق الآن وفق القاعدة الاثني العشرية»، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا حل إلا بتشكيل حكومة وإقرار موازنة للعام 2021 لتحليها إلى البرلمان لدراستها وإقرارها»، مشدداً على أنه «لا حلول لانتظام الإنفاق من غير موازنة».
وتنفق الحكومة اللبنانية الآن على قاعدة الإنفاق الاثني عشرية، بناء على أرقام الموازنة السابقة، رغم التغييرات التي طرأت على الاقتصاد اللبناني. وأكد نحاس أن الحكومة مضطرة لإجراء تعديلات على الموازنة السابقة، لتصحيح الإنفاقات بموجب التغييرات التي طرأت على الاقتصاد، مشدداً على أن الإنفاق بموجب الموازنة السابقة على القاعدة الاثني عشرية هو «مخالفة»، داعياً إلى التوقف عن ارتكاب المخالفات.
وتترتب على الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية في هذه الظروف، مخاطر اقتصادية إضافية على مالية الدولة، بالنظر إلى أن موازنة عام 2020 التي سيُنفق على أساسها في 2021 من غير إقرار موازنة جديدة، أقرت في ظروف اقتصادية ومالية أفضل مما هي عليه الآن، في ظل التراجع في العائدات المالية للدولة اللبنانية على ضوء تراجع التحصيل الضريبي وتراجع عائدات الجمارك بسبب الأزمات الاقتصادية، فيما بقي الإنفاق على ما هو عليه، رغم أنه يفترض أن يتقلص بحكم تجميد لبنان دفع فوائد ديونه الخارجية المترتبة عليه بانتظار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.