في لبنان... مرضى «كورونا» يُتركون لمصيرهم لامتلاء أسرة العناية الفائقة

ممرض ينقل مريضاً مصاباً بكورونا داخل مستشفى حكومي في بيروت (أ.ف.ب)
ممرض ينقل مريضاً مصاباً بكورونا داخل مستشفى حكومي في بيروت (أ.ف.ب)
TT

في لبنان... مرضى «كورونا» يُتركون لمصيرهم لامتلاء أسرة العناية الفائقة

ممرض ينقل مريضاً مصاباً بكورونا داخل مستشفى حكومي في بيروت (أ.ف.ب)
ممرض ينقل مريضاً مصاباً بكورونا داخل مستشفى حكومي في بيروت (أ.ف.ب)

قبل أيام، اصطحبت راشيل حلبي والدها المسنّ إلى أحد مستشفيات بيروت، بعدما ساءت حالته جراء إصابته بفيروس كورونا المستجد، لكن الطبيب طلب منهم إعادته إلى المنزل مع آلة أوكسيجين لأن العناية الفائقة بلغت طاقتها القصوى.
وقالت السيدة المصابة بدورها بالفيروس لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف: «طلب منا الطبيب إعادته إلى المنزل وتأمين آلة أوكسيجين مع إعطائه العلاج. بقينا على هذا الوضع لأيام عدة لكنه لم يتحسّن».
وأضافت بحرقة: «لم نترك مستشفى لم نتصل به وكلهم كرروا الجواب ذاته: لا مكان لدينا، قسم الطوارئ ممتلئ والموجودون ينتظرون بالدور نقلهم إلى العناية الفائقة».
وأفاد مسؤولون وأطباء في الأيام الأخيرة عن مستشفيات رئيسية تخطت طاقتها الاستيعابية مع ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير خصوصاً خلال فترة الأعياد، وعن حاجة عدد أكبر من المصابين لدخول أقسام العناية المركزة.
ودفع تزايد تفشي الفيروس السلطات أمس (الاثنين) إلى إعلان إقفال عام جديد بدءاً من الخميس حتى مطلع الشهر المقبل، في محاولة للحد من ارتفاع عدد الإصابات وتخفيف الضغط عن المستشفيات. وتخطى إجمالي الإصابات 192 ألفاً بينها 1499 وفاة.
بعد اتصالات كثيفة، تمكنت راشيل من إيجاد سرير لوالدها إيلي (85 عاماً) في مستشفى خاص في مدينة زحلة (شرق)، مقابل دفع مبلغ 15 مليون ليرة (10 آلاف دولار وفق سعر الصرف الرسمي) كوديعة.
وسألت بانفعال: «ماذا يفعل أولئك غير القادرين على تأمين المبلغ؟ هل يعقل ذلك؟».
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام الماضي فاقمها انفجار المرفأ المروّع في 4 أغسطس (آب).
ونجا والدها «بأعجوبة» من الانفجار الذي تسبب بدمار منزله في منطقة الجميزة المتاخمة للمرفأ، لكن ذلك عرّضه لالتقاط الفيروس خلال «متابعته مع الجمعيات والجيش ترميم منزله وتلقي المساعدات»، وفق قولها.
وبينما تنتظر عائلة إيلي أن ينقله الصليب الأحمر إلى زحلة لتلقي العلاج خلال الساعات المقبلة، يبحث الصحافي جان نخول مع عائلته عن سرير لجدته (83 عاماً).
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية اليوم (الثلاثاء): «اتصلنا بمستشفيات عدة ولم نجد لها مكاناً. أقسام العناية الفائقة ممتلئة، ومن لديه سرير فارغ أبلغنا بأنه لا يمكنهم استقبالها ما لم يصبح وضعها حرجاً لأن الأولوية لصغار السنّ».
ويضيف: «أحضرنا آلة قياس الأوكسيجين وماكينة تنفس إلى المنزل في حال تفاقم وضعها».
على موقع «فيسبوك»، كتبت روى زوين ليل أمس: «سيدة تبلغ 69 عاماً تعاني من أعراض حادة جراء إصابتها بكوفيد - 19 تحتاج دخول مستشفى بشكل عاجل ولا أسرة شاغرة. هل بإمكان أحد المساعدة؟».
ورغم عمل وزارة الصحة خلال الأسابيع الأخيرة على زيادة عدد الأسرة الخاصة بمرضى كورونا في المستشفيات، فإن ذلك لم يكن كافياً. وقال الطبيب فراس الأبيض، مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي يقود جهود التصدي للوباء: «في الآونة الأخيرة، تجاوز الارتفاع في أعداد حالات الكورونا الزيادة في أعداد أسرة العناية».
وخاضت جومانا بدورها تجربة البحث المضني عن سرير لوالدتها قبل العثور على مكان في مستشفى في بعلبك (شرق). وقالت: «نشعر كما لو أننا نستجدي» سريراً، بعدما وضعت «بعض المستشفيات اسم والدتي على قائمة انتظار ولم تعاود الاتصال بنا قط».
وكان الأطباء والعاملون في القطاع الصحي حذروا من أنّ معدل إشغال الأسرة في وحدات العناية المركزة يرتفع بشكل خطير، عشية توجه السلطات إلى تخفيف القيود قبل موسم الأعياد والسماح بفتح الملاهي والحانات، في محاولة لإنعاش الاقتصاد المتداعي، من دون أن يلقى تحذيرهم آذاناً صاغية.
وجراء هذا التراخي، سجل لبنان ليلة رأس السنة 3507 إصابات، في معدل يومي قياسي منذ بدء تفشي الوباء.
وتجد الطواقم الطبية نفسها مرهقة جراء الضغط وبعدما طالت الإصابات المئات من العاملين فيها.
وقال رئيس قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو في بيروت أنطوان زغبي: «الوضع اليوم كارثي، سواء لناحية عدد المصابين الذين يتدفقون إلى الطوارئ أو سوء حالاتهم».
وينقل الصليب الأحمر اللبناني، وفق ما يشرح أمينه العام جورج كتانة: «قرابة مائة مصاب يومياً يحتاجون إلى مستشفيات».
وتناشد وزارة الصحة المستشفيات الخاصة التي تشكّل أكثر من ثمانين في المائة من قطاع الاستشفاء في لبنان، المشاركة بشكل أكبر في تحمّل أعباء التصدي للفيروس، فيما تنتظر تلك المستشفيات دفع مستحقات مالية متأخرة لها منذ سنوات.
على مواقع التواصل لاجتماعي، ينتقد كثر إدارة السلطات اللبنانية لأزمة كوفيد - 19، وتتحدث وسائل الإعلام المحلي عن «سيناريو إيطالي» واقع لا محالة في البلد الصغير.
وكتب غابي شامي على «تويتر»: «في لبنان، بدأت خطوط الانتظار اليوم في كل مكتب رسمي أو مصرف. ينتظر الناس حتى الشهر المقبل من أجل إتمام أعمالهم غير المنجزة. لا خطة لدى لجنة كورونا، وكل من أعضائها على كوكبه الخاص. مع إغلاق عام أو بدونه، سيواصل كورونا تسجيل انتصارات».


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».