«لبيروت» مزاد رقمي تنظمه «دار شيبان للثقافة والفنون»

يعود ريعه للصليب الأحمر والعائلات المتضررة

«لبيروت» مزاد رقمي تنظمه «دار شيبان للثقافة والفنون»
TT

«لبيروت» مزاد رقمي تنظمه «دار شيبان للثقافة والفنون»

«لبيروت» مزاد رقمي تنظمه «دار شيبان للثقافة والفنون»

لا يزال انفجار بيروت يلهم أصحاب المبادرات الإنسانية على تكثيف نشاطاتهم في مجال مساعدة المتضررين. مؤسسات ومنظمات وجمعيات عالمية ومحلية أخذت على عاتقها تقديم العون منذ حصول الكارثة في 4 أغسطس (آب) الفائت حتى اليوم. دور ثقافية ومتاحف ومراكز فنية وغاليرهات أطلقت مبادرات مختلفة، فشهدت بيروت معارض رقمية ونشاطات ثقافية، استضافتها مباشرة في شوارعها وأحيائها لهذه الغاية.
«دار شيبان للثقافة والفنون» في العاصمة عبرت بدورها، ومن خلال نشاطات نظمتها بعيد الانفجار بأيام قليلة، عن مساندتها لأهالي بيروت المتضررين. وبالتعاون مع مؤسسة الجيش، نظمت معرضاً فنياً في منطقة الجميزة. وبعده أطلقت الدار في الشهر نفسه (أغسطس) المرحلة الأولى من مزاد علني (معاً لبيروت)، للوحات وقعها نحو 300 فنان ورسام تشكيلي. اليوم تُكمل الدار المرحلة الثانية من هذا المزاد الرقمي تحت عنوان «لبيروت» يعود ريعه بأكمله لمؤسسة الصليب الأحمر اللبناني وأهالي المناطق المتضررة.
ويستمر المزاد فاتحاً صفحاته الافتراضية عبر الإنترنت لغاية 10 يناير (كانون الثاني) 2021 أمام من يرغب في مد يد المساعدة.
غالبية اللوحات المشاركة وقعها رسامون لبنانيون أمثال مها بيرقدار الخال وباسمة باطولي. في حين توزعت النسبة القليلة المتبقية على رسامين من روسيا والعراق ومصر وغيرها من دول عربية وغربية.
يشير صاحب الدار سعد شيبان إلى أن المزاد يستقطب بالدرجة الأولى اللبنانيين المقيمين في الخارج. ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «اللبنانيون المغتربون الموزعون على كافة العواصم والدول في العالم هم أكثر من تفاعل مع هذا المزاد العلني. ولقد وضعنا أسعاراً مقبولة لهذه اللوحات تبدأ بعضها بمبلغ 100 دولار لتصل إلى حدود الـ500 دولار. فوجدنا في هذه الطريقة أسلوباً يستقطب شرائح اجتماعية مختلفة لن تجد صعوبة في شراء إحدى هذه اللوحات حسب ميزانيتها، لا سيما أنها تعيش في الخارج». ويرى شيبان أنه لمس إقبالاً كبيراً على تصفح موقع المزاد (LibeirutAuction). وهو ما دفعه إلى توسيع دائرة المتبرعين في المرحلة الثانية منه، وتشمل مؤسسات أخرى كالدفاع المدني وفوج الإطفاء. كما استعانت الدار بوجوه فنية معروفة لها تأثيرها على الناس من أجل تحريك عجلة المزاد وإعطائه حيزاً إعلانياً أكبر. ومن بين الفنانين الذين دعوا إلى المشاركة في المزاد ناجي أسطا وإيلي مسعد وسامي كلارك والممثلون فؤاد يمين وهند باز وفادي متري وغيرهم.
تتضمن اللوحات الـ130 المعروضة في المزاد موضوعات مختلفة بينها ما تناول انفجار بيروت وأخرى تحكي عن الوحدة والحب والطبيعة. غالبية هذه اللوحات زيتية فيما تلونها أخرى من أكواريل وأكليريك. وشارك أيضاً في المزاد فنانون أمثال منى كفوري وأندريه كالفايان وهوني أبو الحسن ومنى قنديل ومريم غبريل وغيرهم. ويعلق سعد شيبان في سياق حديثه: «إنهم فنانون تشكيليون قدموا مهاراتهم في خدمة المجتمع البيروتي المصاب. بعضهم يندرج على لائحة طلابنا في مراكزنا الثقافية الـ24 الموزعة في مختلف المناطق اللبنانية. فمن أجل تحريك العجلة الثقافية في لبنان، وتطوير مهارات مواهب كثيرة، افتتحنا هذه المراكز. وهي تفتح أبوابها مجاناً أمام كل من يرغب في صقل موهبة الرسم عنده في مناطق بكفيا ورأس المتن وعاليه والهرمل وأدما وغيرها من ضواحي بيروت».
ويشير شيبان إلى أن الدار بدأت بموازاة المزاد التحضير لمجموعة لوحات مرسومة ستُقدم لأهالي الضحايا. «إنها لوحات تصور ضحايا انفجار حفظنا أسماءهم من خلال الشاشة الصغيرة ووسائل التواصل الاجتماعي. فكما الطفلة ألكسندرا نجار كذلك سحر فارس من فوج الإطفاء وزملاؤها جو بو صعب والرقيب أول شربل كرم وغيرهم، ننوي تقديم هذه اللوحات لذويهم كي تكون بمثابة عزاء لهم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».