أحد أكثر 10 مهن مسببة للتوتر هي العمل في المجال الإعلامي، ويزيد ذلك إن كان العمل في المجال الإعلامي مثل المراسل الحربي الذي ينقل فظائع الحروب عبر قلم أو كاميرا، ويحمي نفسه بخوذة وسترة وقائية، في ساحة تمتلئ بالأسلحة النارية، وتعج بالمدرعات والسيارات المصفحة، حيث ينقل الحدث على إيقاع الانفجارات.
الأسبوع الماضي، كانت كاميرات وسائل الإعلام تنقل بالبث المباشر وصول الحكومة اليمنية في مطار عدن. وخلال فتح باب الطائرة، ونزول بعضهم، تعرض المطار إلى 3 استهدافات قبل نزول قيادات الحكومة كافة من الطائرة، الأمر الذي أدى إلى تدافع العشرات، وهروبهم من موقع الحادثة، ووفاة عشرات الأشخاص، من ضمنهم مراسل لإحدى القنوات التلفزيونية متأثراً بجروح أصيب بها في الانفجار.
في هذه اللحظات التي يقع فيها صاروخ بجوارك، الفعل الأول الذي يجب اتخاذه هو الهروب من موقع الحادثة، لكن في الصحافة يكون هذا هو الحدث الأهم الذي يستوجب نقل تفاصيله، وعدم إخفائها، حيث إن هذه طبيعة العمل الصحافي، وذلك ما فعله مراسل لإحدى القنوات التلفزيونية، أثار إعجاب كثيرين بعدم توقفه عن التعليق ونقل الأحداث حتى لحظة وقوع الانفجار، بل كان يحث المصور على التصوير وعدم التوقف.
لحظة وقوع الانفجار، ظهر الخوف لدى زميلة مراسل قناة «الحدث»، المذيعة التي كانت ترافقه من استديو القناة، حيث قلقت من إصابة أو تأذي زميلها المراسل الميداني ردفان الدبيسي، وفريق التصوير الذين يوجدون في قلب الحدث، لكن لم يكن هذا الشعور لدى الدبيسي الذي تمرس على ساحات المعارك لسنوات، وظهرت كفاءته في الإعلام الحربي.
«الشرق الأوسط» تواصلت مع مراسل قناتي العربية والحدث، ردفان الدبيسي، وسألت عن تجربته، حيث قال: «بطبيعة الحال، العمل الصحافي في مناطق الحروب والنزاعات محفوف بكثير من المخاطر»، مشيراً إلى أنها تبدأ بمخاطر التعرض للإصابة أو القتل في أثناء الاشتباكات والحروب، إضافة إلى مخاطر الاغتيالات وتهديدات التنظيمات الإرهابية.
وشرح الدبيسي حالته بشكل مختصر، قائلاً: «إنني أودع أطفالي كل يوم قبل خروجي من المنزل، وأنا على قناعة بأنني لن أراهم ثانية»، وأضاف: «بل إنني أخشى على أولادي وأقاربي من الاستهداف أو الاغتيالات»، واصفاً ذلك بأنه «أمر في غاية الصعوبة والمعاناة».
وأكد مراسل «الحدث» أنه في آخر المطاف مقتنع بأنه يعمل من أجل «قضية عادلة»، مشيراً إلى أنهم يواجهون كثيراً من التحديات؛ أولها مخاطر الاستهداف المباشر أو في أثناء تغطية الأحداث، خصوصاً في الجبهات، إضافة إلى المعاناة من كثير من الأمور اللوجيستية، خصوصاً في اليمن، متطرقاً إلى عدم وجود أي حماية للصحافيين، مشيراً إلى أنه حصل على عدة دورات قبل سنوات طويلة، أي قبل النزاع الحالي في اليمن، لكنه لم يحالفه الحظ في الانضمام لدورات خاصة بالنجاة في أثناء تغطية الحروب والنزاعات.
وحول الصعوبات النفسية التي يواجهها، قال الدبيسي: «المعاناة في الجوانب النفسية موجودة مصاحبة لعملنا، والقلق والأحزان ترافقنا دوماً. وفي كثير من الأحيان، نفقد زملاء وأحبة جراء الحرب أو الاغتيالات».
وهذا الحدث يعيدنا إلى أهمية هذه المهنة التي يقل ممارسيها الأكفاء، حيث تتطلب تدريبات مكثفة مسبقاً لتأهيل العاملين في هذا الحقل، وتدريبهم على معرفة كيفية الحفاظ على سلامتهم، ورفع مستوى إدراكهم للمخاطر، والتعامل معها، إضافة إلى التأهيل النفسي، كونها قد تنعكس بأضرار نفسية على المراسل من الأحداث التي ستواجهه في ساحات النزاع، والتأهيل البدني لضمان وجود اللياقة البدنية.
احترام المهنة واجب!
وعن ذلك، يقول الدكتور حسن منصور، أستاذ الصحافة في جامعة الملك سعود، إن العمل الصحافي في ساحات النزاع محفوف بالمخاطر، سواء في اليمن أو غيرها من مناطق الصراع، قائلاً إن هناك تجارب سابقة تُدرس في مناهج الصحافة والإعلام عن ماهية المتطلبات التي يحتاج إليها المراسل الحربي.
وأضاف منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك كثيراً من المتطلبات للعمل في ساحات النزاع، منها أن يكون محترفاً في مهارات العمل الصحافي، ومتطلبات على المستوى الشخصي والمستوى المجتمعي، تتعلق بالثقافة المجتمعية واحترم هذه المهنة، وعلى المستوى المؤسسي والبيئة المحيطة، مبيناً أنها تعني قدر الأمان والتأمين والدعم الذي توفره المؤسسة التي ينتمي إليها المراسل الحربي، مؤكداً أهمية وجود ثقافة تحترم هذه المهنة والتضحية، حيث إن المراسل الحربي يضحي بوقته وسلامته وأمنه أكثر من غيره.
وأكد الدكتور منصور أهمية العناية بالجوانب النفسية والاقتصادية التي تعطي محفزات ومؤهلات تصنع مراسلاً صحافياً متمكناً، مشيراً إلى أن كثيراً من المؤسسات الصحافية تُقدم حقائب وحزم تدريبية تُرشد الصحافيين لكيفية العمل الصحافي في ساحات النزاع، مشيراً إلى أنه تخصص منفرد، فيه جوانب احترافية، وهو يحتاج إلى مواصفات خاصة.
وحول واقع العمل الصحافي في ساحات النزاع، قال منصور إن الواقع يختلف من منطقة إلى أخرى، حسب خطورتها، حيث إن هناك ساحات نزاع سياسية أو ساحات تمتلئ بالعصابات، مثل عصابات المخدرات أو الجماعات الإرهابية، قائلاً إن الصحافيين يرون أن من واجبهم الاقتراب من هذه الساحات لنقل ما يجري بها للعالم، سواء في جانبها الإيجابي الخاص بتضحيات الجنود والمدافعين عن الإنسان والدولة، أو الجانب السلبي الذي يتعلق بالانتهاكات التي تطال المدنيين، رغم أنهم ليسوا من أطراف النزاع. ثم أكد وجود كثير من التجارب «المتميزة» حول العالم لمراسلين حربيين أظهروا كفاءتهم، مشيراً إلى تفجيرات «مطار عدن»، وتجربة مراسل قناة «الحدث» ردفان الدبيسي، وغيره من الصحافيين.
هذا، وتعمل كثير من الوكالات والوسائل الإعلامية الدولية على تحضير مراسليها وتأهيلهم بدورات تدريبية في كيفية التعامل مع مختلف الحالات التي قد يواجهونها في العمل الميداني في ساحات النزاع، مثل الاختطاف أو استهداف المنطقة بالصواريخ أو نحو ذلك، حيث يكون المدرب ذا خلفية عسكرية جيدة. وبجانب هذه التدريبات والتأهيل، فإن أخذ الصحافي أو المراسل لاحتياطاته يعد في غاية الأهمية للتقليل من تعرضه للمخاطر، ومن ذلك وجود معدات الوقاية (الخوذة والسترة الوقائية)، والتأكد من وجود كلمة صحافة (Press) على الملابس والخوذة ووسائل النقل، إضافة إلى بطاقة التعريف بصفته صحافياً.
والعمل مراسلاً حربياً يتطلب المعرفة الجيدة بالقوانين والمواثيق الدولية، وطبيعة الصراع في المناطق الساخنة، والقدرة على تحمل المشاهد الدموية غير الإنسانية التي تكثر في هذه المناطق، حيث إن هذا العمل الإعلامي لا يفترض أو يُسند للمبتدئين أو الهواة.
وجميع هذه التحديات التي يواجهها المراسل الحربي تصقل إمكانياته، ولا شك أنها تحدث تغييرات نوعية في حياته، حيث إن كثيراً من الأسماء التي اعتلت العمل الصحافي جاءت من ساحات المعارك. ليس ذلك وحسب، بل الأدباء أيضاً، مثل الكاتب الأميركي الشهير إرنست همنغواي الذي بدأ مسيرته المهنية بتغطية صحافية من ساحات نزاع في النصف الأول من القرن العشرين.