رحيل محمد بوزوبع أحد أعمدة فن «الملحون» بالمغرب

تحسب له إسهاماته في إشعاعه من خلال أعمال مجددة

الفنان الراحل محمد بوزوبع
الفنان الراحل محمد بوزوبع
TT

رحيل محمد بوزوبع أحد أعمدة فن «الملحون» بالمغرب

الفنان الراحل محمد بوزوبع
الفنان الراحل محمد بوزوبع

توفي أول من أمس في مدينة فاس المغربية، الفنان محمد بوزوبع، أحد أعمدة فن «الملحون» بالمغرب، عن عمر يناهز 76 سنة، بعد معاناة طويلة مع المرض.
ويصنف الفنان الراحل أحد أبرز رجالات المشهد الفني المغربي في شقه التراثي المتعلق بفن «الملحون» ومدح الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) والتراث الصوفي، إلى جانب شيوخ كبار ساهموا، بأعمالهم الفنية، في صيانة هذا الفن الأصيل الذي يمتح من التراث الفني المغربي الغني والمتنوع.
وتحسب للراحل عطاءاته وإسهاماته في إشعاع فن «الملحون» من خلال أعمال فنية جدد من خلالها مرتكزات هذا الفن، كما حافظ على أصوله المتمثلة في «الموروث الملحوني» الذي خلفه الشيوخ الكبار.
وساهم الفنان الراحل، حسب المتتبعين للمشهد الفني المغربي، في «إثراء هذا اللون الفني الأصيل وضمان استمراريته في ساحة هبت عليها رياح التغيير والتغريب من كل جانب». كما عمل الراحل على تجديد فن «الملحون»، الذي شكل عبر قرون رافدا أساسيا ومهما ضمن الموروث الفني والموسيقي المغربي، فقدمه للجمهور في توليفة فنية متجددة قربته إلى عشاق الفن بالمغرب قديمه وجديده.
ويعرف «الملحون»، حسب «الموسوعة الحرة»، بـ«القصيدة الملحنة»، وأنه «موسيقى شعبية مغربية تستعير وسائطها من الموسيقى الأندلسية»؛ حيث «يعتبر (الملحون) فنا شعريا وإنشاديا وغنائيا متميزا، نشأ في منطقتي سجلماسة وتافيلالت، ونما في مراكش وفاس ومكناس وسلا»، وهو «تراث مكتنز يختزل مقومات الثقافة المغربية العربية الأمازيغية الأندلسية ومظاهر حياتها الأصيلة.. يتخذ من اللهجة العامية أداته، ومن مضامين اللغة الفصحى بشعرها ونثرها مادته التي تتلون مواضيعها بألوان التوسلات الإلهية، والمدائح النبوية، والربيعيات، والعشق، والهجاء، والرثاء». وبالرجوع إلى ابن خلدون، يظهر أن بواكير «فن الملحون» ظهرت في العهد الموحدي (1121 – 1269).
وينحدر الراحل من أسرة محافظة، حيث تتلمذ على يد والده امحمد بوزوبع، الذي كان من الشيوخ الكبار في فن «الملحون»، وكذا على يد عمه سيدي الهادي، وغيرهما من الشيوخ الكبار، قبل أن يبرع في أداء قصائد من عيون هذا الفن الأصيل؛ الشيء الذي مكن الراحل من أن يتشرب الفنون التراثية، من «ملحون» وطرب الآلة، ويساهم من خلال رئاسته لجوق «الملحون» بإذاعة فاس الجهوية في التعريف بهذا اللون الفني وصيانته وضمان استمراريته.
ويؤكد عدد من متتبعي المشهد الفني المغربي أن الراحل استطاع أن يؤدي مجموعة من القصائد التي نظمها بطريقة متفردة وبرع فيها، لأنه كان يمتلك ناصية اللغة ويجيد التنويع في الأداء، يساعده في كل هذا صوته الصافي وتحكمه في طبقاته؛ إذ قام بأداء وتسجيل ما يربو على 120 قصيدة من فن «الملحون» نظمها له، وتنوعت مواضيعها بين العشق والمدح والمناسبات والأعياد الدينية والوطنية إلى جانب قصائد في مدح الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، كما استطاع، بطريقة إلقائه المجددة، أن يحبب الشباب في فن «الملحون»، كما دعمهم وشجعهم على الاهتمام به؛ كما كان دائم البحث عن الجديد، ويسعى إلى تطوير هذا الفن، سواء من حيث الأوزان أو الأداء، وهو ما عكسته الحفلات والتظاهرات التي شارك فيها سواء داخل المغرب أو خارجه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».