«عام كورونا» في الثقافة الغربية... شؤم معولم

فريق العمل على قاموس «كولينز» اختار كلمة «الإغلاق - Lockdown» علامة لـ2020

TT

«عام كورونا» في الثقافة الغربية... شؤم معولم

درجت المعاجم الكبرى في الإنجليزية على اختيار كلمة كل عام تكون رمزاً للمصطلح أو الفكرة الأكثر تداولاً خلال فترة الاثني عشر شهراً المنصرمة، وتعبيراً بأحرف قليلة عن روح المرحلة وثقافتها وانشغالاتها. وهكذا كانت سنة «بريكست» وسنة الأخبار الكاذبة وسنة المناخ. وعن عامنا هذا، اختار فريق العمل على قاموس «كولينز» كلمة «الإغلاق - Lockdown» علامة على عام 2020، فيما أعلن فريق معجم «أكسفورد» عجزه لأول مرة عن اختيار كلمة، لكثرة ما جلب هذا العام من لطائف اللغة، ولذا قرر استثنائياً إعلان مجموعة من الكلمات معاً: فيروس كورونا، والتباعد الاجتماعي، والجائحة، والكمامة، والحجر الصحي، والعزل، والقطيع، والعاملون الأساسيون، وغيرها. واقترحت مجلة هندية على المعجم رقماً لتلك الغاية: 2020، لكثرة ما حمله هذا العام من الكوارث والأخبار والإغلاقات، فيكون كناية عن كل عام يفيض بشؤم معولم.
وفي الحقيقة، فإن 2020 كان له نصيبه، كما كل أعوام البشر، من الحروب والمآسي والكوارث الطبيعية والصراعات السياسية الكبرى، لكن تجربة تفشى وباء كورونا عبر المسكونة أثبتت أنها -وما تزال- الأوسع تأثيراً، بما لا يقاس على مختلف جوانب الحياة الإنسانية عامة. وقد تسببت على الصعيد الثقافي تحديداً في تغيير سلوك ملايين البشر وطرائق تفكيرهم، وفرضت عليهم إيقاعات مستحدثة لناحية إنتاج واستهلاك المادة الثقافية، ودفعت إلى الأمام بعض الأفكار -التيارات- قنوات التواصل بين المنتجين والمستهلكين على حساب أخرى.
ومع أن ترتيبات الحجر الصحي والعزل تسببت في إلغاء عدد غير مسبوق من الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية، فإن حاجة الناس إلى المنتج الثقافي عموماً لم تفتر، بل أصبحت في بعض الأحيان ملتجأً للبشر من كآبة المنظر ووعثاء الزمن. فانتقلت كثير من الأنشطة والمعارض والمحاضرات والأمسيات الشعرية، وحتى احتفالات منح الجوائز الأدبية، إلى تطبيقات الاجتماع عبر الإنترنت، وهو إن أفقد الأحداث بعضاً من وهج الحضور الشخصي، فإن توسع قاعدة المشاهدة حول كثيراً من الأحداث المحلية إلى مظاهرة مُعولمة بامتياز.
من إيطاليا، حيث فتكت بؤرة مبكرة من الفيروس بالآلاف، كانت متاجر الكتب واحدة من أوائل الأماكن العامة التي سمحت السلطات بفتحها بعد تخفيف إجراءات العزل جزئياً، وسجل اقتناء مواد القراءة إقبالاً استثنائياً هذا العام الذي شهد أيضاً احتفاء البلاد بمرور 700 سنة على نشر «الكوميديا الإلهية» للشاعر الفلورنسي دانتي أليغيري، النص الذي كان فاصلاً في الانتقال بين اللاتينية القديمة واللغة الإيطالية الحديثة، ومثل دون شك واحداً من النصوص المؤسسة لمرحلة النهضة اللاحقة في أوروبا، وأحد عيون الأدب العالمي.
فرنسا التي خططت لاستعادة نجمها الروائي المفكر ألبير كامو (1913-1960) لمرور ستين سنة على غيابه، تضاءلت فيها الذكرى، وما أعد لها من الأنشطة الثقافية والفنية، أمام الاستعادة غير المسبوقة لروايته الأهم «الطاعون - 1947» فور تفشي وباء «كوفيد-19»، وإجراءات الإغلاق الاستثنائي التي فرضتها الحكومة في محاولة لاحتوائه، إذ تهافت كثيرون للحصول على نسخة الرواية، كما لو كانت مصل الوقاية أو مهدئ الأعصاب من عواقب العزلة، فيما وصفتها صحف باريس بأنها «إنجيل لأزمنة الشقاء التي نعيش»، وكاتبها بـ«العراف» الذي رأى كورونا قبلنا، ورسم لنا صورة العالم لحظتها. ولم تقتصر الظاهرة على الفرنسيين وحدهم، إذ تضاعفت مبيعات «الطاعون» ببريطانيا بأكثر من ألف في المائة، مقارنة بالسنة الماضية، وقال باعة الكتب باليابان إن الطلب عليها خلال شهر واحد فاق مبيعاتها المتراكمة لأكثر من 30 عاماً ماضية، بينما تكرر انقطاع المعروض منها على متاجر الكتب الإلكترونية، مثل «أمازون».
بريطانياً، نشرت جيه كيه رولينغ، مؤلفة «هاري بوتر»، الرواية الأطول الأكثر مبيعاً في التاريخ، روايتها الجديدة «الإيكابوغ - The Ickabog» مسلسلة على الإنترنت مجاناً في 34 حلقة كي تسلي الأطفال من سن (7-9) في أثناء فترات العزل. و«الإيكابوغ» اسم وحش أسطوري كان يُعتقد في العصور القديمة أنه وراء اختفاء الأطفال والحيوانات لدى عبورهم منطقة مظلمة في الطريق بين الشمال والجنوب. ورغم تورط رولينغ بعدة جدالات ثقافية عامة تسببت بتعرضها لانتقادات، فإنها ما تزال تتربع على عرش أثرى أدباء العالم، وقد بيعت نسخة أولى من أول طبعة لـ«هاري بوتر وحجر الفلاسفة» -باكورة أعمالها- في مزاد علني أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بـ60 ألف جنيه إسترليني، فيما لم تحقق نسخة من الـ«برنسيبا» لإسحق نيوتن تعود لعام 1729 أكثر من 24 ألف جنيه. على أن هذي الأرقام بدت بمثابة فكة صغيرة بعدما بيعت نسخة الطبعة الأولى لـ«فوليو» الشاعر المسرحي ويليام شكسبير بنيويورك مقابل نحو 10 ملايين دولار أميركي. لكن عام 2020 لم ينقضِ على البريطانيين قبل أن يفقدوا كبير روائييهم جون لو كاريه عن 89 عاماً، وهو الذي يعد أهم كتاب أدب الجاسوسية خلال السبعين عاماً الأخيرة، وعراب أدب مرحلة الحرب الباردة، تاركاً وراءه 24 رواية مهمة، وعشرات الأعمال السينمائية والدرامية المستلهمة منها، كما مذكرات شخصية نشرها قبل وفاته بسنوات قليلة، ومكانة في قلوب البريطانيين لا يسهل ملؤها. ولم تكتمل الأحزان بعدها، إذ ألغيت الاحتفالات بأعياد الميلاد لأول مرة في تاريخ بريطانيا المعاصر بسبب موجة جديدة من فيروس كورونا، فيما أعلنت حكومة لندن بعد توقيعها اتفاق اللحظة الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي حول «بريكست» إلغاء مشاركتها في برنامج «إيراسموس» لتبادل الطلاب بين الأقطار الأوروبية، الأمر الذي يعد ضربة لجهد علمي مشترك ازدهر خلال العقود الماضية، ومنح فرصاً عبر القارة للتعلم واكتساب المهارات لملايين الأوروبيين، بمن فيهم نحو 17 ألف طالب بريطاني في العام الحالي وحده.
وفي السويد التي حاولت تبني سياسة متساهلة تجاه كورونا كلفتها غالياً، تمكنت الأكاديمية السويدية من تجاوز محنتها الذاتية بسبب اتهامات بتجاوزات جنسية، وعادت رغم الوباء لمنح جوائز نوبل بانتظام، كما عهدها سنوياً منذ 1901. وقد حازت نوبل للآداب الشاعرة الأميركية لويز غليك (77 عاماً) لـ«صوتها الشعري المميز الذي من بساطة مكوناته الجمالية ينقل تجربة الوجود الفردية إلى العالم»، وفق بيان الأكاديمية.
وعلى الجهة الأخرى من الأطلسي، كانت الولايات المتحدة الغارقة لأذينها بوباء «كوفيد-19» قد فقدت مبكراً هذا العام الكاتبة إليزابيث أورتزل، عن عمر 52 عاماً، التي اشتهرت بمذكراتها «أمة البروزاك» التي فتحت باب النقاش المجتمعي في الولايات المتحدة حول ظاهرة الاكتئاب المعاصر، وتركت أثراً لا يُمحى على أدب الاعتراف نسوياً. كما توفي الناقد الفرنسي - الأميركي جورج ستاينر، عن 90 عاماً، بعدما قدم عبر سلسلة من الكتب ومئات المقالات جسراً بين الثقافات الأوروبية (لا سيما أعمال المثقفين اليهود) والأميركية عبَرَهُ كثيرون في الاتجاهين، وكانت له نظرات عميقة في اللغة والفكر شكلت ذائقة كثير من المثقفين الأميركيين المعاصرين. لكن هذا البلد الهائل أيضاً لم يعدم علامات انتصار للكتاب، رغم كل الأزمات الصحية والاقتصادية والسياسية المتلاحقة، إذ أعلن عملاق النشر «بنغوين راندوم هاوس» عن شراء غريمه «سيمون آند تشيستر»، في صفقة تجاوزت قيمتها ملياري دولار أميركي، فيما حققت مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما عن فترة ولايته الأولى مبيعات مليونية خلال أيام قليلة من طرحها في الأسواق، وتفوقت على كل الأعمال الأدبية، لا سيما أنها صدرت في خضم الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومناخها شديد الاستقطاب. على أن أفضل الأنباء ربما كانت صدور رواية أخرى للأميركي الشهير دون ديليلو (84 عاماً) باسم «الصمت»، وإن كان فيها -وهو الناقد الأدبي الأبرز لنموذج الحياة الأميركية المعاصرة- ينحت لحظة صعبة للبشرية عندما تتوقف كل الشاشات نهائياً عن العمل، ليعلو صوت الصمت إيذاناً منه بالعودة لذواتنا التي صارت تتنفس فضاءات سيبيرية.
ألم يكن بمقدورك أن تكون أكثر تفاؤلاً يا ديليلو ونحن نحاول لاهثين مع انقضاء الأيام الأخيرة من 2020 البائس قلب صفحة الوباء المعولم إلى الأبد؟!


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
TT

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

يهتزّ منزل بيونسيه على وقع الفضيحة التي تلاحق زوجها جاي زي. هو متهمٌ من قِبَل سيّدة باعتداءٍ مشتركٍ عليها، تورّطَ فيه وزميله شون ديدي عام 2000.

لكن رغم الرياح التي تعصف بالبيت الزوجيّ، وهي ليست الأولى في العلاقة المستمرة منذ 27 عاماً، فإنّ الفنانة الأميركية حرصت على الظهور مبتسمةً إلى جانب زوجها قبل أيام، وذلك في العرض الأول لفيلم «Mufasa - Lion King». جاءت الابتسامة العريضة على شرف ابنتهما بلو آيفي، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى.

بيونسيه تتوسّط زوجها جاي زي وابنتها بلو آيفي في العرض الأول لفيلم «موفاسا» (إ.ب.أ)

النجمة رقم 35 على قائمة «فوربس»

واجهت بيونسيه تحدياتٍ كثيرة في كلٍ من حياتها الخاصة ومسيرتها المهنية، وقد لعب ذلك دوراً في تكوين شخصيةٍ صلبة لديها. لم يأتِ اختيارُها من بين أقوى 100 امرأة لعام 2024 عبَثاً من قِبَل مجلّة «فوربس»، وهي ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المغنية البالغة 43 عاماً، قوائمَ تتصدّرها رئيسات جمهورية ورائدات أعمال.

احتلّت بيونسيه المرتبة الـ35 في قائمة «فوربس» السنوية، التي تصدّرتها رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تليها كلٌ من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ورئيسة إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيسة المكسيك كلوديا شينباوم. أما من بين زميلاتها المغنّيات فقد سبقتها تايلور سويفت إلى المرتبة 23، فيما حلّت ريهانا في المرتبة الـ76.

800 مليون دولار و32 «غرامي»

تختار فوربس نجمات قائمتها بناءً على 4 معايير، هي الثروة، والحضور الإعلامي، والتأثير الاجتماعي، ومجالات السلطة. وتبدو بيونسيه مطابقة للمواصفات كلّها، بما أنّ ثروتها تخطّت الـ800 مليون دولار، وهي في طليعة الفنانات ذات الأثر السياسي والثقافي والاجتماعي.

إلى جانب كونها إحدى أكثر المشاهير ثراءً، تُوّجت بيونسيه بأكبر عدد من جوائز «غرامي» محطّمةً الرقم القياسي بحصولها على 32 منها خلال مسيرتها. وهي لم تكتفِ بلقب فنانة، بل إنها رائدة أعمال أطلقت شركاتها وعلاماتها التجارية الخاصة على مرّ السنوات. تذكر «فوربس» أن مصدر ثروتها الأساسي هو الموسيقى، إلى جانب مبادراتها الفرديّة، وتلفت إلى أنّ بيونسيه صنعت نفسها بنفسها، مع العلم بأنها لم تتابع أي اختصاص جامعيّ، بل تركت المدرسة قبل التخرّج فيها.

حطّمت بيونسيه الرقم القياسي بحصولها على 32 جائزة «غرامي» حتى عام 2023 (أ.ب)

طفلة القدَر

جاء العِلمُ في حياة بيونسيه على هيئة والدةٍ بدأت مصفّفةَ شَعر ثم فتحت صالونها الخاص، وعلى هيئة والدٍ كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات، قبل أن يصبح مدير أعمال ابنته. منهما تلمّست المنطق التجاري.

أما فنياً، فقد لمع نجمُها للمرة الأولى في مسابقةٍ مدرسيّة، عندما غنّت وهي في السابعة لتتفوّق على مَن هم في الـ15 والـ16 من العمر. فما كان من والدها سوى أن يترك وظيفته ويتفرّغ لإدارة أعمالها والفريق الغنائي الذي انضمّت إليه في الثامنة من عمرها، والمكوَّن من فتياتٍ صغيرات. تحوّل الفريق ذاتُه عام 1996 إلى «Destiny’s Child» (طفل القدَر)، لتنطلق معه رحلة بيونسيه نحو العالميّة.

فريق Destiny’s Child الذي انطلقت منه بيونسيه عام 1996 (فيسبوك)

صنعت الليموناضة

بعد انفصال الفريق، لم تتأخر بيونسيه في استئناف رحلتها الفنية منفردةً، فخاضت التمثيل والغناء. إلا أن تلك الرحلة لم تكن اعتياديّة، إذ سرعان ما ارتفعت أسهُمُها وبدأت تُراكِم الإصدارات، والحفلات، والجولات العالمية، والأدوار السينمائية، والجوائز، والألقاب.

لم يحصل ذلك بالصُدفة، بل بكثيرٍ من المثابرة. عندما طُلب منها مرةً أن تفسّر نجاحها غير المسبوق، أجابت بيونسيه: «صحيحٌ أنني مُنحت الليمون، لكنّي صنعت الليموناضة». يُنقل عمّن يواكبون تحضيراتها من كثب، أنها تُشرف على كل تفصيلٍ متعلّقٍ بألبوماتها وحفلاتها، هذا إلى جانب انخراطها المباشر في عمليّة التأليف والتصميم. تشهد على ذلك جولتها العالمية الأخيرة Renaissance والتي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية.

هذا فنياً، أما نفسياً فلم يكن صعود بيونسيه الصاروخيّ مهمة سهلة. كان عليها مصارعة خجلها وشخصيتها الانطوائيّة لسنوات عدة، لكنها استلهمت تجارب نجماتٍ سبقنها. تقول إنها تأثرت بمادونا، ليس كأيقونة موسيقية فحسب، بل كسيّدة أعمال كذلك؛ «أردت أن أسير على خطاها وأن أبني إمبراطوريتي الخاصة».

تذكر بيونسيه مادونا من بين السيّدات اللواتي ألهمنها (فيسبوك)

صوت المرأة

لا تخترق بيونسيه عبثاً قوائم تضمّ أفضل رئيسات مجالس الإدارة، ومديرات الشركات الناجحة، فهي أثبتت أنها سيدة أعمال متفوّقة. أسست شركة الإنتاج الخاصة بها عام 2010 تحت اسم Parkwood Entertainment، وهي تقدّم مروحة واسعة من الخدمات في قطاع الترفيه؛ من إنتاج الأفلام، والموسيقى، والبرامج التلفزيونية، وصولاً إلى إدارة أعمال الفنانين، والتسويق، والتصميم الإلكتروني.

وفي عام 2024، أطلقت مستحضر Cecred للعناية بالشَعر، في تحيّةٍ إلى والدتها الحلّاقة، وفي استكمالٍ لمشاريعها التجاريّة.

بيونسيه ووالدتها تينا نولز (رويترز)

وظّفت بيونسيه نفوذها الفني والمالي في خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية تؤمن بها. منذ أولى سنوات انطلاقتها الموسيقية، ناصرت قضايا النساء من خلال كلمات أغاني Destiny’s Child وأغانيها الخاصة لاحقاً. عام 2011، تحوّلت أغنية «Who Run The World? Girls» (مَن يحكم العالم؟ الفتيات) إلى نشيدٍ تردّده النساء حول العالم.

إلّا أنّ الأمر لم يقتصر على الكلام والألحان، بل امتدّ إلى الأفعال. عبر مؤسستها الخيريّة Bey GOOD، تدعم بيونسيه تعليم الفتيات من خلال تأمين الأقساط المدرسية لهنّ. وعبر تلك المؤسسة وحضورها على المنابر العالمية، تحمل بيونسيه لواء المساواة بين الجنسَين.

تحمل بيونسيه قضية تمكين المرأة من خلال أغانيها وأنشطتها الاجتماعية (فيسبوك)

تهمةٌ تهزّ عرش «الملكة بي»؟

تُعَدّ بيونسيه اليوم من أجمل سيّدات العالم، إلّا أنّ ثقتها بنفسها لم تكن دائماً في أفضل حال. في الـ19 من عمرها كانت تعاني من الوزن الزائد وتتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. أثّر الأمر سلباً عليها إلى أن استفاقت يوماً وقررت ألّا تشعر بالأسف على نفسها: «كتبتُ Bootylicious وكانت تلك البداية لتحويل كل ما منحتني إياه الحياة، إلى وسيلةٍ أمكّن من خلالها نساءً أخريات».

انسحبَ أثر بيونسيه الاجتماعي على السياسة، فهي تشكّل صوتاً وازناً في المشهد الرئاسي الأميركي. ساندت باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، كما تجنّدت إلى جانب كامالا هاريس في معركتها الرئاسية الأخيرة، مقدّمةً لها إحدى أغانيها كنشيدٍ رسمي للحملة.

بيونسيه في أحد تجمّعات كامالا هاريس الرئاسية (رويترز)

تشكّل مسيرة بيونسيه الفنية والمهنية بشكلٍ عام موضوع دراسة في عددٍ من الجامعات الأميركية. لكنّ الأمجاد لا تلغي التحديات، فهي تقف اليوم إلى جانب زوجٍ متهمٍ باعتداءٍ على امرأة. وإذا صحّت التهمة، فإنّها تقف بالتالي إلى جانب ما يناقض القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها الحافلة.