قبل ثمانية عشر عاماً، وبعد وقت قصير من فقدان ميك مكارثي لوظيفته مديراً فنياً لمنتخب جمهورية آيرلندا لأول مرة، اطلعت وبعض الأصدقاء على بعض المعلومات الداخلية المتعلقة بالهوية المحتملة للمدير الفني الذي سيخلفه في منصبه. لقد مضى وقت طويل جداً، بحيث لم يعد يمكنني أن أتذكر كيف أو أين علمنا أن الاتحاد الآيرلندي لكرة القدم يفكر في تعيين المدير الفني الفرنسي فيليب تروسييه خلفاً لمكارثي.
وكان تروسييه قد قضى 20 عاماً في عالم التدريب، في البداية داخل فرنسا قبل أن يتولى تدريب كل من كوت ديفوار وجنوب أفريقيا والمغرب ونيجيريا وبوركينا فاسو، لكننا الآن نؤكد أنه كان على وشك تولي القيادة الفنية لمنتخب آيرلندا. وبدأت الرهانات بشأن المدير الفني القادم للمنتخب الآيرلندي، وراهنت أنا وأصدقائي على تولي تروسييه المنصب.
وعندما تم تداول أنباء اهتمام الاتحاد الآيرلندي لكرة القدم بالتعاقد مع تروسييه، زادت احتمالات توليه المنصب بشكل كبير، وأصبح المرشح الأوفر حظاً. وانتظرنا النتيجة بفارغ الصبر حتى تم الإعلان أخيراً، في أواخر يناير (كانون الثاني) 2003، عن تعيين بريان كير مديراً فنياً لمنتخب آيرلندا!
ونظراً لأن كير كان قد سبق أن حقق نجاحات استثنائية مع منتخبات آيرلندا في الفئات العمرية الأصغر، فقد لاقى تعيينه تأييداً كبيراً من الغالبية العظمى من جمهور كرة القدم في آيرلندا. أما أنا وأصدقائي فقد شعرنا بخيبة أمل كبيرة لأن من تولى المنصب ليس الرجل الذي توقعناه. وواصل المدير الفني الفرنسي العمل في مجال التدريب في أماكن أخرى، ويعمل الآن في فيتنام، بعد أن عمل في كل من الصين وتونس واليابان والمغرب وفرنسا وقطر. ورغم أن تروسييه ليس معروفاً إلى حد كبير لمشجعي كرة القدم في أوروبا، فلا يزال اسمه محفوراً في ذهني كمثال لمخاطر التورط في سوق المراهنات الرياضية، حيث يمكن أن يكون الحصول على قليل من المعلومات من المصادر الداخلية أمراً خطيراً للغاية.
وخلال الأسبوع الماضي، أصبح المدافع الإنجليزي الدولي كيران تريبير أحدث لاعب رفيع المستوى يتعلم هذا الدرس. فقد عوقب الظهير الأيمن، الذي يعد ركيزة أساسية في فريق أتلتيكو مدريد الذي يتصدر حالياً جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز، بغرامة قدرها 70 ألف جنيه إسترليني وإيقافه عن ممارسة جميع أنشطة كرة القدم لمدة 10 أسابيع، بعد إدانته بأربع مخالفات لقواعد الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم للمراهنات والمتعلقة بانتقاله من توتنهام إلى أتلتيكو مدريد في يوليو (تموز) 2019. ورغم أنه لم يتم نشر أسباب الحكم حتى الآن، يؤكد تريبير أنه لم يراهن أو يشجع أو ينصح أي شخص آخر بالمراهنة أثناء انتقاله إلى العاصمة الإسبانية.
ورغم أنه لا يمكننا أن نتأكد مما حدث بالضبط، يبدو أنه لم تتم إدانته بأكثر من أنه قد كشف لبعض أصدقائه المقربين أنه سينتقل إلى أتلتيكو مدريد، وهو الأمر الذي دفعهم إلى وضع المراهنات في سوق الرهان ذات الصلة، بعد علمهم بأنهم سيكسبون بعض الأموال بسهولة.
وإذا كان هذا هو ما حدث بالفعل، كما يبدو مرجحاً وفقاً لمصادر قريبة من تريبير نفسه، فمن حق اللاعب أن يشعر بأنه قد تعرض للظلم الشديد بعد العقوبات التي فُرضت عليه. لقد كان من المفترض أن يعرف أصدقاؤه الأغبياء أن ما يفعلونه ستكون له عواقب وخيمة على صديقهم، وأن لوائح الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم صارمة لدرجة أنها تمنع لاعبي كرة القدم من إخبار المقربين منهم بانتقالاتهم المهمة التي ستغير حياتهم، حتى بعد توقيع العقود والظهور إلى جانب المدير الفني لأتلتيكو مدريد، دييغو سيميوني، في مؤتمر صحافي!
ويجب أن نفترض أنه قد سُمح لتريبير على الأقل بإطلاع زوجته على تفاصيل انتقاله إلى العاصمة الإسبانية، نظراً لأنه من حقه أن يستشير أم طفليه وإبقائها على اطلاع دائم على أحدث التفاصيل المتعلقة بانتقاله إلى نادٍ جديد. لكن ماذا سيحدث لو أخبرت زوجته شخصاً قريباً منها، ثم قام هذا الشخص بدوره بالحديث مع شخص آخر؟ وماذا لو قام هذه الشخص بنقل المعلومات إلى شخص آخر من مشجعي توتنهام، الذي قرر أن يراهن على رحيل اللاعب؟
وتعني العقوبة الموقعة على تريبير أنه سيغيب عن ما لا يقل عن 13 مباراة مع أتلتيكو مدريد، بل ويُمنع حتى من مشاهدة زملائه في الفريق من المدرجات أو الانضمام إليهم في التدريبات، وبالتالي سيكون لدى اللاعب الإنجليزي الدولي متسع من الوقت للتفكير في الظلم الشديد الذي وقع عليه، وسيكون من الطبيعي والمنطقي أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أنه ما كان ليجد نفسه في هذا الموقف الصعب إذا لم يكن هناك من الأساس هذه الأسواق للرهانات التي يستفيد منها القاصي والداني.
ويعتقد دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو أن إيقاف تريبير لمدة عشرة أسابيع يضر بفريقه بشكل ظالم، وطالب بمراجعة وإعادة تقييم هذه العقوبة.
وقال سيميوني: «نعتقد أن هذا ليس عدلاً ونأمل أن يتم تعديله بسبب الضرر الذي لحق بأتلتيكو... النادي ليست له علاقة بهذا الأمر على الإطلاق، لذلك نأمل أن تتم إعادة تقييم العقوبة بطريقة ما، لأن الاتحاد الإنجليزي استفاد من ذلك بينما تضرر أتلتيكو رغم أنه ليست له علاقة بالموضوع ولا يملك تغييره. لكن هذه الظروف الحالية وعلينا التعايش والتأقلم معها».
ويُعد تريبير، الذي يخوض موسمه الثاني مع أتلتيكو، أحد أفضل لاعبي الفريق هذا الموسم، وخاض كل المباريات الـ19 مباراة في الدوري الإسباني ودوري الأبطال هذا الموسم. ومن المقرر أن يحل الكرواتي شيمه فرساليكو محل تريبير في الفريق، إذ خاض 14 دقيقة فقط مع الفريق الأول هذا الموسم كبديل مؤخراً في الانتصار على كارداسار المتواضع فى كأس ملك إسبانيا. لكن بالأكيد أن في لعبة كرة القدم التي تشتهر بعلاقة غير صحية بالمراهنات، فإن انتقالات اللاعبين لأندية جديدة، وهوية المدير الفني الجديد لأي فريق، و«سباق الإقالات» الشهير، تكون بمثابة فرصة لتحقيق مكاسب من المراهنين الذين «لديهم معلومات من الداخل».
وبدلاً من تقديم شكاوى إلى الجهات المختصة عندما يكون هناك اعتقاد بأن الأمور لا تسير بشكل عادل بسبب وجود أشخاص لديهم معلومات عن الخطوات التالية لكيران تريبير أو فيليب تروسييه أو أي لاعب أو مدير فني آخر، ربما يكون من الأفضل أن تتوقف المراهنات التي يساء استخدامها أو تضر بمسيرة بعض اللاعبين أو المديرين الفنيين.
قضية تريبير تؤكد أهمية منع تعامل كرة القدم مع المراهنات مطلقاً
سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد حزين لإيقاف مدافعه الإنجليزي 10 أسابيع ويرى ضرورة مراجعة العقوبة
قضية تريبير تؤكد أهمية منع تعامل كرة القدم مع المراهنات مطلقاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة