الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً

في ضوء طموحاتها السياسية والاقتصادية

الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً
TT

الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً

الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً

تدخل آسيا، القارة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم (ذلك أن عدد سكانها 4.64 مليار شخص، ما يقرب من 60 في المائة من سكان العالم) العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين حاملةً على عاتقها تساؤلات كبرى لعام 2021 - هل ستكون آسيا قادرة على تجاوز مصاعب السنة المنتهية خلف ظهرها، وتحقيق انتعاش اقتصادي، واستعادة الحياة الطبيعية، إلى جانب مجابهة التحديات الجيوسياسية القائمة أمامها. والمعروف أنه، منذ اكتشاف فيروس جائحة «كوفيد - 19» في مدينة ووهان الصينية، تغيرت قوانين اللعبة الدولية، وازدادت التحديات الاقتصادية والاستراتيجية. وخلال عام انتخابي استثنائي في الولايات المتحدة، حاول دونالد ترمب الرئيس الأميركي المنتهي ولايته صبَّ اهتمامه على ما اعتبره «الخطر الصيني» على الولايات المتحدة ومكانتها العالمية، فخاض معها غير مواجهة من تسمية «كوفيد - 19» في تصريحات وحملته الانتخابية «الفيروس الصيني»، إلى معركته مع شركة «هواوي للاتصالات والإلكترونيات»، وأخيراً اتهام الصين بالقرصنة والانتهاكات الإلكترونية لمواقع رسمية أميركية حساسة.
من دون إنكار النزاع الحدودي المزمن بين الهند والصين، وأزمة الصين مع عدد من «جاراتها» الآسيويات بسبب الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وبطبيعة الحال، الصعود الصيني السريع كعملاق اقتصادي وسياسي وعسكري، جاء فيروس «كوفيد - 19» لتوسيع دائرة المخاوف من طموح بكين، في مختلف أرجاء العالم، دفعت بالفعل عواصم آسيوية إلى تسريع جهود إعادة بناء تحالفات جيوسياسية وتطوير سلاسل إمداد جديدة.
- الصين... واقعاً ومستقبلاً
ترتبط اليوم بعض أكثر بؤر التوتر في آسيا إلحاحاً بالصين بشكل مباشر ومطالباتها الإقليمية والبحرية التي تطرح تحديات كبيرة خلال عام 2021. والمتوقع أن تشهد القارة مزيداً من التوتر بين الصين و«جيرانها» في الشرق الأقصى وجنوب آسيا، وربما ينطوي ذلك على صراع مسلح محدود.
ولقد بدأت علامات ذلك بالفعل في الظهور عندما أثار الرئيس دونالد ترمب ضجة سياسية كبيرة في آسيا بتوقيعه على مشروعي قانونين بشأن التيبت وتايوان وهونغ كونغ قبل مغادرة منصبه. وكان ترمب قد وقّع على «قانون السياسة والدعم للتيبت» و«قانون ضمانات تايوان» اللذين يستهدفان الصين. ويأتي إقرار المشروعين في الوقت الذي يتأهب فيه ترمب لمغادرة منصبه في يناير (كانون الثاني) الحالي، مع وجود خلاف بين البلدين على جميع الجبهات تقريباً.
وفي الواقع، تجنّب مشروعا القانونين دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي، ويهدف أحدهما إلى تعميق العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، بينما يهدف الآخر إلى تعزيز دعم الولايات المتحدة لمساعي شعب التيبت للحصول على حقه بحكم نفسه. ويتيح قانون التيبت للولايات المتحدة فرض عقوبات وقيود على التأشيرات الخاصة بالمسؤولين الصينيين، إذا حاولوا التدخل في اختيار الدالاي لاما التالي، الزعيم الروحي للبوذيين من أبناء التيبت. كذلك يدعو القانون الصين إلى السماح للولايات المتحدة بإنشاء قنصلية في لاسا، عاصمة إقليم التيبت ذاتي الحكم في الصين، قبل أن تتمكن من فتح أي قنصليات أخرى في الولايات المتحدة. أما التشريع المتعلق بتايوان فيدعو واشنطن إلى تشجيع الدولة (الجزيرة الموالية للغرب) على زيادة الإنفاق العسكري لدرء الهجمات المحتملة من الصين. والجدير بالذكر هنا، أن سلطات بكين تعتبر تايوان «مقاطعة منشقة عن الوطن الأم» يجب إعادتها إلى سيطرتها، بالقوة إذا لزم الأمر. كذلك يدعو إلى زيادة مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان من أجل المساعدة في تعزيز دفاعات الجزيرة.
على صعيد آخر، إلى جانب قضية هونغ كونغ المزمنة، يتوقع أن تدخل الصين خلال الفترة المقبلة مواجهة مرتقبة في بحر الصين الجنوبي مع كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين وفيتنام، بما في ذلك إخطارات رسمية مقدمة إلى الأمم المتحدة. ووفقاً لجياديفا رانادي، رئيس المركز الهندي لتحليل الشؤون الصينية واستراتيجياتها، فإنه «خلال 2021، ستحاول إدارة (الرئيس الأميركي الجديد جو) بايدن إصلاح العلاقات مع الصين، ولكن مع حشد الحلفاء في الوقت ذاته، من أجل معالجة ما يعتبره كثيرون في واشنطن سلوكاً سيئاً من قبل بكين، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في مناطق مثل هونغ كونغ وإقليم سنكينانغ - ويغور (تركستان الشرقية) ذاتي الحكم».
ويتابع رانادي قائلاً: «من المؤكد أن أي تخفيف لشدة السياسات التي سبق أن اتبعتها الإدارتان الأميركيتان السابقتان (إدارة دونالد ترمب وإدارة باراك أوباما) سيكون بمثابة أكسجين للرئيس الصيني شي جينبينغ سيجعله أكثر عدوانية. ومعلوم أنه رغم الضغط الأميركي الكبير، لم يتردد شي في مواصلة سعيه لجعل الصين قوة عالمية تنافس (إن لم تكن تسبق) الولايات المتحدة. وبالتالي، علينا أن نعاين الفترة المقبلة كي نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستخفف دعمها لتايوان واليابان والفلبين فيما يخص القضايا الأمنية... أم لا».
وفي شأن هونغ كونغ، بالذات، يرى محللون أنه من المرجح أن تهاجر أعداد كبيرة من مواطني المستعمرة البريطانية السابقة بجنوب الصين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، وبالأخص، في أعقاب إقدام السلطات المحلية التابعة لبكين على سحق المعارضة العلنية بشكل فعال. ولكن، رغم أعمال القمع الواسعة التي مورست في هونغ كونغ خلال العامين الأخيرين، تبقى هناك مشاعر سخط واستياء مستعرة ويمكن أن تشتعل في صورة حركة أكثر تنظيماً، وربما عنيفة مرة أخرى.
- التنافس الصيني - الهندي
على صعيد آخر، تدخل الدولتان الأضخم في العالم، الصين والهند، عام 2021 من حيث خرجتا من عام 2020. ذلك أن الأشهر الـ12 الأخيرة كانت علامة فاصلة في التاريخ الطويل للعلاقات المتوترة بين الهند والصين، في أعقاب اندلاع أخطر الاشتباكات بين البلدين في منطقة لاداخ الحدودية الواقعة في جبال الهيمالايا منذ حرب عام 1962. وحقاً، تبدو العلاقات بين نيودلهي وبكين اليوم في أدنى مستوياتها.
ومع عدم وجود سبب عملي لأي تطبيع في العلاقات بين حكومتين متشدّدتين، فإن مشكلة الصراع الحدودي بين الهند والصين في جبال الهيمالايا ستنتقل دونما شك من 2020 إلى 2021. وبطبيعة الحال، يضاف إلى أسباب التوتر المستمر والمرتقب تفاقمه الطموح الصيني الذي يقارب العدوانية، وعلاقات الصين القديمة مع باكستان (خصم الهند التاريخي اللدود)، وكذلك التعاون الاستراتيجي المتنامي بين روسيا والصين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، يتوقع أن تكون كلها عوامل محورية تفرض على سلطات نيودلهي القومية المحافظة رسم ملامح الاستراتيجية المستقبلية للهند.
في هذا المجال، من المتوقع أن تصبح تحالفات نيودلهي الدولية أولوية مهمة للسياسات الخارجية والأمنية الهندية في 2021. وإذا كان تكثيف التعاون الأمني مع الولايات المتحدة قد أصبح سمة بارزة في سياسة الهند الخارجية تحت قيادة ناريندرا مودي خلال 2020، فإن دمج أوروبا في حسابات الهند الاستراتيجية الجديدة يجب أن يكون الهدف الرئيسي في 2021. وعن هذا الأمر، يقول الكاتب الصحافي شيشير غوبتا: «إن الهند تتطلع إلى ما وراء المنافسة الجيو - سياسية بين الثنائي الولايات المتحدة والصين. وكانت نيودلهي قد بدأت أيضاً في التخلص من أسلوب التفكير الذي ساد خلال حقبة ما بعد الاستعمار ضد التعاون الأمني الإقليمي مع أوروبا».
- منطقة المحيطين الهندي والهادي
في سياق موازٍ، يُتوقع خلال العام الجديد (2021) أن يُنظر إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي بشكل متزايد على أنها «مركز ثقل» استراتيجي عالمي، سواء من حيث إمكانياتها الاقتصادية والديموغرافية أو التحدّيات الأمنية المرتبطة بها. وكانت الهند (بصفتها نصيراً لمبدأ «حرية وانفتاح المحيطين الهندي والهادي») تسعى، وفق محللين، لبناء هيكل جيو - سياسي جديد في مناطق شرق آسيا وجنوبها. وتجدر الإشارة ضمن هذا الإطار إلى أن العام الماضي (2020) كان قد جرى الانضمام الرسمي لجميع الأعضاء الأربعة في المجموعة المعروفة باسم «الحوار الأمني الرباعي»، أو «كواد». وبالفعل، أجرت القوات البحرية لكل من أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة أكبر مناوراتها البحرية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأرسلت الدول المشاركة سفناً حربية وغواصات وطائرات إلى المحيط الهندي، في خطوة قال محللون إنها تشير إلى جدية الدول الأربع في مواجهة النفوذ العسكري والسياسي للصين في حوضي المحيطين الهندي والهادي، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي.
ولعل ما يستحق التوقف عنده هنا، أن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، كان قد قال قبل فترة قريب إن الهند «بصفتها لاعباً رئيسياً في منطقة المحيطين الهندي والهادي، أصبحت شريكاً لا غنى عنه على نحو متزايد لبريطانيا». في الوقت نفسه، يتوقع المراقبون والمحللون تعاون دول أخرى، مثل أستراليا وفيتنام والفلبين مع الهند في مبادرة المحيطين الهندي والهادي خلال 2021. وفي سياق متصل، وبجانب تعزيز الشراكة بين الهند وفرنسا على الصعيد الإقليمي بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، من المنتظر انضمام مزيد من الدول الأوروبية إلى «كواد»، أو اضطلاعها بدور أكبر في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وذلك بعدما تنبهت أخيراً إلى خطورة التحدي الصيني. وحول هذه النقطة، أعرب الكاتب الصحافي راجا موهان عن اعتقاده بأنه «خلال عام 2021، سيظهر التعاون الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، كقضية مهمة في خطط وضع خارطة طريق لمدة عقد من الزمن لشكل الشراكة بين نيودلهي ولندن، ولا سيما بعدما اجتازت لندن عتبة الانفصال عن أوروبا، وباشرت تحديد دور دولي جديد لها».
وأردف موهان أنه «بينما يلاحَظ حتى هذه اللحظة أنه لم يجرِ التوصل الاتحاد الأوروبي بعد إلى موقف مشترك لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27، فيما يتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، لكن الاتحاد تعهد بالعمل مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد بايدن لتعميق العلاقات مع دول المنطقة. ولقد طور أخيراً علاقته مع مجموعة (آسيان) إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية».
- مستقبل أفغانستان... على المحك
> من أكثر الملفات السياسية والأمنية الآسيوية تعقيداً الصراع الأفغاني ومستقبل أفغانستان. وفي هذا الشأن يتوقع المحللون أن يدخل الصراع الدائر الأكثر دموية في العالم مرحلة حاسمة في 2021.
ما هو معروف أن الولايات المتحدة تُعد لسحب جميع قواتها من أفغانستان بحلول مايو (أيار) المقبل، كجزء من اتفاق السلام التاريخي الذي توصلت إليه مع جماعة «طالبان»، والذي يهدف إلى إنهاء 19 سنة من الحرب. ومن المقرر عقد الجولة المقبلة من المفاوضات بين «طالبان» والحكومة الأفغانية في قطر اعتباراً من الشهر المقبل، رغم دعوات الرئيس أشرف غني الأخيرة لإعادتها إلى أفغانستان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مباحثات السلام كانت قد أطلقت في 12 سبتمبر (أيلول) في أحد فنادق الدوحة، لكن في وقت سابق من ديسمبر (كانون الأول)، قرر المفاوضون من كلا الجانبين أخذ استراحة بعد أشهر من الاجتماعات المحبطة في كثير من الأحيان، التي تعثرت بسبب الخلافات حول الإطار الأساسي للمناقشات والتفسيرات الدينية. وعليه، فإن العملية التفاوضية متوقفة حالياً حتى الخامس من يناير الحالي.
الرئيس الأفغاني أشرف غني قال بعد فترة وجيزة من إعلان توقف المباحثات، موضحاً: «من الضروري أن يرى الناس كيف تجري المباحثات وما هي القضايا التي تركز عليها ولماذا». أما «طالبان» فلم تعلق على دعوة غني، لكنها رفضت في الماضي دائماً إجراء المفاوضات داخل أفغانستان. وتبعاً لما يراه شوبانجي باندي، الزميل في برنامج الدراسات الاستراتيجية التابع لـ«مؤسسة الأوبزرفر للأبحاث»، فإن «مهمة تحديد الجدول الزمني لسحب القوات بالكامل من أفغانستان ستقع على عاتق الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير. ومن غير الواضح ما إذا كان بايدن الذي سبق له تولي منصب نائب الرئيس سيحترم تماماً الاتفاق بين الولايات المتحدة و(طالبان) المبرم في ظل إدارة ترمب. أما الأمر الذي يزيد قرار بايدن تعقيداً فهو امتناع (طالبان) عن الالتزام بالعديد من الشروط الرئيسة في الاتفاقية، ومنها التعهد بالحد من أعمال العنف ومنع شبكة (القاعدة) الإرهابية من العمل على الأراضي الأفغانية».
واستطرد باندي شارحاً «منذ توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة في فبراير (شباط)، كثفت (طالبان) هجماتها ضد قوات الأمن الأفغانية، على تحسين موقعها التفاوضي في المباحثات من خلال تحقيق مكاسب في ساحة المعركة. ويبدو أن احتمال توصل المفاوضين الحكوميين الأفغان ومفاوضي (طالبان) إلى تسوية سياسية في 2021 ضئيل، بالنظر إلى الهوة الهائلة بين الجانبين بشأن القضايا الأساسية وتردد أي من الطرفين في تقبل قبول حلول وسطى».
- الآفاق الاقتصادية الآسيوية وارتباطها بـ«كوفيد ـ 19»
> عانى الاقتصاد الآسيوي من أسوأ ركود له على الإطلاق خلال عام 2020، لكن من المنتظر أن ينتعش النمو في العام 2021 مع توقع نمو آسيا بنسبة 6.8 في المائة. وبالمثل، ستشهد الصين، التي عانت من ضربة الجائحة في وقت سابق زمنياً عن البلدان الأخرى، انتعاشاً قوياً للغاية.
في العام المقبل، من المتوقع أن يتوسع الاقتصاد الصيني بنسبة 8.2 في المائة، لكن هذا لا يزال أقل بنقطة مئوية كاملة عن تقديرات «صندوق النقد الدولي» قبل ستة أشهر. في هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي، ياسويوكي ساوادا إن «التوقعات الخاصة بالنمو الاقتصادي الآسيوي تظهر تحسناً، وجرى رفع تقديرات النمو الاقتصادي لكل من الصين والهند، أكبر اقتصادين بالمنطقة». ولكن تبقى مسألة استمرار الجائحة لفترة طويلة الخطر الرئيس على اقتصاديات القارة، لكن التطورات الأخيرة على جبهة اللقاحات تخفف من حدة هذا الخطر.
من جهة ثانية، ثمة مَن يرى أن اقتصاد الهند مرشح للنمو بنسبة 8 في المائة خلال العام الجديد، بل، ويمكن أن تصبح الهند أسرع الاقتصادات الآسيوية نمواً في 2021؛ إذ تتوقع «دار الأبحاث والسمسرة الأجنبية» نمو الاقتصاد الهندي (وفقاً لقياس الناتج المحلي الإجمالي) بنسبة 9.9 في المائة في 2021، متجاوزاً اقتصاد الصين (نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بنسبة 9 في المائة) وسنغافورة (بنسبة 7.5 في المائة) خلال الفترة ذاتها.
أيضاً، من المتوقع ن تكون فيتنام واحدة من الدول القليلة التي تتغلب على الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة «كوفيد - 19»، إذ يقدّر «صندوق النقد الدولي» أن تحقق فيتنام نمواً بنسبة 2.4 في المائة رغم الجائحة، في وقت تنكمش فيه اقتصادات بلدان أخرى. وبالتالي، وفق خبراء «الصندوق» فإن فيتنام مرشحة لأن تغدو «النمر الآسيوي» المستقبلي، وأن تنجح في جذب الاستثمارات الأجنبية، وفي دفع عجلة التصنيع وزيادة الصادرات باطراد.
ثم إنه مع طرح لقاحات «كوفيد - 19»، يبدو أن إعادة فتح الحدود وعودة الاقتصادات الآسيوية لطبيعتها أصبحتا في متناول اليد. وحول هذه المسألة، أعرب رونالد تشان، الرئيس التنفيذي بمؤسسة «مانوليف إينفستمنت مندجمنت»، عن اعتقاده بأن الاستمرار في الاستثمار والتنوع سيعود بثمار إيجابية على المستثمرين خلال 2021. ومما يُذكر أنه بوشر، بالفعل، في العديد من الدول الآسيوية على رأسها الصين وسنغافورة واليابان في توزيع اللقاح على العمال الأساسيين لديها. كذلك في الهند، بدأت جهود توزيع اللقاح، وبحلول نهاية يناير الحالي، سيكون لدى الهند اثنان من اللقاحات الهندية الصنع المرشحة لخوض تجارب نهائية. وبحلول منتصف العام، ستتلقى العديد من الدول الآسيوية اللقاحات، مع أن استعادة الحياة الطبيعية بالكامل لا تزال خارج نطاق الإمكان.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.