الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً

في ضوء طموحاتها السياسية والاقتصادية

الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً
TT

الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً

الصين... محور الاهتمامات الاستراتيجية آسيوياً وعالمياً

تدخل آسيا، القارة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم (ذلك أن عدد سكانها 4.64 مليار شخص، ما يقرب من 60 في المائة من سكان العالم) العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين حاملةً على عاتقها تساؤلات كبرى لعام 2021 - هل ستكون آسيا قادرة على تجاوز مصاعب السنة المنتهية خلف ظهرها، وتحقيق انتعاش اقتصادي، واستعادة الحياة الطبيعية، إلى جانب مجابهة التحديات الجيوسياسية القائمة أمامها. والمعروف أنه، منذ اكتشاف فيروس جائحة «كوفيد - 19» في مدينة ووهان الصينية، تغيرت قوانين اللعبة الدولية، وازدادت التحديات الاقتصادية والاستراتيجية. وخلال عام انتخابي استثنائي في الولايات المتحدة، حاول دونالد ترمب الرئيس الأميركي المنتهي ولايته صبَّ اهتمامه على ما اعتبره «الخطر الصيني» على الولايات المتحدة ومكانتها العالمية، فخاض معها غير مواجهة من تسمية «كوفيد - 19» في تصريحات وحملته الانتخابية «الفيروس الصيني»، إلى معركته مع شركة «هواوي للاتصالات والإلكترونيات»، وأخيراً اتهام الصين بالقرصنة والانتهاكات الإلكترونية لمواقع رسمية أميركية حساسة.
من دون إنكار النزاع الحدودي المزمن بين الهند والصين، وأزمة الصين مع عدد من «جاراتها» الآسيويات بسبب الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وبطبيعة الحال، الصعود الصيني السريع كعملاق اقتصادي وسياسي وعسكري، جاء فيروس «كوفيد - 19» لتوسيع دائرة المخاوف من طموح بكين، في مختلف أرجاء العالم، دفعت بالفعل عواصم آسيوية إلى تسريع جهود إعادة بناء تحالفات جيوسياسية وتطوير سلاسل إمداد جديدة.
- الصين... واقعاً ومستقبلاً
ترتبط اليوم بعض أكثر بؤر التوتر في آسيا إلحاحاً بالصين بشكل مباشر ومطالباتها الإقليمية والبحرية التي تطرح تحديات كبيرة خلال عام 2021. والمتوقع أن تشهد القارة مزيداً من التوتر بين الصين و«جيرانها» في الشرق الأقصى وجنوب آسيا، وربما ينطوي ذلك على صراع مسلح محدود.
ولقد بدأت علامات ذلك بالفعل في الظهور عندما أثار الرئيس دونالد ترمب ضجة سياسية كبيرة في آسيا بتوقيعه على مشروعي قانونين بشأن التيبت وتايوان وهونغ كونغ قبل مغادرة منصبه. وكان ترمب قد وقّع على «قانون السياسة والدعم للتيبت» و«قانون ضمانات تايوان» اللذين يستهدفان الصين. ويأتي إقرار المشروعين في الوقت الذي يتأهب فيه ترمب لمغادرة منصبه في يناير (كانون الثاني) الحالي، مع وجود خلاف بين البلدين على جميع الجبهات تقريباً.
وفي الواقع، تجنّب مشروعا القانونين دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي، ويهدف أحدهما إلى تعميق العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، بينما يهدف الآخر إلى تعزيز دعم الولايات المتحدة لمساعي شعب التيبت للحصول على حقه بحكم نفسه. ويتيح قانون التيبت للولايات المتحدة فرض عقوبات وقيود على التأشيرات الخاصة بالمسؤولين الصينيين، إذا حاولوا التدخل في اختيار الدالاي لاما التالي، الزعيم الروحي للبوذيين من أبناء التيبت. كذلك يدعو القانون الصين إلى السماح للولايات المتحدة بإنشاء قنصلية في لاسا، عاصمة إقليم التيبت ذاتي الحكم في الصين، قبل أن تتمكن من فتح أي قنصليات أخرى في الولايات المتحدة. أما التشريع المتعلق بتايوان فيدعو واشنطن إلى تشجيع الدولة (الجزيرة الموالية للغرب) على زيادة الإنفاق العسكري لدرء الهجمات المحتملة من الصين. والجدير بالذكر هنا، أن سلطات بكين تعتبر تايوان «مقاطعة منشقة عن الوطن الأم» يجب إعادتها إلى سيطرتها، بالقوة إذا لزم الأمر. كذلك يدعو إلى زيادة مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان من أجل المساعدة في تعزيز دفاعات الجزيرة.
على صعيد آخر، إلى جانب قضية هونغ كونغ المزمنة، يتوقع أن تدخل الصين خلال الفترة المقبلة مواجهة مرتقبة في بحر الصين الجنوبي مع كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين وفيتنام، بما في ذلك إخطارات رسمية مقدمة إلى الأمم المتحدة. ووفقاً لجياديفا رانادي، رئيس المركز الهندي لتحليل الشؤون الصينية واستراتيجياتها، فإنه «خلال 2021، ستحاول إدارة (الرئيس الأميركي الجديد جو) بايدن إصلاح العلاقات مع الصين، ولكن مع حشد الحلفاء في الوقت ذاته، من أجل معالجة ما يعتبره كثيرون في واشنطن سلوكاً سيئاً من قبل بكين، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في مناطق مثل هونغ كونغ وإقليم سنكينانغ - ويغور (تركستان الشرقية) ذاتي الحكم».
ويتابع رانادي قائلاً: «من المؤكد أن أي تخفيف لشدة السياسات التي سبق أن اتبعتها الإدارتان الأميركيتان السابقتان (إدارة دونالد ترمب وإدارة باراك أوباما) سيكون بمثابة أكسجين للرئيس الصيني شي جينبينغ سيجعله أكثر عدوانية. ومعلوم أنه رغم الضغط الأميركي الكبير، لم يتردد شي في مواصلة سعيه لجعل الصين قوة عالمية تنافس (إن لم تكن تسبق) الولايات المتحدة. وبالتالي، علينا أن نعاين الفترة المقبلة كي نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستخفف دعمها لتايوان واليابان والفلبين فيما يخص القضايا الأمنية... أم لا».
وفي شأن هونغ كونغ، بالذات، يرى محللون أنه من المرجح أن تهاجر أعداد كبيرة من مواطني المستعمرة البريطانية السابقة بجنوب الصين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، وبالأخص، في أعقاب إقدام السلطات المحلية التابعة لبكين على سحق المعارضة العلنية بشكل فعال. ولكن، رغم أعمال القمع الواسعة التي مورست في هونغ كونغ خلال العامين الأخيرين، تبقى هناك مشاعر سخط واستياء مستعرة ويمكن أن تشتعل في صورة حركة أكثر تنظيماً، وربما عنيفة مرة أخرى.
- التنافس الصيني - الهندي
على صعيد آخر، تدخل الدولتان الأضخم في العالم، الصين والهند، عام 2021 من حيث خرجتا من عام 2020. ذلك أن الأشهر الـ12 الأخيرة كانت علامة فاصلة في التاريخ الطويل للعلاقات المتوترة بين الهند والصين، في أعقاب اندلاع أخطر الاشتباكات بين البلدين في منطقة لاداخ الحدودية الواقعة في جبال الهيمالايا منذ حرب عام 1962. وحقاً، تبدو العلاقات بين نيودلهي وبكين اليوم في أدنى مستوياتها.
ومع عدم وجود سبب عملي لأي تطبيع في العلاقات بين حكومتين متشدّدتين، فإن مشكلة الصراع الحدودي بين الهند والصين في جبال الهيمالايا ستنتقل دونما شك من 2020 إلى 2021. وبطبيعة الحال، يضاف إلى أسباب التوتر المستمر والمرتقب تفاقمه الطموح الصيني الذي يقارب العدوانية، وعلاقات الصين القديمة مع باكستان (خصم الهند التاريخي اللدود)، وكذلك التعاون الاستراتيجي المتنامي بين روسيا والصين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، يتوقع أن تكون كلها عوامل محورية تفرض على سلطات نيودلهي القومية المحافظة رسم ملامح الاستراتيجية المستقبلية للهند.
في هذا المجال، من المتوقع أن تصبح تحالفات نيودلهي الدولية أولوية مهمة للسياسات الخارجية والأمنية الهندية في 2021. وإذا كان تكثيف التعاون الأمني مع الولايات المتحدة قد أصبح سمة بارزة في سياسة الهند الخارجية تحت قيادة ناريندرا مودي خلال 2020، فإن دمج أوروبا في حسابات الهند الاستراتيجية الجديدة يجب أن يكون الهدف الرئيسي في 2021. وعن هذا الأمر، يقول الكاتب الصحافي شيشير غوبتا: «إن الهند تتطلع إلى ما وراء المنافسة الجيو - سياسية بين الثنائي الولايات المتحدة والصين. وكانت نيودلهي قد بدأت أيضاً في التخلص من أسلوب التفكير الذي ساد خلال حقبة ما بعد الاستعمار ضد التعاون الأمني الإقليمي مع أوروبا».
- منطقة المحيطين الهندي والهادي
في سياق موازٍ، يُتوقع خلال العام الجديد (2021) أن يُنظر إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي بشكل متزايد على أنها «مركز ثقل» استراتيجي عالمي، سواء من حيث إمكانياتها الاقتصادية والديموغرافية أو التحدّيات الأمنية المرتبطة بها. وكانت الهند (بصفتها نصيراً لمبدأ «حرية وانفتاح المحيطين الهندي والهادي») تسعى، وفق محللين، لبناء هيكل جيو - سياسي جديد في مناطق شرق آسيا وجنوبها. وتجدر الإشارة ضمن هذا الإطار إلى أن العام الماضي (2020) كان قد جرى الانضمام الرسمي لجميع الأعضاء الأربعة في المجموعة المعروفة باسم «الحوار الأمني الرباعي»، أو «كواد». وبالفعل، أجرت القوات البحرية لكل من أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة أكبر مناوراتها البحرية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأرسلت الدول المشاركة سفناً حربية وغواصات وطائرات إلى المحيط الهندي، في خطوة قال محللون إنها تشير إلى جدية الدول الأربع في مواجهة النفوذ العسكري والسياسي للصين في حوضي المحيطين الهندي والهادي، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي.
ولعل ما يستحق التوقف عنده هنا، أن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، كان قد قال قبل فترة قريب إن الهند «بصفتها لاعباً رئيسياً في منطقة المحيطين الهندي والهادي، أصبحت شريكاً لا غنى عنه على نحو متزايد لبريطانيا». في الوقت نفسه، يتوقع المراقبون والمحللون تعاون دول أخرى، مثل أستراليا وفيتنام والفلبين مع الهند في مبادرة المحيطين الهندي والهادي خلال 2021. وفي سياق متصل، وبجانب تعزيز الشراكة بين الهند وفرنسا على الصعيد الإقليمي بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، من المنتظر انضمام مزيد من الدول الأوروبية إلى «كواد»، أو اضطلاعها بدور أكبر في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وذلك بعدما تنبهت أخيراً إلى خطورة التحدي الصيني. وحول هذه النقطة، أعرب الكاتب الصحافي راجا موهان عن اعتقاده بأنه «خلال عام 2021، سيظهر التعاون الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، كقضية مهمة في خطط وضع خارطة طريق لمدة عقد من الزمن لشكل الشراكة بين نيودلهي ولندن، ولا سيما بعدما اجتازت لندن عتبة الانفصال عن أوروبا، وباشرت تحديد دور دولي جديد لها».
وأردف موهان أنه «بينما يلاحَظ حتى هذه اللحظة أنه لم يجرِ التوصل الاتحاد الأوروبي بعد إلى موقف مشترك لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27، فيما يتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، لكن الاتحاد تعهد بالعمل مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد بايدن لتعميق العلاقات مع دول المنطقة. ولقد طور أخيراً علاقته مع مجموعة (آسيان) إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية».
- مستقبل أفغانستان... على المحك
> من أكثر الملفات السياسية والأمنية الآسيوية تعقيداً الصراع الأفغاني ومستقبل أفغانستان. وفي هذا الشأن يتوقع المحللون أن يدخل الصراع الدائر الأكثر دموية في العالم مرحلة حاسمة في 2021.
ما هو معروف أن الولايات المتحدة تُعد لسحب جميع قواتها من أفغانستان بحلول مايو (أيار) المقبل، كجزء من اتفاق السلام التاريخي الذي توصلت إليه مع جماعة «طالبان»، والذي يهدف إلى إنهاء 19 سنة من الحرب. ومن المقرر عقد الجولة المقبلة من المفاوضات بين «طالبان» والحكومة الأفغانية في قطر اعتباراً من الشهر المقبل، رغم دعوات الرئيس أشرف غني الأخيرة لإعادتها إلى أفغانستان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مباحثات السلام كانت قد أطلقت في 12 سبتمبر (أيلول) في أحد فنادق الدوحة، لكن في وقت سابق من ديسمبر (كانون الأول)، قرر المفاوضون من كلا الجانبين أخذ استراحة بعد أشهر من الاجتماعات المحبطة في كثير من الأحيان، التي تعثرت بسبب الخلافات حول الإطار الأساسي للمناقشات والتفسيرات الدينية. وعليه، فإن العملية التفاوضية متوقفة حالياً حتى الخامس من يناير الحالي.
الرئيس الأفغاني أشرف غني قال بعد فترة وجيزة من إعلان توقف المباحثات، موضحاً: «من الضروري أن يرى الناس كيف تجري المباحثات وما هي القضايا التي تركز عليها ولماذا». أما «طالبان» فلم تعلق على دعوة غني، لكنها رفضت في الماضي دائماً إجراء المفاوضات داخل أفغانستان. وتبعاً لما يراه شوبانجي باندي، الزميل في برنامج الدراسات الاستراتيجية التابع لـ«مؤسسة الأوبزرفر للأبحاث»، فإن «مهمة تحديد الجدول الزمني لسحب القوات بالكامل من أفغانستان ستقع على عاتق الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير. ومن غير الواضح ما إذا كان بايدن الذي سبق له تولي منصب نائب الرئيس سيحترم تماماً الاتفاق بين الولايات المتحدة و(طالبان) المبرم في ظل إدارة ترمب. أما الأمر الذي يزيد قرار بايدن تعقيداً فهو امتناع (طالبان) عن الالتزام بالعديد من الشروط الرئيسة في الاتفاقية، ومنها التعهد بالحد من أعمال العنف ومنع شبكة (القاعدة) الإرهابية من العمل على الأراضي الأفغانية».
واستطرد باندي شارحاً «منذ توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة في فبراير (شباط)، كثفت (طالبان) هجماتها ضد قوات الأمن الأفغانية، على تحسين موقعها التفاوضي في المباحثات من خلال تحقيق مكاسب في ساحة المعركة. ويبدو أن احتمال توصل المفاوضين الحكوميين الأفغان ومفاوضي (طالبان) إلى تسوية سياسية في 2021 ضئيل، بالنظر إلى الهوة الهائلة بين الجانبين بشأن القضايا الأساسية وتردد أي من الطرفين في تقبل قبول حلول وسطى».
- الآفاق الاقتصادية الآسيوية وارتباطها بـ«كوفيد ـ 19»
> عانى الاقتصاد الآسيوي من أسوأ ركود له على الإطلاق خلال عام 2020، لكن من المنتظر أن ينتعش النمو في العام 2021 مع توقع نمو آسيا بنسبة 6.8 في المائة. وبالمثل، ستشهد الصين، التي عانت من ضربة الجائحة في وقت سابق زمنياً عن البلدان الأخرى، انتعاشاً قوياً للغاية.
في العام المقبل، من المتوقع أن يتوسع الاقتصاد الصيني بنسبة 8.2 في المائة، لكن هذا لا يزال أقل بنقطة مئوية كاملة عن تقديرات «صندوق النقد الدولي» قبل ستة أشهر. في هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي، ياسويوكي ساوادا إن «التوقعات الخاصة بالنمو الاقتصادي الآسيوي تظهر تحسناً، وجرى رفع تقديرات النمو الاقتصادي لكل من الصين والهند، أكبر اقتصادين بالمنطقة». ولكن تبقى مسألة استمرار الجائحة لفترة طويلة الخطر الرئيس على اقتصاديات القارة، لكن التطورات الأخيرة على جبهة اللقاحات تخفف من حدة هذا الخطر.
من جهة ثانية، ثمة مَن يرى أن اقتصاد الهند مرشح للنمو بنسبة 8 في المائة خلال العام الجديد، بل، ويمكن أن تصبح الهند أسرع الاقتصادات الآسيوية نمواً في 2021؛ إذ تتوقع «دار الأبحاث والسمسرة الأجنبية» نمو الاقتصاد الهندي (وفقاً لقياس الناتج المحلي الإجمالي) بنسبة 9.9 في المائة في 2021، متجاوزاً اقتصاد الصين (نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بنسبة 9 في المائة) وسنغافورة (بنسبة 7.5 في المائة) خلال الفترة ذاتها.
أيضاً، من المتوقع ن تكون فيتنام واحدة من الدول القليلة التي تتغلب على الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة «كوفيد - 19»، إذ يقدّر «صندوق النقد الدولي» أن تحقق فيتنام نمواً بنسبة 2.4 في المائة رغم الجائحة، في وقت تنكمش فيه اقتصادات بلدان أخرى. وبالتالي، وفق خبراء «الصندوق» فإن فيتنام مرشحة لأن تغدو «النمر الآسيوي» المستقبلي، وأن تنجح في جذب الاستثمارات الأجنبية، وفي دفع عجلة التصنيع وزيادة الصادرات باطراد.
ثم إنه مع طرح لقاحات «كوفيد - 19»، يبدو أن إعادة فتح الحدود وعودة الاقتصادات الآسيوية لطبيعتها أصبحتا في متناول اليد. وحول هذه المسألة، أعرب رونالد تشان، الرئيس التنفيذي بمؤسسة «مانوليف إينفستمنت مندجمنت»، عن اعتقاده بأن الاستمرار في الاستثمار والتنوع سيعود بثمار إيجابية على المستثمرين خلال 2021. ومما يُذكر أنه بوشر، بالفعل، في العديد من الدول الآسيوية على رأسها الصين وسنغافورة واليابان في توزيع اللقاح على العمال الأساسيين لديها. كذلك في الهند، بدأت جهود توزيع اللقاح، وبحلول نهاية يناير الحالي، سيكون لدى الهند اثنان من اللقاحات الهندية الصنع المرشحة لخوض تجارب نهائية. وبحلول منتصف العام، ستتلقى العديد من الدول الآسيوية اللقاحات، مع أن استعادة الحياة الطبيعية بالكامل لا تزال خارج نطاق الإمكان.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.