حاتم علي يرحل تاركاً فراغاً كبيراً في الدراما العربية

المخرج السوري قدّم أعمالاً أيقونية منها «عمر» و«ملوك الطوائف» و«صقر قريش»

الممثل والمخرج السوري حاتم علي مع الفنان فادي صبيح أثناء تصوير «عمر الفاروق» في المغرب (إ.ب.أ)
الممثل والمخرج السوري حاتم علي مع الفنان فادي صبيح أثناء تصوير «عمر الفاروق» في المغرب (إ.ب.أ)
TT

حاتم علي يرحل تاركاً فراغاً كبيراً في الدراما العربية

الممثل والمخرج السوري حاتم علي مع الفنان فادي صبيح أثناء تصوير «عمر الفاروق» في المغرب (إ.ب.أ)
الممثل والمخرج السوري حاتم علي مع الفنان فادي صبيح أثناء تصوير «عمر الفاروق» في المغرب (إ.ب.أ)

غيب الموت أمس، الممثل والمخرج السوري حاتم علي، إثر أزمة قلبية مفاجئة، أصابته في القاهرة، ليرحل عن عمر ناهز 58 سنة، وأثار رحيله عاصفة من الحزن والشجن في الأوساط الفنية العربية، باعتباره أحد أهم المبدعين السوريين الكبار الذين ساهموا في إثراء الأعمال الدّرامية العربية التاريخية، والذي وصفه بعض النقاد بـ«عراب الدراما التلفزيونية».
ونعى الممثل السوري أيمن زيدان على صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك» رحيل حاتم علي، قائلاً «قامة إبداعية كبيرة تفارقنا لتزداد في القلب فضاءات الحزن... حاتم رحيلك أوجع من كلمات الدنيا»، فيما كتبت الفنانة سُلاف فواخرجي: «برحيلك راح مني الكثير يا حاتم».
يُعد علي من أبرز مبدعي الدراما التاريخية، إذ برع في تقديم أعمال عدة منها كمخرج، على غرار «الزير سالم»، و«الرباعية الأندلسية»، و«صقر قريش»، و«التغريبة الفلسطينية»، و«ملوك الطوائف»، و«الملك فاروق» و«أوركيديا» وغيرها.
وبدأ علي مشواره كممثل عبر مسلسل «دائرة النار» إخراج هيثم حقي، الذي قدّم معه أيضا أكثر من عمل منها «هجرة القلوب إلى القلوب»، ولفت إليه الأنظار بأدائه المميز، لتتوالي أعماله الناجحة التي اتسمت بالتنوع والتميز الكبيرين وفق نقاد ومنها «الخشخاش» من إخراج بسام الملا، و«قصة حب عادية جداً» لمحمد عزيزية، و«الجوارح» مع المخرج نجدت إسماعيل أنزور، و«أحلام مؤجلة» إخراج هند ميداني، ومع منتصف التسعينات اتجه إلى الإخراج ليصبح أحد الموهوبين الكبار في مجال الدراما التاريخية، وكان مسلسل «الزير سالم» أول أعماله التي أبرزت قدرته الكبيرة ودقته البالغة في التّعامل مع النصوص التاريخية، من ثمّ توالت أعماله المهمة ومنها صلاح الدين الأيوبي 2001، وصقر قريش 2002، والتغريبة الفلسطينية 2004، وملوك الطوائف 2005، والملك فاروق 2007 الذي أخرجه في القاهرة، ومسلسل «عمر» الذي صوره في المغرب وتناول سيرة الفاروق عمر بن الخطاب، وما دار فيها من أحداث ومعارك منذ طفولته وحتى وفاته.
ومنذ أن أخرج مسلسل «الملك فاروق» في مصر صارت القاهرة محطة مهمة في مشواره، وفيها أخرج عدداً من المسلسلات الناجحة ومنها «حجر جهنم» بطولة كندة علوش وشيرين رضا، و«كأنه امبارح» لرانيا يوسف، و«أهو ده اللي صار» لسوسن بدر وروبي، من تأليف عبد الرحيم كمال الذي نعى المخرج قائلاً «وداعا صديقي وحبيبي المخرج الكبير المهذب الراقي».
وكان علي، يتطلع لتصوير فيلم «محمد علي» الذي كتبته الكاتبة المصرية الدكتورة لميس جابر.
وتؤكد الناقدة السورية، الدكتورة لمى طيارة، أنّ «وفاة حاتم تمثل صدمة قوية للوسط الفني السوري والمصري والعربي، كمبدع عظيم، وإنسان شديد التواضع»، مشيرة إلى أنّ «تجربته الفنية على الرّغم من قصر عمره، كانت ثرية للغاية كممثل ومخرج ومؤلف»، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعرفت على علي في التسعينات وكان يصور مسلسل (هجرة القلوب إلى القلوب) الذي جسّد فيه شخصية صعلوك وأتقنه بطريقة مثيرة، وأثبت موهبته كممثل قدير صاحب أداء مميز، وامتد عطاؤه إلى السينما فقدم أربعة أفلام فقط، وكان يبحث عن تجربة جديدة ليقدمها سينمائياً قبل وفاته، وفي المسرح قدم مسرحيات عدّة ناجحة منها (مات ثلاث مرات)، و(رحلة كريستوفر كولومبس) من إخراج نائلة الأطرش، وتعدّ محطة مهمة في مشواره التمثيلي، أما تجربته في الدراما التلفزيونية فتعد الأعمق».
وتشير طيارة إلى أنّ «علي، حقّق كثيرا من طموحاته في الدراما، سواء في مصر أو سوريا، وتوج مسيرته بمسلسل (عمر) الذي صوره في المغرب حيث أتيح له بناء مجسمات للكعبة، واستعان فيه بنجوم عرب، كما استعان بخبراء أجانب لتنفيذ الماكياج على نحو دقيق، فقد كان ملماً بتفاصيل كل العناصر في العمل الفني، ولا يتهاون في أي منها لذا جاءت أعماله متكاملة فكراً وإخراجاً».
وحصدت أعمال علي، عشرات الجوائز، على غرار «جائزة أدونيا للدراما السورية» أكثر من مرّة عن مسلسلات «التغريبة الفلسطينية»، «أحلام كبيرة»، «ملوك الطوائف»، «عصي الدمع»، كما حصل على جائزة أفضل مخرج من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن مسلسل «سفر» عام 1997، كما نال الجائزة ذاتها عن مسلسلات «صلاح الدين 2001، الفصول الأربعة، صقر قريش عام 2002، وقوس قزح.
ووفق صحف مصرية، فإن أسرة المخرج، استقرت على دفن جثمانه في موطنه سوريا، غدا الخميس على أقصى تقدير. وحرص الفنان السوري جمال سليمان الذي تعاون مع علي في أكثر من عمل تاريخي، على الوجود في الفندق الذي توفي فيه بشكل مفاجئ أمس، للمساعدة في إنهاء التّصاريح اللازمة لنقل الجثمان من الفندق إلى أحد المستشفيات.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».