«ألف ليلة وليلة» لنجيب محفوظ بالألوان والخيوط

معرض للفنانة المصرية إكرام عمر استغرق إعداده 20 عاماً

«ألف ليلة وليلة» لنجيب محفوظ بالألوان والخيوط
TT

«ألف ليلة وليلة» لنجيب محفوظ بالألوان والخيوط

«ألف ليلة وليلة» لنجيب محفوظ بالألوان والخيوط

ظل نجيب محفوظ منذ طفولته مُغرماً بقراءة حكايات «ألف ليلة وليلة»، حتى استلهم منها رواية له بنفس الاسم استدعى فيها «شهريار» و«شهرزاد» لعالمه المعاصر العامر بالفانتازيا، وظلت رواية نجيب محفوظ «ألف ليلة وليلة» منهل إلهام متدفق للفنانة التشكيلية المصرية إكرام عمر، التي بدأت منذ عام 2001. مشروعاً فنياً في تأمل رواية «ألف ليلة وليلة» لنجيب محفوظ، وها هي المجموعة تُعرض أخيراً، في غاليري «خان المغربي» بالقاهرة تحت عنوان «نجيب محفوظ وإكرام عمر... ألف ليلة وليلة».
تعود الفنانة التشكيلية القديرة إكرام عمر بهذا المعرض، بعد غياب أكثر من 18 سنة، عن المعارض الفنية، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنّها بدأت قراءة «ليالي ألف وليلة» لنجيب محفوظ في عام 2001، وإنّها أعادت قراءتها مرات «لشدة جمالها، كنت أجد شخصياتها تتحرك أمامي، وأندهش كل مرة من قدرته على التعبير عن حالات ومشاعر فياضة بأقل عدد من الكلمات»، على حد تعبيرها.
تصف إكرام عمر تلك الرواية بـ«المنجم» الذي دفعها لقراءة مجلدات «ألف ليلة وليلة» الأصلية أيضاً، وتقول: «أردت أن أتعرّف على الكتاب الأصلي، الذي ألهم نجيب محفوظ لكتابة روايته لتلك الدرجة، ووجدت نفسي هائمة بين المجلد الأصلي، وروايته، ما بين عالم شاسع من القصص الشعبية الخيالية، وحكايات معاصرة من سلة هذا الخيال، فمحفوظ عرّفنا على شهريار وعائلة هذا القصر بشكل فريد في توظيف الخيال».
ظلت الفنانة إكرام عمر على مدار 20 سنة، ترسم اسكتشات مستوحاة من «ليالي ألف ليلة وليلة» وشخصياتها، وتقول: «كنت أدوّن ملاحظات مع كل قراءة، وأحولّها لاسكتشات أقرب لمحاولة تصوير المشاهد التي أتوقف أمامها كثيراً، ومن أولها كانت للوحة للسندباد وطائر الرخ الذي هاجم سفينته، كنت أصوّر الأشرار والطّيبين في الرواية، ورسمت كثيراً شخصية الشواهي أم الدواهي التي ألهمتني لدرجة أنّني كنت أجد نفسي كثيراً أبدأ اسكتشاً جديداً وأرسمها هي في النهاية».
وفي المعرض الذي يواصل أعماله حتى مطلع العام الجديد، نحو 80 عملاً للفنانة تجمع بين الألوان والأحبار والصّبغات وكذلك النّسيج الذي تدمجه مع الرسم في توظيف تعتبر أنّه يمنحها آفاقاً للتعبير عن حالة الحكايات والخيال، تقول: «لم أستخدم نوعاً واحداً من القماش، فقد استعنت بخامات شديدة التنوع ما بين ملمس خشن وناعم، شفاف، مروراً بالشاش الطبي، والحرير الطبيعي الذي اكتشفت أنّ له أكثر من نوع، وظّفتها كلّها مع خامات التلوين».
وقد تزامن على هامش المعرض الفني ندوة عن نجيب محفوظ، نظّمها الغاليري بحضور إكرام عمر والروائية المصرية منصورة عز الدين التي علّقت على المعرض، وكذلك حضور الفنان والناقد عبد الرازق عكاشة، الذي توقف عند الكثير من فنيات لوحات المعرض وتحديداً استعانة الفنانة إلى جانب الفرشاة بالمقص والقصاقيص والخيط والإبرة وقال: «منذ في بداية ستينات القرن الماضي كانت إكرام عمر نموذجاً متفرداً جديداً مبتكراً أطلق عليه حسين بيكار (فن التصوير النسجي) وبهذا تكون أول من دخلت قصاقيص القماش والخيط على الفن التشكيلي» على حد تعبيره.
وتستعيد الفنانة إكرام عمر، مواليد 1940. ذكرياتها مع فن الحكي، الذي تقول إنّها تربت على حكايات الجدة التي كانت تجمع حولها الصغار والكبار معاً، وكذلك زمن الراديو وحكايات «بابا شارو» و«ألف ليلة وليلة»، معتبرة أنّ سنوات النشأة الأولى عززت لديها تلك النظرة الفنية الحكائية، التي جاء نجيب محفوظ بفيض مخيلته وجماليات صوره، ليبلور مشروعها الفني ولياليها التشكيلية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».