هل تواجه «فيسبوك» و«غوغل» مصير «بارامونت»؟

هل تواجه «فيسبوك» و«غوغل» مصير «بارامونت»؟
TT

هل تواجه «فيسبوك» و«غوغل» مصير «بارامونت»؟

هل تواجه «فيسبوك» و«غوغل» مصير «بارامونت»؟

عاد الحديث عن مصير «فيسبوك» و«غوغل» وعمالقة التكنولوجيا ليتصدر «الترند» والأحاديث، عبر مواقع التواصل الاجتماعي مرة أخرى، في أعقاب اتهامات بـ«الاستحواذ والتلاعب في البحث». وبينما رفعت «لجنة التجارة الفيدرالية» الأميركية وأكثر من 45 مدعياً عاماً بالولايات المختلفة دعوى قضائية ضد «فيسبوك» تتهمه بـ«ممارسات غير قانونية للاستحواذ وشراء شركات مماثلة للحد من المنافسة»، رفع نحو 40 مدعياً عاماً أميركياً دعوى قضائية ضد «غوغل»، بتهمة «التلاعب في نظام البحث الخاص به لخدمة منتجات موقع الشركة، وتحقيق أفضلية على المنافسين، ومنع المستخدمين من مشاهدة الخيارات الأفضل عند البحث عن مطاعم أو فنادق أو أي شيء آخر».
الدعويان ضد «فيسبوك» و«غوغل» أثارتا تساؤلات تتعلق بإمكانية تغيير سياسات «فيسبوك» و«غوغل»، أو الحد من نفوذهما، أو حتى تقسيمهما، كما حدث من قبل مع شركة «بارامونت». وفي حين يرجح خبراء إعلام وصحافيون أن «يكون السبب وراء إثارة قضايا منع الاحتكار في مجال التكنولوجيا الآن هو إقدام (فيسبوك) على شراء عدد من الشركات الصغيرة في السنوات الأخيرة؛ ما يحد من المنافسة»، قال خبراء آخرون إنه «من الصعب التكهن بحجم تأثير هذه القضايا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ من الطبيعي أن تكون هذه التطبيقات محل تقدم أو تراجع». في حين أكد مراقبون أن «الأحداث السياسية المتلاحقة، وضعت هذه الشركات تحت المجهر، وهو ما سيستمر في المستقبل».
الدكتور يوتام أوفير، أستاذ الإعلام بجامعة ولاية نيويورك الأميركية، يقول إن «هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها شركات إعلامية قضايا من هذا النوع»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «التاريخ الأميركي مليء بقضايا مماثلة، لعل أشهرها القضية ضد شركة (بارامونت بيكتشرز) عام 1948». وأضاف أن «المؤسسات الإعلامية عادة ما تتجه لعمليات تسمى بالتعزيز أو التقوية، عبر الاندماج مع شركات، أو الاستحواذ على أخرى، ما يؤدي لخلق ما يُعرف بـ(مجموعة)، التي هي شركة كبيرة تمتلك عدة شركات صغيرة»، لافتاً إلى أن «هذه السياسات مثلها مثل أي ممارسة احتكارية أخرى، تتسبب في الحد من تنوع وحرية الإعلام».
وحقاً، تُعد قضية «بارامونت بيكتشرز» واحدة من أطول عمليات التقاضي؛ إذ رُفعت القضية عام 1928 ضد الشركة، وسبعة من كبرى استوديوهات الأفلام في هوليوود بتهمة انتهاكها «قوانين مكافحة الاحتكار». واستمرت القضية حتى أصدرت «المحكمة العليا الأميركية» حكمها ضد «بارامونت» في مطلع مايو (أيار) عام 1948. وعلى الأثر، وقعت الشركات على اتفاق يقضي بـ«منع الممارسات الاحتكارية المتعلقة بحجوزات الأفلام في دور العرض». وطُلب منها «التخلي عن بعض دور العرض الخاصة بها، كي يُتاح للمنتجين المستقلين منافسة الشركات الكبرى».
أوفير يرجح أن يكون «السبب وراء إثارة قضايا منع الاحتكار في مجال التكنولوجيا الآن، هو شراء (فيسبوك) عدداً من الشركات الصغيرة خلال السنوات الأخيرة، ما يحد من المنافسة، بالإضافة إلى وضع مواقع التواصل الاجتماعي تحت الرقابة، وتتبع خطواتها فيما يتعلق بحماية خصوصية البيانات والحد من المعلومات الخاطئة، وهي قضايا تؤكد ضرورة تقنين عمل هذه المؤسسات».
وللعلم، كانت شركة «فيسبوك» قد استحوذت على «إنستغرام» عام 2012. ثم اشترت «واتساب» عام 2014. وقالت «فيسبوك» في معرض ردها على القضية إن «الحكومة الأميركية تريد إعادة النظر في اتفاقات أقرتها منذ سنوات، من دون أن تأخذ في الاعتبار تأثير ذلك على الاقتصاد والمجتمع والناس التي تستخدم هذه المنتجات يومياً». وذكرت «فيسبوك» أنها «استثمرت ملايين الدولارات لإنجاح (إنستغرام) و(واتساب)، وستدافع عن نفسها بقوة»، مضيفة أن «قانون مكافحة الاحتكار يهدف إلى حماية المستهلك، وتعزيز الابتكار، لا معاقبة الشركات الناجحة».
وحول ما يحمله المستقبل، يرى أوفير أنه «من الصعب التكهن بحجم تأثير هذه القضايا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمن الطبيعي أن تكون هذه التطبيقات محل تقدم أو تراجع، و(فيسبوك) يشهد خلال الفترة الأخيرة تراجعاً في بعض المجتمعات، كما اختفت تطبيقات مثل (ماي سبيس) و(فاين) وغيرهما، وظهرت تطبيقات أخرى، مثل (تيك توك) و(بارلر)»، قبل أن يقول إنه «من المحتمل أن تتأثر (فيسبوك) كشركة في بعض نفوذها في الصناعة؛ لكن يصعب التكهن بحجم تأثير ذلك على باقي المنصات التي تملكها مثل (إنستغرام)». وأنهى أوفير كلامه بالقول إن «الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في الأحداث السياسية حول العالم وضع مواقع شركة (فيسبوك) وغيرها من التطبيقات، تحت رقابة صارمة، وهذا سيستمر خلال الفترة المقبلة». من جانبه، يقول توماس جورجيسيان، الصحافي المتخصّص في الشأن الأميركي، لـ«الشرق الأوسط» إن «القضية ضد (فيسبوك) تثير التساؤلات حول مصير هذه الشركة، وهل ستتنازل عن بعض نفوذها؟». ثم أشار إلى أن «(واتساب) ما زال خدمة مجانية، مع أن (فيسبوك) اشترته بمبلغ كبير منذ سنوات... فهل ستضطر للتخلي عنه؟». واستطرد أن «إثارة القضية الآن يرجع لنشاط من جانب النشطاء في مجال حماية المستهلك ومنع الاحتكار، إضافة إلى أن مثل هذه القضايا تدر مكاسب مالية كبيرة؛ فهي تتعلّق بواحدة من أهم الصناعات في العصر الحالي».
ويرى جورجيسيان أن «مثل هذه القضايا طويلة الأمد، ولن نشهد تطورات في العام المقبل... هذه القضايا لن تُحسم بسرعة، كما أنه لا يمكن القول إنها ستنتهي لصالح (فيسبوك) و(غوغل) وغيرهما من الشركات أم ضدها، فهناك كثير من المساحات الرمادية؛ لكن المؤكد أن النقاش سيستمر لوضع قواعد لـ(لعبة السوشيال ميديا)، بحجة حماية المستهلك، وسط محاولات لفرض الرقابة عليها سياسياً». ويختم جورجيسيان كلامه بتوقعه أن «تشهد الفترة المقبلة قضايا مماثلة ضد (أمازون) وغيرها من عمالقة التكنولوجيا».
في هذه الأثناء، يعلّق آدم كوهين، مدير السياسات الاقتصادية بـ«غوغل»، على الأمر، بقوله إن «خدمة البحث عبر (غوغل) مصممة لإظهار أقرب النتائج لموضوع البحث، ومحاولة إعادة تصميم نظام البحث بالطريقة التي تطلبها القضية ستؤثر على جودة نتائج البحث، ما يضر بالمستخدمين والمستهلكين والصناعة». في حين يقول الكاتب الصحافي ستيفن بيرلستين، في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: «القضيتان ضد (فيسبوك) و(غوغل) بمثابة الفرصة الأخير لحماية الاقتصاد الأميركي من الاحتكار... والدعاوى المتعلقة بمكافحة الاحتكار تُعد اعترافاً بالفشل في حماية الاقتصاد».
للتذكير، تأتي القضيتان ضد «فيسبوك» و«غوغل» استكمالاً لعملية مراقبة ومتابعة لنشاطات مواقع التواصل الاجتماعي، على مدار العامين الماضيين، حين أصدرت لجنة فرعية لمكافحة الاحتكار تابعة للجنة القضائية بالكونغرس الأميركي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تقريراً من 450 صفحة، استغرق إعداده 16 شهراً. وذكرت اللجنة في التقرير أن شركات التكنولوجيا العملاقة الأربع: «غوغل» و«أمازون» و«آبل» و«فيسبوك» تعمل كـ«حارس بوابة» بالنسبة لسوق التكنولوجيا، وتستغل قوتها لفرض مزيد من الهيمنة على سوق التكنولوجيا... وطالبت اللجنة بكبح جماح هذه الشركات، التي تزيد قيمتها السوقية على خمسة تريليونات دولار.


مقالات ذات صلة

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».