«كورونا» يُربك الوسط الفني والإعلامي في مصر

يسرا وكرارة والإبراشي أبرز من أعلنوا إصاباتهم

الفنان أمير كرارة
الفنان أمير كرارة
TT

«كورونا» يُربك الوسط الفني والإعلامي في مصر

الفنان أمير كرارة
الفنان أمير كرارة

أربك تصاعد الإصابات بـ«كوفيد- 19» بين صفوف الممثلين والمذيعين المصريين، الوسط الفني والإعلامي المصري، لا سيما أن بعض المصابين كانوا مرتبطين ببرامج منوعات وبرامج إخبارية يومية وحفلات غنائية في موسم رأس السنة، فضلاً عن التزام آخرين بمواعيد تصوير أعمال سينمائية ودرامية.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية، أعلن عـــــــــــدد من النجوم عن إصابتهم بـ«كورونا» عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحذير مخالطيهم، والكشف عن سبب غيابهم عن الشـــاشـــــة.
وأعلن الفنـان أمير كرارة عن إصابته بـ«كوفيد- 19»، مســـــــاء الخميس الماضي، وكتب على صفحته الرسمية على «إنســـــــتغرام»: «أجريت مسحة طبية ثانية اليوم وأثبتت إصابتي بـ(كــــــورونا)... برجاء من تعامل معي أن يتوخى الحيطة وادعـــــوا لي بالشـــــفاء».
وجاء ذلك بعد إثارة كرارة الجدل عقب الإعلان عن إلغائه تصوير برنامجه «سهرانين» يوم الجمعة الماضي، لشعوره بالإجهاد الشـــــديد بعد قضاء 23 ساعة متواصلة في تصوير مسلســــل «نســـل الأغراب»، ونفى كرارة في البدايــــة إصابته بـ«كورونا» بعد سحب العينة الأولى، قبل أن يؤكد إيجابية إصابته في المسحة الثانية.
مسلسل «نسل الأغراب» بطولة كرارة وأحمد السقا ومي عمر، ودياب، وفردوس عبد الحميد، ونجلاء بدر، وإدوارد، وأحمد مالك، وأحمد داش، وأحمد فهيم، وإنجي المقدم، ومن المقرر مشاركته في ماراثون دراما رمضان المقبل.
كما أعلن المنتج جمال العدل إصابته بالفيروس، وقال في تصريحات صحافية أول من أمس، إنه يخضع للعزل المنزلي، ويعاني من بعض المتاعب الصحية.
جاء ذلك في الوقت الذي اعتذر فيه المطرب المصري «أبو» عن تقديم الحفلات التي كان من المقرر إحياؤها خلال موسم رأس السنة في مصر، إثر إصابته بـ«كوفيد- 19»، وكتب على صفحته الرسمية على «إنستغرام»، صباح أمس: «إلى جمهوري العزيز... أعتذر عن عدم قدرتي على إحياء حفلة الليلة نظراً لظروف مرضي بعدوى (كورونا)».
كما قالت الفنانة يسرا على صفحتها الرسمية على «فيسبوك» إنها أصيبت بالفيروس، مساء أول من أمس، موجهة الشكر لكل من حاول الاطمئنان على صحتها، قبل ظهورها في وقت متأخر من مساء الجمعة في حلقة مسجلة ببرنامج «أبلة فاهيتا»؛ حيث ظهرت يسرا في كامل فقرات الحلقة التي حضرها عشرات في الاستوديو، وظهر فيها كثير من الضيوف من دون كمامات واقية، ورجَّح متابعون إصابة يسرا خلال تسجيل الحلقة الأسبوع الماضي، لا سيما أنها قدمت فقرة غنائية جماعية من دون ارتداء كمامة.
واستأنفت بعض البرامج المصرية التي يحضرها الجمهور عملها بعد أشهر من الامتناع عن دعوة الجمهور إلى الاستوديو، خوفاً من العدوى، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية.
ويطالب خبراء مصريون بتطبيق الإجراءات نفسها التي اتبعتها الحكومة المصرية في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، للحد من تفشي العدوى في البلاد؛ خصوصاً بعد تجاوز عدد الإصابات المعلن عنها رسمياً في مصر حاجز الألف إصابة خلال الساعات الأخيرة، بالتزامن مع ارتفاع أعداد الوفيات التي بلغت 49 حالة وفاة بـ«كورونا» مساء أول من أمس.
من جهتها، أعلنت المخرجة إيناس الدغيدي إصابتها هي أيضاً، وأسرتها بفيروس «كورونا».
كما شهد الوسط الإعلامي إصابة المذيع وائل الإبراشي بالفيروس، بعدما تغيب عن برنامجه «التاسعة» الذي يقدمه كل مساء على شاشة التلفزيون المصري الذي قدمته بدلاً منه الإعلامية نجوى إبراهيم.
كما أعلن الإعلامي يحيى حمزة، مقدم البرامج الرياضية بقناة «أون تايم سبورتس»، إيجابية مسحة فيروس «كورونا» المستجد.
وكانت الإعلامية دينا عبد الكريم، مقدمة برنامج «التاسعة»، أعلنت أيضاً إصابتها بفيروس «كورونا» في وقت سابق أيضاً.
وقال الإبراشي في مداخلة تلفزيونية في البرنامج الذي غاب عنه بسبب إصابته بـ«كورونا»: «أشعر بأعراض الإنفلونزا نفسها، ولدي آلام متوسطة وحرارة متوسطة»، وأضاف أن طبيعة عمله تجعله يقابل كثيراً من الناس ويحتك بهم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)