4 أفلام منخفضة التكلفة تنقذ موسم «رأس السنة» في مصر

أبرزها «ريما» و«صابر وراضي» و«وقفة رجالة»

لقطة من فيلم «حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل
لقطة من فيلم «حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل
TT

4 أفلام منخفضة التكلفة تنقذ موسم «رأس السنة» في مصر

لقطة من فيلم «حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل
لقطة من فيلم «حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل

اكتملت ملامح موسم رأس السنة السينمائي في مصر، بعد إعلان 4 جهات إنتاجية عن طرح أفلامها فيه، والتي تُصنف على أنها متوسطة أو منخفضة التكلفة، وسط أجواء من القلق والحذر في ظل ازدياد إصابات وباء «كورونا» بمصر.
ويأتي في مقدمة هذه الأفلام، فيلم «ريما» بطولة مايا نصري ومحمد ثروت، إذ أعلن منتجه عمرو طنطاوي ومايا نصري عبر صفحاتهما الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن طرحه في موسم رأس السنة في مصر، وعدد من الدول العربية. وكذلك فيلم «حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وأمينة خليل وإخراج أمير رمسيس، الذي من المقرر عرضه يوم 30 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وهو العمل الذي حصلت به إلهام شاهين على جائزة أحسن ممثلة في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بالإضافة إلى فيلم «صابر وراضي» بطولة أحمد آدم، وفيلم «وقفة رجالة».
ويرى معتز حسام الدين، مخرج فيلم «ريما» أن طرح فيلمه في موسم رأس السنة كان أمراً ضرورياً؛ لأن الفيلم تم تأجيله أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة بسبب الجائحة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن تستمر دور العرض في العمل، فهناك بعض الأفلام التي تم طرحها وسط الجائحة من قبل ولاقت نجاحاً، ومن الوارد أن يتحقق هذا مجدداً».
وأعلن المنتج أحمد السبكي عن طرح فيلم «صابر وراضي» بطولة أحمد آدم ومحسن محيي الدين ورزان مغربي يوم 30 ديسمبر الجاري، بالإضافة إلى فيلم «وقفة رجالة» بطولة ماجد الكدواني وسيد رجب وبيومي فؤاد وشريف دسوقي ومحمد سلام، وسيتم طرحه يوم 6 يناير (كانون الثاني) المقبل.
ورغم مخاوف العودة للإغلاق بسبب ازدياد تفشي الوباء، فإن موزعين سينمائيين من بينهم محمود دفراوي، يرون أن طرح هذه الأفلام في موسم رأس السنة، لا ينطوي على مجازفة، ويقول دفراوي لـ«الشرق الأوسط»: «المجازفة تعني الخوف من وقوع خسائر كبيرة؛ لكن الواقع يقول إن هذه الأفلام قليلة أو متوسطة التكلفة، وبالتالي لا يأمل المنتجون في حصد إيرادات ضخمة منها، حتى لو كانت الظروف العامة طبيعية».
وأضاف: «أنا اعتبر طرح هذه الأفلام نوعاً من جس نبض السوق والجمهور، لدراسة إمكانية طرح أفلام مرتفعة التكلفة نسبياً عنها في موسم إجازة نصف العام مثلاً؛ لأنه لو حدث ما لا يحمد عقباه فالخسارة لن تكون كبيرة، ويكون عندها المنتجون قد قرروا ما الذي سيتخذونه حيال الأفلام الأعلى تكلفة نسبياً».
ومنذ عيد الأضحى الماضي، تم طرح عدد من الأفلام السينمائية، من بينها «الصندوق الأسود» بطولة منى زكي، والذي حقق نحو 8 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري) في 7 أسابيع، وفيلم «خان تيولا» بطولة وفاء عامر ونضال شافعي، وحقق في أسبوعين نحو مليون جنيه، و«عفريت ترانزيت» بطولة محمد ثروت وبيومي فؤاد وحقق مليونين و100 ألف جنيه في 6 أسابيع، و«الخطة العايمة» بطولة علي ربيع ومحمد عبد الرحمن وغادة عادل، والذي حصد إيرادات تقدر بـ9 ملايين ونصف مليون في 10 أسابيع.
أما الموزع المصري لؤي عبد الله، فوصف المشهد السينمائي في مصر بـ«الكارثي»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأعمال قليلة التكلفة، ولا يوجد بها نجوم (سوبر ستار) وبالتالي لا يوجد حافز لدى الجمهور لدخول دور العرض، وحتى الأفلام التي طرحت منذ عيد الأضحى الماضي لم تحقق إيرادات جيدة، ولكنها مبالغ مالية تكفي لتسيير دور العرض ودفع تكاليفها، فضلاً عن تعطل دورة الإنتاج السينمائي المصري».
وقد نجح فيلم «زنزانة 7» بطولة نضال شافعي وأحمد زاهر في تحقيق إيرادات 8 ملايين و300 ألف على مدار 13 أسبوعاً، وفيلم «توأم روحي» بطولة حسن الرداد وأمينة خليل الذي حصد إيرادات 13 مليوناً و800 ألف في 17 أسبوعاً، وأخيراً فيلم «الغسالة» بطولة هنا الزاهد وأحمد حاتم الذي حصد إيرادات 15 مليون جنيه على مدار 20 أسبوعاً.
وقد تراجع عدد من المنتجين عن طرح أفلامهم في موسم الكريسماس، على غرار فيلم «جارة القمر» لمنتجه أحمد السبكي، وبطولة ياسمين رئيس وكريم فهمي، وفيلم «ثانية واحدة» للمنتج محمد السبكي وبطولة دينا الشربيني ومصطفى خاطر، وفيلم «أحمد نوتردام» بطولة رامز جلال وغادة عادل وإنتاج وليد صبري.
يذكر أن موسم رأس السنة السينمائي في العام الماضي شهد عرض عدد من الأفلام التي حققت إيرادات كبيرة، ولعل أبرزها: «الفلوس» بطولة تامر حسني وزينة محققاً حوالي 40 مليون جنيه في 6 أسابيع، و«بنات ثانوي» بطولة جميلة عوض وهنادي مهنا، محققاً حوالي 5 ملايين ونصف في أول 4 أسابيع من طرحه، كما تم طرح أفلام «لص بغداد» بطولة محمد عادل إمام وياسمين رئيس، و«يوم وليلة» بطولة خالد النبوي، و«بيت ست» و«دفع رباعي».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)