هدية العيد في لبنان... اختبار «كورونا»

اتخذت منحى آخر بعيداً عن الأعوام الماضية

تغيب هدايا العيد من إكسسوارات وأزياء وعطور لتحل مكانها أخرى رمزية
تغيب هدايا العيد من إكسسوارات وأزياء وعطور لتحل مكانها أخرى رمزية
TT

هدية العيد في لبنان... اختبار «كورونا»

تغيب هدايا العيد من إكسسوارات وأزياء وعطور لتحل مكانها أخرى رمزية
تغيب هدايا العيد من إكسسوارات وأزياء وعطور لتحل مكانها أخرى رمزية

انقلاب ملحوظ يخيم على لَمّة العيد، هذه السنة، وكذلك على الهدايا التي تواكبها. فما يعيشه اللبنانيون اليوم في مناسبة الأعياد لا يشبه أياً من الأعوام الماضية؛ فلا مائدة العيد ولا هداياه ولا الجمعة التي كانت تتوّجها يمكن تشبيهها بتلك التي اعتادوها منذ فترة قريبة.
فشراء الهدايا التي كانت من أولويات اهتمامات اللبنانيين في هذه المواسم، غاب بشكل لافت ليأخذ منحى آخر يواكب الأزمة الاقتصادية والجائحة التي يعيشون في ظلّهما. فلقد ضاق صدر اللبنانيين بأزمات متتالية مروا بها، وانعكست سلباً على أسلوب حياتهم. وعدا الأزمة الاقتصادية التي يتخبطون فيها، فهم يعيشون حالة إحباط نتيجة انفجار بيروت وانتشار الجائحة. فخيم على أجواء احتفالات العيد عنوان واحد طبّقته الغالبية يقول: «السنة خلّينا بلا هدايا».
ومن رغب في أن يمشي عكس التيار ويشتري هدايا رمزية ليس أكثر لجأ إلى الأسواق والمحلات الإلكترونية أو إلى مراكز تجارية تناسب جيبه بأسعار بضائعها.
فبهذه الطريقة يوفّرون على أنفسهم عناء البحث في الأسواق وزحمتها، فيكونون في مأمن من الوباء. كما يستطيعون اكتشاف الفروق بالأسعار بين محل وآخر بكبسة زر؛ فيختارون ما يناسب ميزانيتهم.
كانت نوعية الهدايا في الأعوام الماضية تشمل إكسسوارات ومجوهرات وأزياء وحقائب. وكذلك إقامة في بيوت ضيافة وبطاقات سفر يهديها الأحبة لبعضهم البعض في هذه المناسبة. تغيب هذه اللائحة عن مشهدية العيد هذه السنة لتحلّ مكانها هدايا من نوع آخر تواكب الحالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي يعيشونها.
التغيرات هذه أيضا لامست لمّة العائلة والتي باتت تنحصر بأفراد العائلة الواحدة؛ فاجتماع الأهل مع الأجداد والأحفاد بالعشرات وتحت سقف واحد لا تنصح به منظمة الصحة العالمية. ووزارة الصحة في لبنان كثّفت إعلاناتها التوعوية، عبر شاشات التلفزة وأثير الإذاعات وتنصح بالتباعد الاجتماعي بكل معاييره.
ميا فغالي أم لولدين رأت في التسوق الرقمي أفضل وسيلة تعتمدها في هذا الموسم. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السنة تبدلت أمورنا تماماً، وبدل أن أنزل الأسواق قبل أسابيع من موعد العيد أبحث وأفتش عما يرغب به أولادي من هدايا وألعاب اكتفيت بالتسوق عبر الإنترنت. فهنا يمكنني أن أرى الفرق بالأسعار بين محال وأخرى من دون أن أتكبّد عناء البحث لأيام». أما رلى ليان التي التقيناها في إحدى المراكز التجارية المعروفة في بيروت فقالت: «لا مجال للتسوق وشراء الهدايا فهنا يحسبون الأسعار بالدولار، ويحولونها إلى الليرة وفق عملية الدفع التي يختارها الزبون. فالسعر يتبدّل إذا ما قررت أن تدفع مباشرة (كاش) باللبناني أو الدولار أو من خلال بطاقة اعتماد مصرفية».
زحمة الناس وهم يحملون أكياس الهدايا، كما في السابق أصبحت مشهداً نادراً في المراكز التجارية. فهم باتوا يخرجون منها كما دخلوها دون شراء.
أما علي الذي يعمل في محل معروف ببيع الأزياء النسائية يقول: «المشهد برمته تغير تماماً عن الأعوام الماضية. هناك تراجع ملحوظ في القدرة الشرائية لدى زبائننا، لا سيما أن سعر البنطال مثلا أصبح يوازي المليون ليرة، إذا ما كان بـ100 دولار. وهو بالنسبة للبناني بات كثيراً».
الهدايا من إكسسوارات وأكواب وأدوات ديكور التي تضفي طابعاً شخصياً عند المتلقي هي الأكثر رواجاً في موسم الأعياد هذه السنة، وتنطوي هذه الهدايا تحت قائمة «الغادجيت». وإلى جانب الوسادات الملونة ودببة الريش وعلب الشوكولاته الصغيرة التي تحمل اسم الشخص المهدى إليه، هناك أيضا أنواع صابون موضبة في صندوق خشبي صغير حُفِر عليها اسم الصديق أو القريب تشكّل هدية مناسبة لكثيرين بأسعار معقولة. أما ساعات اليد والحقائب والأحذية والأزياء الغالية الثمن فغابت تماماً بعد أن صار ثمنها بالعملة الصعبة لا يمكن توفيره بسهولة.
بعض العائلات اتفقت عشية العيد أن تطبّق طريقة سحوبات «سيكريت سانتا» (Secret Santa) لشراء الهدايا. وتقول باميلا: «وجدنا فيها طريقة توفر علينا كثيراً من المصاريف. فكل منا يسحب ورقة كتب عليها اسم شخص واحد يكون مسؤولاً عن تقديم هدية له. وبذلك نوفّر على أنفسنا شراء هدايا لكل أفراد العائلة». سلال القش المنمنة الحاضنة لأكياس صغيرة من الفواكه المجففة أو من المونة اللبنانية تزدهر في أسواق العيد وفي معارض تُقام خصيصاً في المناسبة.
أما الهدايا التي تواكب حالة الوباء التي نعيش فيها فتشهد بدورها رواجاً ملحوظاً. وهي تتنوع ما بين الأدوية والمستحضرات التجميلية الصيدلانية والكريمات وعلب الكمامات وسوائل التعقيم.
حسومات على اختبار «بي سي آر» تروج أيضاً في مناسبة الأعياد. فبعض المختبرات والمستشفيات الداخلية الصغيرة فتحت باب إجراء هذه الفحوصات لأفراد العائلة الواحدة بنصف السعر المتداول عادة. وتعلّق نتالي التي أبت إلا أن تجمع عائلتها الكبيرة على مائدة العيد في منزلها: «لقد قررنا أن نقوم بالاختبار، ومن ثم نحجر أنفسنا لكي نجتمع معاً مطمئنين. والحسومات التي تقدمها المختبرات وبعض المستشفيات جاءت مناسبة جداً لنا، وسمحت لنا بالاحتفال بالعيد مجتمعين».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».