2020... سينما مصرية حاصرتها الجائحة ونجوم رحلوا

«الجونة» و«القاهرة» و«الموسيقى العربية» تمرّدت على العزلة

جانب من ختام مهرجان القاهرة السينمائي
جانب من ختام مهرجان القاهرة السينمائي
TT

2020... سينما مصرية حاصرتها الجائحة ونجوم رحلوا

جانب من ختام مهرجان القاهرة السينمائي
جانب من ختام مهرجان القاهرة السينمائي

لم يكن عام 2020 استثنائياً في مصر لأنّه شهد جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على معظم مناحي الحياة فيها وفي جميع أنحاء العالم وحسب، بل لأنّه شهد رحيل فنانين مصريين بارزين بعد صراعات مريرة مع أمراض عدة، كان من بينها «كوفيد - 19»، كما تأثرت صناعة السينما المصرية بالجائحة، وإيراداتها جاءت هزيلة جداً، مقارنة بأفلام كسرت حاجز الـ100 مليون جنيه للمرة الأولى في تاريخ السينما المصرية العام الماضي.
وعلى الرّغم من أجواء العزلة التي فرضت نفسها على الفعاليات الفنية كافة في الكثير من دول العالم، فثمّة مهرجانات سينمائية ومسرحية وموسيقية مصرية نجحت في كسر عقدة «كورونا»، واجتذبت آلاف المتابعين بفضل الأفلام الجديدة والإطلالات الجريئة لبعض الفنانات، والحفلات المهمة لبعض نجوم الطرب العربي.
سيطرت أجواء الحزن على الوسط الفني المصري خلال فترات متعدّدة على مدار عام 2020، مع رحيل نحو 20 سينمائياً مصرياً بارزاً، بداية من شهر يناير (كانون الثاني)، مع وفاة الفنانة ماجدة الصباحي عن عمر ناهز 89 سنة، بعد صراع مع أمراض الشيخوخة، وكانت تقيم في منزلها بصحبة ابنتها غادة نافع. كما شهد الشهر ذاته رحيل الفنانة نادية رفيق عن 84 سنة، بعد صراع مع المرض، وفي فبراير (شباط) غادرتنا الفنانة نادية لطفي عن عمر ناهز 83 سنة، وطيلة سنواتها الأخيرة قضتها في المستشفى، كما توفي الكاتب المسرحي لينين الرملي الذي كان واحداً من أهم الكتاب المسرحيين، في الشهر نفسه أيضاً.
وفي شهر مارس (آذار) توفي الفنان جورج سيدهم عن 82 سنة بعدما ظل مختفياً وبعيداً عن الأضواء لسنوات طويلة إثر إصابته بجلطة أثرت على حركته، كما توفي الفنان أحمد دياب في منتصف شهر أبريل (نيسان) 2020.
ورحل الفنان إبراهيم نصر في شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي شهد تألقه على الشاشة عبر برامجه الكوميدية، الذي وافق شهر مايو (أيار) عن عمر ناهز الـ70 سنة.
وبعده بأيام رحل الفنان حسن حسني إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة، ليترك ما يقرب من 500 عمل فني تنوعت بين السينما والمسرح والتلفزيون، وأثار رحيله حزن الوسط الفني والجمهور لحضوره البارز الذي لطالما تمتع به على الشاشة ومشاركته في عدد كبير من الأعمال الدرامية والسينمائية، وهو ما تكرر في شهر يوليو (تموز) عندما أُسدلت الستار على دراما إصابة وفاة الفنانة رجاء الجداوي بفيروس كورونا، ورحيلها بعد صراع طويل مع الفيروس، قبل أن يرحل بعدها بأيام قليلة الفنان محمود رضا مؤسسة «فرقة رضا» الاستعراضية.
وشهد شهر أغسطس (آب)، رحيل الفنان والمخرج الكبير سناء شافع عن عمر ناهز 77 سنة، إثر صراع مع المرض، وبعد رحيله بساعات أُعلن عن وفاة الفنان سمير الاسكندراني، ومن بعده الفنانة شويكار التي أصاب خبر رحيلها الكثير من المتابعين ومحبي السينما المصرية بالحزن الكبير لمشوارها السينمائي والمسرحي الحافل بالعديد من الأعمال المميزة، وفي سبتمبر (أيلول)، رحل الفنان المنتصر بالله، الذي عانى لسنوات طويلة من مرض أبعده عن الأضواء.
وفي منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول)، رحل الفنان المصري الكبير محمود ياسين، عن عالمنا بعد صراعه الطويل مع المرض في سنوات عمره الأخيرة. وفي السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، توفي الفنان فايق عزب، إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد وفيروس مارسا.
ويعتبر نقاد مصريون من بينهم الدكتورة سامية حبيب، أستاذة النقد في المعهد العالي للنقد الفني، أنّ «رحيل العديد من الفنانين والكتاب المصريين في عام 2020، خسارة فادحة لعالم الفن والإنسانية أيضاً؛ لأنّهم دخلوا إلى كل البيوت المصرية والعربية عبر الشاشة وارتبط الجمهور بهم من خلال مشاهد قوية أثرت في وجدانهم، فالفنان الحقيقي بمثابة فقد وطني، وليس فقداً شخصياً؛ لأنّه يمثل بلده، فأنا كنت شاهدة على الاحتفاء بالفنانين المصريين خارج مصر، وبالتالي فرحيلهم يحزن الجميع».
وتقول حبيب في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، «قبل عامين كنت أزور صديقة لي في أحد مستشفيات القاهرة، وعندما علمت بوجود الفنانة مديحة يسري به، زرتها من دون سابق معرفة بيننا، ورحبت بي بشدة، كأنّها تعرفني منذ مدة طويلة، وكانت هذه المقابلة مؤثرة في حياتي، وهذا يشير إلى أنّ الفنانين مؤثّرون في حياتنا».
وبسبب الجائحة عانت صناعة السينما المصرية على مستوى حجم الإنتاج والعرض والإيرادات، إذ لم تحقّق بعض الأفلام إيرادات عكس ما كان يراهن عليه بعض المنتجين الذين كانوا يطمحون إلى كسر حالة الجمود عبر طرح أفلام قليلة التكلفة، وهو ما دفع بمنتجين آخرين إلى التراجع عن عرضها في المواسم السينمائية الكبرى خلال عام 2020، وعرضها على المنصات الرقمية.
ومع ذلك، فإن حبيب ترى أنّ الكثير من المؤسسات الفنية المصرية نجحت في التمرد على الجائحة، ونظمت فعاليات فنية دُولية حقق بعضها مردوداً إيجابياً للغاية على غرار مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان الجونة ومهرجان الموسيقى العربية، ومهرجان المسرح التجريبي، بالإضافة إلى تنظيم عروض مسرحية منتظمة على مسارح الدّولة التي حقّقت تفاعلاً جماهيرياً مناسباً.
وتشير حبيب إلى أنّ مصر كان لديها إرادة حقيقية لاستعادة الحياة الفنية رغم الجائحة، فهي من الدول القليلة في المنطقة التي نظّمت مهرجانات سينمائية ومسرحية وموسيقية، بجانب فعاليات أخرى على غرار الندوات واللقاءات الفنية المتنوعة. لافتة إلى أنّ «المصريين يعشقون الفنون، لا سيما بعدما شهد عام 2020، زخماً لافتاً على مستوى عرض الأعمال الدرامية على المنصات الرقمية، وكان من أبرزها مسلسل (ما وراء الطبيعة) على منصة (نتفليكس) العالمية»، وترى حبيب أنّها خطوة جيدة على طريق وصول الأعمال المصرية للعالمية.
ووفق نقاد، فإنّ إدارة مهرجان القاهرة السينمائي نجحت في تقديم أفلام مميزة للجمهور في مختلف المسابقات، حيث تم عرض 83 فيلماً من 48 دولة، من بينها 20 فيلماً في عرضها العالمي الأول، و7 أفلام في عروضها الدولية الأولى، و52 فيلماً في عرضها الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونجح ملتقى القاهرة في تقديم دعم للأفلام العربية بلغ قيمته 250 ألف دولار لأفلام قيد التطوير وما بعد الإنتاج.
وشهدت «السجادة الحمراء» حضوراً مكثّفاً للنجوم طوال أيام المهرجان، في استعراض لافت للأزياء، وظهرت النجمات بإطلالات تباينت بين الجرأة والنعومة، وهو ما حدث في مهرجان الجونة السينمائي بمحافظة البحر الأحمر (جنوب شرقي القاهرة)، الذي شبّه انتشال التميمي، مدير المهرجان، الدورة الرابعة منه بـ«سباق الحواجز، الذي كلما تغلبوا على عائق خلاله، كان عليهم أن يواصلوا التغلب على عقبات جديدة»، مشيراً إلى أنّه كان يتوقع أن تكون فعاليات الدورة الرابعة أقل من السابقة بسبب الظروف الجارية، لكنّها جاءت متكاملة وتفوقت على الدورات الأخرى.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)