فنانون أعادوا تصميم أوروبا بعد أن مزقتها الحرب

صورة الملصق الانتخابي للحزب الشيوعي الألماني في انتخابات جمهورية فايمار عام 1928
صورة الملصق الانتخابي للحزب الشيوعي الألماني في انتخابات جمهورية فايمار عام 1928
TT

فنانون أعادوا تصميم أوروبا بعد أن مزقتها الحرب

صورة الملصق الانتخابي للحزب الشيوعي الألماني في انتخابات جمهورية فايمار عام 1928
صورة الملصق الانتخابي للحزب الشيوعي الألماني في انتخابات جمهورية فايمار عام 1928

لا تثمر أوقات الحرب والعداء أعمالاً فنية رائعة تلقائياً. ودعونا اليوم نودع الضجة التي عاودت الظهور خلال وبعد انتخابات عام 2016. التي مع اقتراب رئاسة دونالد ترمب من نهايتها، تبدو منحسرة إلى حد كبير. قد تؤدي أزمة ما لتكون مصدر إلهام للرؤية التي تنتهجها في الحياة، ولكن يمكنها كذلك وبالسهولة نفسها أن تمحيها. والمؤكد أن الارتقاء إلى مستوى تحديات عصر يسوده القلق يتطلب قدراً كبيراً من الطموح وقوة التحمل والبسالة.
هذه هي الخاتمة التي خلص إليها معرض «المهندس والمحرض والبنَاء: إعادة اكتشاف الفنان»، معرض جديد متميز تحتضنه جدران متحف الفن الحديث، وتملأ أرجاءه ملصقات ومجلات وإعلانات وكتيبات من حقبة سابقة سادتها الاضطرابات. تنتمي القطع الموجودة في المعرض إلى 100 عام ماضية بالضبط، وتعتبر بمثابة عرض عام لأعمال فنانين من مناطق متنوعة من موسكو إلى أمستردام فتحوا أعينهم على قارة أعادت الحرب والثورة تشكيل ملامحها. وجاءت التطورات السريعة في تكنولوجيا الإعلام لتجعل تدريبهم الأكاديمي القديم يبدو عديم الفائدة. وعاش هؤلاء الفنانون تحت وطأة زلزال سياسي واجتماعي هائل.
وعندما ضرب الزلزال ماذا فعل هؤلاء الفنانون؟ أعادوا التفكير في كل شيء، ورفضوا الاستقلالية التي عادة ما يدعيها الفن الحديث لنفسه. كما غمسوا أعمالهم الفنية في حوار عميق مع السياسة والاقتصاد والنقل والتجارة. ومن وجهة نظر هؤلاء الفنانين الرواد، لم يكن ثمة أمر تلقائي. وقد حملوا على عاتقهم إعادة صياغة فنون الرسم والتصوير والتصميم كنوع من وظائف الأشغال العامة.
يبدأ «المهندس والمحرض والبناء: إعادة اكتشاف الفنان» بعرض أكثر عن 300 عمل تنتمي إلى مجموعة يملكها ميريل سي. بيرمان، مستشار مالي قضى الأعوام الـ50 الأخيرة في جمع ما يمكن وصفه بأنه أرقى مجموعة فنية خاصة تتعلق بفن الرسم في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. وتجعل هذه الإضافة من متحف الفن الحديث (إلى جانب متحف أمستردام) المعقل الرئيسي في العالم لأعمال الرسم الفنية الأوروبية خلال حقبة ما بين الحربين.
إضافة لذلك، يطرح المعرض أسماء مجموعة من الفنانات، من بينهن فنانتا الملصقات السوفياتيتان الجريئتان آنا بوروفسكايا ماريا بري بين، وكذلك الفنانة البولندية تيريزا زارنور والمصممة الهولندية فري كوهين. وبصورة إجمالية، تشكل الأعمال التي أبدعتها أنامل سيدات قرابة ثلث المعروضات، ما يعتبر من المنظور التاريخي نسبة كبيرة.
بوجه عام، تتحرك مقتنيات المعرض، تقريباً، من الشرق إلى الغرب، ذلك أنها تبدأ من الاتحاد السوفياتي، البطل بلا منازع للابتكار الفني بعد الحرب العالمية الأولى، حيث انخرط الفنانون البنائيون في ثورة فنية كبرى وأعادوا تسمية أنفسهم كمنظمين ودعائيين وداعين إلى التغيير. بعد ذلك، ينتقل المعرض إلى بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا والنمسا، ومن بعدهم ألمانيا وهولندا. وكان حضور التصميم الفرنسي خافتاً يتمثل فقط في بعض كتيبات اللحام. أما نقطة الضعف الأكثر بروزاً فهي إيطاليا.
الآن، تخيل أنك فنان شاب في روسيا الإمبراطورية، نشأ على نظام غذائي بصري من البورتريه والرسومات الدينية وصور الحدائق الغناء. وفجأة عام 1917 أطيح بالقيصر، وتأسست جمهورية مؤقتة أسقطها لينين قبل نهاية العام. وانزلقت روسيا في حرب أهلية. وفي ذلك الوقت، لم يكن هذا مصير بلدك فقط، وإنما بدت البشرية جمعاء على المحك. بالطبع في تلك الظروف، ستسارع للانضمام إلى مجموعة «أنوفي»، التي عرفت بأنها تضم «رواد الفن الحديث»، الذين كانوا يتشاركون في صنع الملصقات واللافتات والملابس مثل العمال داخل المصانع.
وفي ذلك الوقت، شرع الفنانون في تبني أشكال فنية مجردة جديدة، بهدف بناء مجتمع جديد تماماً. يضم المعرض ملصقين ينتميان إلى حركة «أنوفي» غير موقعيْن (ربما من إبداع شاب بولندي مغترب في روسيا). ويعيد الملصقان تصوير الأشكال الهندسية المجردة التي صاغها كازيمير ماليفيتش قبل الثورة الروسية مباشرة، لتتحول إلى صورة كبيرة الحجم مغطاة بالمباني في جميع أرجائها. وتظهر دوائر حمراء ومربعات سوداء على جدران مكتب التليغراف وجوانب عربات الترام. أما المعنى الذي تحويه هذه الصيغة الجديدة المحيرة: «يا عمال العالم، اتحدوا».
عندما تشتعل ثورة، لا يمكن للفنان أن يبقى بمنأى عنها، «وإنما يتعين عليه أن يتحول إلى شخصية عامة ومتخصص في العمل السياسي والثقافي مع الجماهير»، حسبما ذكر غوستاف كلوتسيس، الذي ربما يمثل أعظم المصممين خلال الحقبة السوفياتية على الإطلاق.
جدير بالذكر أن كلوتسيس ينتمي إلى منطقة ريفية في لاتفيا، وانضم إلى حركة «أنوفي» بعد الثورة، وبمرور الوقت أصبح واحداً من أجرأ فناني التصوير السريالي على مستوى أوروبا، واعتاد لصق صور جنود ورياضيين وستالين بمقاييس شديدة التناقض وخلفيات شديدة التباين.
والمؤكد أن العنصر الأكثر روعة في المجموعة التي يملكها بيرمان، وتُعرض داخل جدران متحف الفن الحديث، يكمن في النسخة الأصلية من لوحة القص واللصق التي تحمل عنوان «كهربة الدولة بأكملها»، وهي واحدة من الصور المركبة التي أبدعها كلوتسيس. وعند إمعان النظر في الصورة، ستجد أن الفنان لصق رأس لينين على جسم مختلف تماماً ليجعله يبدو شديد الضخامة. وفي الصورة، يتمايل لينين عبر دائرة رمادية مثالية، مغطاة بمربع أحمر، بينما تحمل موجات الراديو عبارة: «رجل جديد يسير نحو عالم جديد».
وفي هذا الصدد لا بد من ذكر أن المعرض يضم 16 عملاً لكوتسيس، وإن كان المثير هنا اكتشاف أعمال الفنانين الأقل شهرة، بما في ذلك زوجة كلوتسيس، فالنتينا كولاجينا. في واحدة من أعمالها التي يعود تاريخها إلى عام 1929، تطلق آلة اللحام رمادية اللون التي رسمتها كولاجينا بزاوية ديناميكية بلغت 40 درجة، شرارات أمام ناطحة السحاب (هي في واقع الأمر صورة لديترويت!) وشبكة من الدعامات البيضاء والرمادية التي تمتد إلى السماء. وعند أقدام آلة اللحام، توجد كتل سكنية بيضاء، تبدو أشبه بصورة من الأحلام لمدينة لا نهائية. وهناك لافتة تحمل تعليقاً يصرخ: «نحن نبني»!
كانت كولاجينا واحدة من العديد من النساء السوفيات اللائي اعتنقن دوراً جديداً للفنانة كبروليتارية ثورية. من جهتها، صممت فارفارا ستيبانوفا العديد من أغلفة المجلات مع صور معاد صياغتها لأبطال الجيش الأحمر. كما جمعت إلينا سيمينوفا وليديا نوموفا رسوماً بيانية وشريطية وصوراً مقطوعة لملصقات إعلامية عن عضوية نقابات عمالية أو كفاءة المصانع، في تصور للبيانات لا بد أنه يترك خبراء جداول البيانات اليوم في حالة ذهول. أيضاً، صممت سيمينوفا نموذجاً أولياً لصالة في النادي البروليتاري، مع نوافذ تمتد على الجدران وكرسي سطح مخططة باللون الأزرق للاسترخاء بعد يوم في المصنع.
وبمرور الوقت، أفسح انفجار الرؤى الجديدة في الاتحاد السوفياتي، بحلول منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، الطريق أمام الجمود الاستبدادي. وأصبحت الواقعية الاشتراكية الأسلوب الفني الرسمي الوحيد للبلاد، وأُعدم كلوتسيس، بناءً على أوامر ستالين عام 1938.
في المقابل، كان لهؤلاء الفنانين السوفيات المبدعين نظراء بين المصورين الألمان اليساريين، مثل جون هارتفيلد الذي صمم ملصقاً للحزب الشيوعي خلال حقبة فيمار تظهر بها يد عامل عملاقة رخوة مستعدة لفهم مستقبله، وللإمساك به، أو خنق شخص رأسمالي.
* خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.