مطالبات في العراق بالعودة عن قرار خفض سعر صرف الدينار

البرلمان يدعو إلى جلسة طارئة يحضرها وزير المالية ومحافظ «المركزي»

وقفة احتجاجية ضد الإجراءات المالية الحكومية في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
وقفة احتجاجية ضد الإجراءات المالية الحكومية في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

مطالبات في العراق بالعودة عن قرار خفض سعر صرف الدينار

وقفة احتجاجية ضد الإجراءات المالية الحكومية في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
وقفة احتجاجية ضد الإجراءات المالية الحكومية في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)

تتواصل تداعيات قرار خفض سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار (1145 ديناراً لكل دولار) الذي اتخذه البنك المركزي العراقي، أول من أمس، بطلب من وزارة المالية العراقية. وتقول الحكومة إن ذلك جاء لأسباب تتعلق بإصلاح الاقتصاد وتجاوز الأزمة المالية والتقليل من حجم العجز في الموازنة العامة للبلاد.
في غضون ذلك، دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب، حسن الكعبي، أمس الاثنين، إلى جلسة «طارئة» بحضور رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي لـ«الوقوف على تداعيات الارتفاع المفاجئ لسعر صرف الدولار، وتقديم الضمانات اللازمة لحماية الطبقات الهشة والفقيرة وذوي الدخل المحدود».
شعبياً، استمرت الانتقادات الموجهة لإجراءات الحكومة العراقية، وشهدت أسواق الجملة والبورصة في شارع «الكفاح» ومنطقة الشورجة مركز الحركة التجارية وسط بغداد، ركوداً وتراجعاً في حركة البيع والشراء، كما يؤكد تاجر الجملة أحمد عباس لـ«الشرق الأوسط». ويقول عباس إن «حركة البيع والشراء شبه معطلة، والأسواق فارغة من الزبائن والمتبضعين. البضائع شهدت ارتفاعاً طفيفاً بسبب انخفاض سعر الدينار. هناك قلق وتوجس يمنع الناس من ممارسة أعمالها كالمعتاد». ويضيف: «لعل أغرب ما حدث اليوم (أمس الاثنين) في سوق البورصة بشارع (الكفاح)، أن الدولار يباع باقل من 7 نقاط تقريباً عن سعره الرسمي الذي يبيع به البنك المركزي، ولعل ذلك ناجم عن توقعات بتراجع الحكومة والبنك عن قرار تغيير سعر الصرف».
وفي حين نظم المئات وقفات احتجاجية في ساحة التحرير وسط بغداد ومحافظات أخرى مطالبين الحكومة بالتراجع عن قرار خفض سعر الدينار، تتحدث لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، عن إمكانية تراجع الحكومة عن قرارها. وقال عضو اللجنة فلاح الخفاجي لوكالة الأنباء العراقية: «نحن أعضاء مجلس النواب، لدينا توجه لإرجاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار العراقي إلى 120 أو أكثر بقليل». وأضاف أن «زيادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، المستهدف منه هو الشريحة الفقيرة المتدنية جداً، وهي من يتضرر بهذا الصعود. هنالك زيادة بأسعار المواد الغذائية، وبقية الأسعار التي ستؤثر على الطبقات الفقيرة من المواطنين في المجتمع».
وأقر محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب مخيف، في مقابلة تلفزيونية أمس، بالضرر الذي سيلحق بـ«الطبقات الاجتماعية الهشة» من ارتفاع سعر صرف الدولار. وقال إن «أزمة (كورونا) أثرت على اقتصادات الدول ومنها العراق، ووزارة المالية هي من طلب زيادة سعر صرف الدولار إلى 1450 ديناراً، والبنك الدولي طالب في عام 2014 برفع سعر الدولار إلى 1500 دينار». وذكر أن «رخص سعر الصرف للدولار في العراق أدى إلى استقطاب دول الجوار عليه».
وفي محاولة على ما يبدو لامتصاص النقمة الشعبية والتقليل من حدة الانتقادات الموجهة لقرارات حكومته، رفض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، (الأحد)، مقترح تخفيض مخصصات الموظفين الحكوميين الوارد في مقترح قانون الموازنة الاتحادية، خصوصاً صغار ومتوسطي الدرجات الوظيفية.
وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت حكومة الكاظمي قادرة على تجاوز عاصفة الانتقادات المتواصلة وتتراجع عن قرارها، أم إنها ستتمسك به على آمل تراجع العاصفة مع مرور الوقت. وفضلاً عن الانتقادات التي تؤكد على إمكانية تضرر الطبقات الفقيرة من مسألة تغيير سعر الدينار، تركز بقية الانتقادات على ضعف الحكومة في محاسبة مافيات الفساد، وضبط المنافذ الحدودية، وإيقاف عمليات تهريب النفط، التي تسببت في أضرار فادحة لاقتصاد البلاد، وقيامها بدلاً من ذلك باستهداف الفئات الشعبية البسيطة العاملة في القطاعين العام والخاص.
وفي هذا الاتجاه، يقول النائب وعضو «تحالف القوى العراقية» ظافر العاني، إن «الجميع طالب الحكومة بمحاربة الفساد، فإذا بها تحارب الشرفاء». وذكر في تغريدة عبر «تويتر»، أمس، أن «قرار خفض العملة وخفض الرواتب لن يتضرر منه إلا شرفاء الموظفين الذين يتعيشون على مرتبهم، ويمهد الطريق لاستشراء الرشى... أجواء تذكرنا بأعوام الحصار الاقتصادي التي أصابت طبقة الموظفين وحدهم وحطمت كيان الدولة».
وهاجم زعيم «ائتلاف الوطنية» إياد علاوي، أمس، قرار الحكومة ووصفه بـ«الخاطئ، ويضر بالأسر العراقية بشكل خطير».
أما رئيس مجلس الأعمال الوطني داود زاير، فعدّ أن «قرار تغيير سعر الصرف كان يجب أن يُتخذ منذ سنوات لتقليل استيراد السلع غير الاقتصادية والرديئة، فتغيير سعر الصرف حالة صحية للدينار العراقي، وهو قرار صائب من وزارة المالية، لكنه خاطئ في التوقيت والإجراءات». وأضاف زاير في تصريحات: «لا توجد قدسية لسعر الدولار، فهو يتغير حسب المعطيات، وهناك جهات مستفيدة من انخفاض سعر الدولار وهي تتحكم بذلك». وتابع أن «الفروقات ستقلل أرباح المحتكرين والتجار للسنة المقبلة، كما أن أرباح شركات الصيرفة ستنخفض كثيراً، ولا يمكن أن تكون ثروة العراق بيد كهنة المعبد وبعض المستفيدين».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».