«بهاجيجو وشركاه»... زيارة فنية للعصر الذهبي للكاريكاتير المصري

معرض يضم عشرات الأعمال لـ94 رساماً

بورتريه للفنان الراحل مصطفى حسين
بورتريه للفنان الراحل مصطفى حسين
TT

«بهاجيجو وشركاه»... زيارة فنية للعصر الذهبي للكاريكاتير المصري

بورتريه للفنان الراحل مصطفى حسين
بورتريه للفنان الراحل مصطفى حسين

يستعيد 94 فناناً وفنانة أجواء العصر الذهبي لفن الكاريكاتير في مصر عبر المعرض الجماعي «بهاجيجو وشركاه» المقام حالياً بغاليري «أبونتو» حتى الثاني من يناير (كانون الثاني) المقبل.
يضم المعرض أكثر من مائتي عمل تمثل مدارس واتجاهات تاريخية وفنية متعددة، بداية من الفنان المصري الأرمني ألكسندر صاروخان (1898 – 1977) صاحب شخصية «المصري أفندي» الشهيرة والتي جعل منها مدخلاً للاشتباك الساخر مع القضايا الاجتماعية، وانتهاءً بالفنانة الشابة دعاء العدل التي تتبنى قضايا التحيز ضد المرأة في العديد من أعمالها.
وما بين صاروخان والعدل، تتنوع القضايا التي يشتبك معها الفنانون فنجد البورتريه الكاريكاتوري بملامحه المبالغ فيها عند جورج بهجوري حين يرسم شخصيات مثل أم كلثوم فتشعر أنه يعيد اكتشاف الشخصية من منظور طفولي مرح، بينما يبرع محيي الدين اللباد (1940 – 2010) في «البورتريه الذاتي»، فضلاً عن مهاجمة تغلغل الرشى في المصالح الحكومية في عهود سابقة، بينما يجسد إيهاب شاكر (1933 – 2019) بحساسية فائقة عدم العدالة في النظام العالمي، حيث تستحوذ قلة من الدول على الثروات بينما ترزح بقية الأمم تحت مجاعات وفقر شديد.
ويشير «بهاجيجو» إلى اسم التدليل لواحد من جيل الرواد في هذا الفن، وهو بهجت عثمان (1931 – 2001) الذي اشتهر أيضاً باسم «بهجاتوز». ويعد بهجت عثمان من أساتذة فن الكاريكاتير السياسي، لا سيما في فترة السبعينات، حيث اشتهر بمعارضته عبر رسوماته سياسات الرئيس المصري الراحل أنور السادات، كما ابتكر العديد من الشخصيات الكاريكاتورية الشهيرة مثل «بهجاتوس» و«بهاجيجو الحكيم»، ولم تقتصر تجربته على القضايا السياسية، بل امتدت لرسومات الأطفال، لا سيما في مجلتي «سمير» و«علاء الدين» المصريتين، و«ماجد» و«العربي الصغير» الخليجيتين. وبحسب سمير عبد الغني، أحد الفنانين المشاركين في المعرض، فإن فن الكاريكاتير يتعرض حالياً لحملة تهميش متعمدة، حيث يشهد تراجعاً متزايداً في الصحف القومية والمواقع الإخبارية لأسباب غير مفهومة، فلقد قامت شهرة العديد من تلك المؤسسات، سواء كانت قومية أو خاصة على رسومات هذا الفن الساخر المفعم بطاقة الغضب والمرح، مضيفاً في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعرض جاء كنوع من رد الاعتبار لفن عظيم ومحاولة لمقاومة التهميش المنظم له، حيث بات بالفعل ومن دون أي مبالغة فناً مهدداً بالانقراض في مصر».
ولا يقتصر التكريم في هذا المعرض على «بهجت عثمان»، وإنما يمتد كذلك إلى بدر حمادة، رفيقة دربه وشريكة حياته، فنانة العرائس الكبيرة التي رحلت عن عالمنا في عام 2000 والتي استطاعت تصميم عدد من الشخصيات الشهيرة في عالم الدمى استطاعت ترسيخ مفهوم الهوية العربية في مواجهة طوفان من شخصيات ديزني لاند العالمية.
ويمكن تصنيف الفنانين المشاركين إلى ثلاثة أجيال، فهناك الجيل المؤسس الذي يشمل صاروخان وسانتيس الذي وضع البذرة الأولى بداية من ثلاثينات القرن الماضي، وهناك جيل الرواد، ويشمل الأخوين حسن ومحمد حاكم، وزهدي العدوي، وصلاح جاهين، ورخا، واللباد، ورؤوف عياد، والليثي، ومحمد عفت، ورجائي ونيس، وأخيراً الجيل الأحدث ويشمل العديد من الأسماء. ويثمّن سمير عبد الغني الدور البارز الذي تلعبه الجمعية المصرية للكاريكاتير في دعم هذا الفن، عبر تنظيم سلسلة من المعارض الجماعية، ويعد «بهاجيجو وشركاه» مجرد حلقة في هذه السلسلة وكان قد سبقه معرض جماعي بدار الأوبرا احتفى بفنان الكاريكاتير محمد عفت.
ورغم أن وباء كورونا ألقى بظلاله على هذا الحدث، حيث تم إلغاء حفل الافتتاح، كما لا يُسمح بدخول أي زائر إلا بعد ارتداء الكمامة والخضوع لعملية تعقيم إجبارية، فإن المعرض يشهد إقبالاً كبيراً؛ ما يؤكد المكانة الخاصة التي لا يزال يحظى بها هذا الفن في قلوب محبيه، بحسب منظمي المعرض.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».