هل تكشف حاويات النفايات الإيطالية ملف فساد في تونس؟

حاويات في ميناء سوسة التونسي (أ.ف.ب)
حاويات في ميناء سوسة التونسي (أ.ف.ب)
TT

هل تكشف حاويات النفايات الإيطالية ملف فساد في تونس؟

حاويات في ميناء سوسة التونسي (أ.ف.ب)
حاويات في ميناء سوسة التونسي (أ.ف.ب)

كيف أمكن لنفايات من منطقة في جنوب إيطاليا الوصول إلى تونس التي تواجه مشاكل في التخلص من نفاياتها؟ يُطرح هذا السؤال بشكل واسع في تونس، خصوصاً أن المئات من الحاويات التي تم حجزها تخفي شبهات بشأن ملف فساد كبير تعززت مع توقيف وزير البيئة السابق ومسؤولين حكوميين كبار، اليوم (الاثنين).
ومنذ أن حجزت الجمارك التونسية في مرفأ سوسة (شرق) سبعين حاوية كبيرة، ثم 212 حاوية مماثلة بعد أيام قليلة في بداية صيف 2020، تتبادل وزارة البيئة من جهة والجمارك التونسية من جهة أخرى التهم، وتتقاذف الجهتان المسؤولية، كما يُنظر للسلطات الإيطالية على أنها تتحمل كذلك جزءاً منها.
وبدأت تداعيات القضية تطال مستويات عليا في الدولة. وأُقيل وزير البيئة مصطفى العروي مساء (الأحد)، وأُوقف مع 12 مسؤولاً آخر (الاثنين).
وفي تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أوضح جابر الغنيمي، المتحدث باسم المحكمة الابتدائية في سوسة (شرق) المكلفة القضية (الاثنين)، أنه تم في الإجمال توقيف 12 شخصاً تحفظياً، بينهم مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، ومدير ديوان وزارة البيئة، ومديرون في الوكالة الوطنية لحماية المحيط، ومسؤولون في الجمارك، وصاحب مختبر كيميائي خاص.
علاوة على ذلك، استُدعي 12 شخصاً للمثول أمام النيابة (الاثنين)، ومن بينهم وزير البيئة الأسبق شكري بلحسن، وقنصل تونس في نابولي (جنوب إيطاليا) بيّة بن عبد الباقي.
وتحمل الحاويات شحنات من النفايات المنزلية يحظر على تونس توريدها وعلى البلدان الأوروبية تصديرها إلى البلدان الأفريقية، بموجب القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تصنفها «خطرة».
وتم توريد النفايات من جانب شركة تونسية تدعى «سوريبلاست» بعد أسابيع قليلة من استئناف نشاطها في مايو (أيار) الفائت بعد توقف طويل، وهي تحمل ترخيصاً لإعادة تدوير النفايات الصناعية من مادة البلاستيك المخصصة للتصدير.
وأبلغ قسم الاتصال في وزارة البيئة «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الوزير المقال مصطفى العروي «أكد أنه لم يوقّع أي وثيقة» ترخّص الشروع في توريد نفايات.
وحاولت «وكالة الصحافة الفرنسية» مرات عدة الاتصال بصاحب شركة «سوريبلاست»، لكنها لم تتمكن من ذلك، وهو صار مطلوباً للقضاء ويوجد «في حالة فرار منذ فتح القضية»، وفق المتحدث القضائي.
وفي المقابل، حصلت «وكالة الصحافة الفرنسية» على نسخة من طلب مبدئي من الشركة التونسية. فبالتزامن مع وصول الحاويات، طلبت الترخيص لتستورد «موقتاً (...) نفايات من البلاستيك بعد تصنيع غير خطير» من أجل «إجراء عمليات الفرز والتدوير وإعادة التصدير للأراضي الأوروبية».
لكن العقد الموقع بين «سوريبلاست» والشركة الإيطالية يقر بشكل واضح بأن «الهدف هو الحصول على نفايات وإتلافها لاحقاً» في تونس.
ويؤكد مصدر في الجمارك التونسية أن هذه الوثائق تكشف أن «سوريبلاست» قدمت معلومات مغلوطة حول طبيعة البضائع التي وردتها.
وتم توقيع العقد مع شركة إيطالية في مدينة نابولي هي «سفيليبو ريسورسي امبينتالي»، المتخصصة في جمع النفايات في مدينة كامبانيا (جنوب). ولم تحصل «وكالة الصحافة الفرنسية» على توضيح من هذه الشركة رغم محاولات عديدة. وتتضمن نسخة من الوثيقة التي حصلت عليها الوكالة اتفاقاً على إتلاف 120 ألف طن في تونس كحد أقصى مقابل 48 يورو للطن الواحد وبمجموع يتجاوز خمسة ملايين يورو (6.11 ملايين دولار).
وفي الثامن من يوليو (تموز) تقرر حجز الحاويات في مدينة سوسة لإرجاعها إلى إيطاليا، وفقاً للمسؤول الجمركي. لكن منذ ذلك التاريخ لا تزال الحاويات في مكانها.
ويمثل التعامل مع النفايات إحدى المشاكل التي تواجه السلطات في تونس. وحسب تقرير للبنك الدولي، فإن 61 في المائة من نفايات العاصمة يتم يجمعها ووضعها في مساحات مكشوفة.
وحذر الإنتربول في تقرير صدر في أغسطس (آب) من الارتفاع الكبير لشحنات نفايات البلاستيك غير القانونية منذ العام 2018.


مقالات ذات صلة

العالم العربي مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

في خطوة غير مسبوقة أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حرباً لمواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام وملاحقة المتهمين في الداخل والخارج.

علي ربيع (عدن)
آسيا متظاهرون مؤيدون ليون يتجمعون خارج المقر الرسمي للرئيس الكوري الجنوبي المعزول (رويترز)

انفتاح الأزمة الكورية الجنوبية على المزيد من الفصول التصعيدية

عادت الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع والشرطة نشرت 3 آلاف من عناصرها في منطقة مكتب الرئيس تحسباً لمواجهات محتملة.

شوقي الريّس (بروكسيل )
المشرق العربي نتنياهو في قاعة المحكمة بتل أبيب للإدلاء بشهادته في محاكمته بتهم الفساد (أ.ب)

نتنياهو في الجلسة السادسة لمحاكمته: الاتهامات الموجهة ضدي واهية

انطلقت محاكمة نتنياهو قبل نحو أسبوعين، في حدث استثنائي في إسرائيل باعتباره أول رئيس وزراء (في منصبه) يقف متهما في قاعة محكمة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
آسيا متظاهرون يطالبون بتوقيف الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في تجمع نظمته رابطة الفلاحين الكوريين في جنوب سيول (إ.ب.أ)

الرئيس الكوري الجنوبي يرفض مجدداً مذكرة استدعاء إلى التحقيق

رفض الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول، للمرة الثانية، مذكرة الاستدعاء التي أرسلتها وكالة مكافحة الفساد، للتحقيق في محاولته فرض الأحكام العرفية.

«الشرق الأوسط» (سيول)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.