السعودية وروسيا لمواصلة العمل على توازن سوق النفط

عبد العزيز بن سلمان أكد أن {الشراكة بين البلدين أقوى من أي وقت مضى}

الأمير عبد العزيز بن سلمان وألكسندر نوفاك خلال المؤتمر الصحافي في الرياض أمس (تصوير: سعد الدوسري)
الأمير عبد العزيز بن سلمان وألكسندر نوفاك خلال المؤتمر الصحافي في الرياض أمس (تصوير: سعد الدوسري)
TT

السعودية وروسيا لمواصلة العمل على توازن سوق النفط

الأمير عبد العزيز بن سلمان وألكسندر نوفاك خلال المؤتمر الصحافي في الرياض أمس (تصوير: سعد الدوسري)
الأمير عبد العزيز بن سلمان وألكسندر نوفاك خلال المؤتمر الصحافي في الرياض أمس (تصوير: سعد الدوسري)

أكدت السعودية وروسيا عزمهما مواصلة العمل في توازن سوق النفط، في الوقت الذي شدد فيه البلدان على أهمية التعاون بين منظمة أوبك والدول المنتجة غير الأعضاء، وذلك كآلية مهمة لدعم استقرار أسواق النفط العالمية.
كما أكد الطرفان تعزيز التعاون في 9 محاور رئيسية، في حين كشف الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، عن اتفاق مع الجانب الروسي على عقد اجتماع بشأن سوق النفط في 4 يناير (كانون الثاني) المقبل، على أمل انعقاد اجتماع اللجنة الحكومية السعودية الروسية المشتركة في مارس (آذار) المقبل حضورياً.
وجاءت تلك التأكيدات في مؤتمر صحافي مشترك لوزير الطاقة السعودي أمس في الرياض، مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، في إطار اللجنة السعودية الروسية المشتركة، في وقت تطرق فيه الطرفان لتعزيز التعاون بمجالات الصناعة، والفضاء، وتقنيات المعلومات والاتصالات.
وشدد الاجتماع على التزام البلدين بميثاق التعاون بين الدول المنتجة للبترول، الذي وقّعه وزير الطاقة السعودي ونظيره وزير الطاقة الروسي، بحضور قيادتي البلدين، في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لأنه يوفّر منصة متميزة للحوار والتعاون بين الدول المنتجة للبترول، على المستوى الوزاري والتقني، لما فيه صالح الدول المنتجة والمستهلكة للبترول، وكذلك الاقتصاد العالمي.
وأكد اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة في الرياض أمس، على أهمية الإطار الاستراتيجي السعودي الروسي، للمواءمة بين الاستراتيجيات الوطنية للبلدين، ومواصلة العمل على توسيع التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي والاستثماري بين البلدين في إطار صيغ التعاون الثنائي.
ولفت إلى مشاركة الطرفين كمشاركين رئيسين لاتفاق أوبك بلس، وللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج، بفاعلية التعاون الثنائي الاستباقي بين البلدين، وكذلك تعاونهما الثنائي، والتعاون المتعدد الأطراف مع البلدان المشاركة الأخرى، في تعزيز استقرار أسواق البترول العالمية، خلال جائحة «كوفيد 19»، مع التأكيد على أهمية التزام الدول المشاركة بالاتفاق، وخفضها إنتاجها، وتعويضها عن الكميات الزائدة الإنتاج، حسب مقتضى الاتفاق، وأهمية الاستمرار في مراقبة السوق، عن كثب، والعمل، بشكل استباقي، مع تعديل حجم الإمدادات تدريجياً، ووفقاً لمتطلبات السوق، لتسريع عودة التوازن إليها.
وأكد الطرفان على تعزيز التعاون الثنائي، في مجال الطاقة، بين الجهات ذات العلاقة في مجالات الزيت والغاز، والكهرباء، وكفاءة الطاقة، والطاقة البديلة، وتقديم الدعم للتغلب على أي تحديات تواجه هذا التعاون، مع التأكيد على أهمية تنفيذ البيان المشترك بشأن الطاقة والمناخ، الذي تم التوقيع عليه في عام 2018، والتنسيق بشأن القضايا والمبادرات المتعلقة بتغير المناخ، بما في ذلك الاقتصاد الدائري للكربون، وتقنيات الطاقة النظيفة، التي تركز على الانبعاثات، ووقود الطيران الأقل كربونا - المُستخلص من الزيت - في منظمة الطيران المدني الدولي.
وشددا على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الصناعة، والفضاء، وتقنيات المعلومات والاتصالات، والتنمية الحضرية، والتمويل والمصارف، والنقل، والتعليم والثقافة، والقطاعات الأخرى.
وقال الأمير عبد العزيز بن سلمان: «سنعزز التعاون الثنائي في كامل نطاق النشاط الاجتماعي والاقتصادي، ابتداء من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة كالفضاء وتقنية المعلومات والاتصالات، وانتهاءً بالتعاون في التعليم وتبادل المعرفة والأنشطة الثقافية»، مشيراً إلى أن الشراكة بين البلدين أقوى من أي وقت مضى، وسيجعلها هذا اللقاء أشمل وأدوم.
وزاد: «إن علاقة دولتينا هذه الأيام لتمتد إلى ما هو أبعد بكثير من الطاقة، فإطار التعاون الاستراتيجي السعودي الروسي رفيع المستوى الذي وقعته الدولتان في أكتوبر العام الماضي يمثل مواءمة كاملة لاستراتيجياتنا الوطنية»، وأضاف: «الصندوقان السياديان لبلدينا: صندوق الاستثمارات العامة وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، على تواصل مستمر ونشط لتقويم فرص الاستثمار على جميع الأصعدة بما يخدم مصالحنا المشتركة، ونحن الآن بصدد إنهاء إنشاء ممثليات وملحقيات تجارية في موسكو والرياض».
وتابع: «مثل هذه الاجتماعات أصبحت نادرة للأسف في عام 2020، لكننا اضطررنا إليها لمواجهة جائحة (كوفيد - 19)، وإني لأرجو أن تكون مثل هذه الاجتماعات أكثر شيوعاً في العام المقبل»، مشيراً إلى أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخية لروسيا في أكتوبر 2017، تعد معلما بارزا في العلاقات بين الدولتين، التي أثمرت عن توسيع تلك العلاقات وتعزيزها، «لا سيما خلال زيارة فخامة الرئيس فلاديمير بوتين للمملكة العام الماضي».
وتابع وزير الطاقة السعودي: «استجابتنا السريعة في أبريل (نيسان) الماضي، في تنظيم أكبر خفض لإمدادات النفط في التاريخ، في وقت كانت الجائحة قد أثرت كثيراً في الطلب العالمي، كانت محورية في وصولنا إلى ما نحن عليه اليوم، طريق إلى الانتعاش المستدام في أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي. إن اتفاقية أوبك بلس، وجميع الدول المشاركة فيها، تستحق الثناء على الدور الحاسم الذي لعبته في المساعدة على تحقيق ذلك».
وزاد: «أود أن أعرب هنا عن بالغ الشكر الخاص لروسيا، لقد وقفتم مع السعودية جنباً إلى جنب، ليس فقط خلال المفاوضات الصعبة لاتفاق أوبك بلس في 2020، بل كذلك خلال مداولات قمة مجموعة العشرين التي رأستها المملكة. فبدءاً من الاجتماع الحاسم لوزراء الطاقة لدول مجموعة العشرين في أبريل، حتى توقيع البيان الختامي في نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي أيد الاقتصاد الكربوني الدائري بصفته استراتيجية رئيسة لمواجهة تغير المناخ، كنا دوماً نستطيع الاعتماد على التأييد الثابت من روسيا».
وقال الأمير عبد العزيز: «كلي ثقة بأن هذا التأييد والتفاهم سيستمر في الشهور المهمة القادمة، حيث يجب أن يُخفَف بشيء من الحذر ذلك التفاؤل المصاحب لتوزيعات اللقاح المتسارعة. إن سوق النفط العالمي ما زال يعيش جوانب كثيرة من الغموض، وعلينا أن نكون براغماتيين واستباقيين ومرنين لضمان انتعاش مستدام لسوق النفط»، مشيراً إلى أن اللجنة المشتركة، ساهمت في تسريع وضع المبادرات المشتركة في عدد من القطاعات، حيث أطلقت الدورة السادسة للجنة المشتركة التي عقدت في موسكو في يونيو (حزيران) من العام المنصرم 108 مبادرات موزعة على 22 مشروعاً بصفتها جزءاً من خارطة الطريق 2017 - 2020 التي تقترب من استيفاء أهدافها.
من جهته، أوضح ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن بلاده وضعت مع السعودية خريطة طريق للتعاون المشترك، مبيناً أن بلاده وضعت مع السعودية خططاً بشأن سوق النفط بعد انتهاء الجائحة، مشيراً إلى أن التعاون مع السعودية يهدف إلى استقرار سوق النفط عالمياً، لافتاً إلى التوقيع على اتفاقيات عدة بقيمة 5 مليارات دولار، ومشيراً إلى أن الزيارات المتبادلة بين موسكو والرياض دليل على مستوى التعاون.



السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.