واشنطن تخفّض المزيد من موظفيها في العراق

مع اقتراب «الذكرى الأولى» لاغتيال سليماني والمهندس

TT

واشنطن تخفّض المزيد من موظفيها في العراق

بعد أن قلّصت وزارة الخارجية الأميركية عدد موظفيها في سفارتها في بغداد، اتجهت إلى خفض آخر في أعداد الموظفين التابعين لوكالة المساعدات والتنمية الأميركية، وهو إجراء استباقي للسلامة وحماية موظفيها وذلك بسبب التهديدات التي قد تتلقاها البعثات الدبلوماسية الأميركية في العراق من الميليشيات التابعة لإيران، في الذكرى الأولى لاغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي اغتالته طائرة درون قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري.
وأوردت تقارير إعلامية أن خفض الأعداد الرسمية للدبلوماسيين الأميركيين ربما يضر بالمساعدات المخصصة للعراق التي تقدّر بنحو مليار دولار، وهي ضمن برنامج المساعدات الخارجية، مبينةً أن خفض الأعداد بلغ نصف إجمالي عدد الموظفين الأميركيين في العراق.
وحسب مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، فإن هذه الخطوة التي أصدرتها وزارة الخارجية، لن تترك سوى أربعة موظفين يعملون بدوام كامل في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، بالإضافة إلى الموظفين المعينين محلياً في السفارة لمراقبة مئات الملايين من الدولارات من برامج المساعدات الخارجية.
وقال عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين من مساعدي أعضاء الكونغرس المطلعين على الأمر للمجلة، إنّ مَن بقوا من الدبلوماسيين والموظفين لن يتمكنوا من ضمان تمويل المساعدات بشكل صحيح دون سوء الإدارة أو الكسب غير المشروع (السرقة) من تلك المساعدات، في حين وصف البعض القرار بأنه سريع وربما يقوّض استقرار العراق ويفتح فراغاً لإيران ووكلائها لكسب المزيد من النفوذ في البلاد.
وقال أحد مساعدي مجلس الشيوخ المطلعين على الأمر: «إذا أرادت إيران خروجنا من العراق ونحن نرحل تحت الضغط، فإننا نمنحهم ما يريدون، وهذا يعكس الإحباط المتزايد في الكونغرس بشأن طريقة تعامل الإدارة مع الشرق الأوسط».
بوجا جونجونوالا، الناطقة باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، علّقت على قرار التخفيض بأنه يعود إلى مخاوف أمنية، لكنها قالت إن الوكالة «تعدّل باستمرار موقفها في السفارات والقنصليات في جميع أنحاء العالم، اعتماداً على المهمة والأمن المحلي، وموسم الإجازات»، مؤكدة أن هذا الخفض في أعداد الموظفين لن يؤثر على الموظفين العراقيين المحليين، كما جلبت الوكالة مراقبين من طرف ثالث متعاقد معهم لمحاولة ضمان المساءلة عن مشاريعها.
وتعد هذه الموجة الثانية من عمليات سحب الموظفين في سفارة الولايات المتحدة في بغداد، بعد أن أمرت إدارة الرئيس دونالد ترمب بمغادرة الدبلوماسيين وموظفي الإغاثة العام الماضي، مما قلل بشكل كبير من حجم الموظفين وترك أقل من 20 مسؤولاً في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والقرار الأخير سيترك أقل من 100 موظف للقيام بالأعمال الرئيسية بدوام كامل.
يُذكر أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تلعب دوراً مهماً في المهام الأميركية الشاملة في سوريا والعراق، والتي تأخذ على عاتقها دعم السكان المحليين في العراق وسوريا، وتجلب حسن النية تجاه الولايات المتحدة في الدول التي تساعدها، إذ خصصت الولايات المتحدة نحو 960 مليون دولار من المساعدات للعراق في السنة المالية 2019، و197 مليون دولار في السنة المالية 2020 حتى الآن، وفقاً لبيانات من الوكالة.
ويتزامن الانكماش الدبلوماسي والمساعدات في العراق مع انسحاب عسكري في اللحظة الأخيرة من المنطقة، فخلال الأسابيع الأخيرة لترمب في منصبه، يبدو أن إدارته تحاول تقليص حملتها لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، مع خفض وزارة الدفاع للقوات في العراق وأفغانستان ورحيل كبار المسؤولين الذين ينسقون تلك الحملات، وبعد توجيه رئاسي سيخفّض الجيش الأميركي عدد القوات في العراق من 3000 إلى 2500 بحلول 15 يناير (كانون الثاني).



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.