سنوات السينما

جووَل ماكراي (على اليمين) وراندولف سكوت في «مسدسات بعد الظهر»
جووَل ماكراي (على اليمين) وراندولف سكوت في «مسدسات بعد الظهر»
TT

سنوات السينما

جووَل ماكراي (على اليمين) وراندولف سكوت في «مسدسات بعد الظهر»
جووَل ماكراي (على اليمين) وراندولف سكوت في «مسدسات بعد الظهر»

Guns in the Afternoon
(1962)
****
عالم متغير وصداقة تدوم
لجانب «الزمرة المتوحشة» (1969) و«بات غارِت وبيلي ذا كِد» (1973)، «مسدسات بعد الظهر» مكانة خاصّة لدى هواة أفلام الوسترن وأفلام سام بكنباه تحديداً.
للمخرج بكنباه أفلام وسترن أخرى، لكن الجامع بين هذه الأفلام الثلاثة هي عنايته بمحور مواجهة بين رجلين يعرفان بعضهما البعض. يحترمان بعضهما البعض و… يعاديان بعضهما البعض أيضاً.
إنهما رئيس العصابة (وليام هولدن) والشريف تومسون (روبرت رايان) في «الزمرة المتوحشة» ( The Wild Bunch) والشريف بات غارِت (جيمس كوبرن) والخارج عن القانون بيلي ذَا كِد في «بات غارِت وبيلي ذا كِد» (Pat Garrett and Billy the Kid). هنا في هذا الفيلم الأسبق يتمثل في صديقين سابقين لم يلتقيا منذ أكثر من عشر سنوات هما جيل (راندولف سكوت) وستيف (جووَل ماكراي). المهمّة التي هما بصددها تتحوّل إلى مواجهة صعبة بين الاثنين.
يبدأ هذا الفيلم المصنوع بعناية كبيرة وبدراية لا تقل قيمة، بوصول ستيف إلى المدينة بحثاً عن صديقه جيل. تطالعه متغيرات نهاية قرن وبداية آخر. تطوّر ينظر إليه بريبة كبيرة وبأسف لأيام كانت أفضل. مهمّته، التي يعرضها على جيل الذي كان رضي بالعمل في ركن من مدينة ملاه، نقل نحو 20 ألف دولار من مناجم في أعالي بعض الجبال إلى مصرف المدينة. مهمّة صعبة تتطلب رجالاً يستطيعون القيام بها. جيل يوافق ويحضر معه شاباً اسمه لونغتري (رون ستار) لكن بعدما اتفق ولونغتري على الإيقاع بستيف وسرقة الذهب.
خلال الرحلة يتوقف الثلاثة عند مزرعة صاحبها متدين (آر جي أرمسترونغ) ويعامل ابنته (جيني جاكسون) بقسوة. هذه تهرب معهما للقاء عامل منجم اسمه بيلي (جيمس دروري) صدّقت دعواه بالزواج منها. قلبه يتعلّق بها وهي تكتشف أن الزواج خديعة وأن أشقاء بيلي الأربعة يودون مشاركة أخيهم فتاته. يتدخل الثلاثة ويقررون إعادتها إلى والدها. الأشقاء يعترضون طريقها ثم يسبقون المجموعة إلى المزرعة حيث تقع المواجهة الأخيرة. قبل ذلك يكتشف ستيف مؤامرة صديقه وفي ذلك الاكتشاف تكمن المواجهة التي ينشدها المخرج بين اثنين ينتميان إلى جيل واحد وماضٍ مشترك لا يفرقهما سوى أن ستيف ما زال مثالياً يعيش طبقاً لقواعد الأمس بينما رضخ ستيف لمبادئ الحاضر.
قيمة الفيلم في وجدانياته ومضامينه تلك، لكنه ليس مجرد فيلم مضامين ودلالات. هو وسترن راق صنعاً وبديع بصرياً (تصوير الأسطوري لوسيان بالارد) ومتين تمثيلاً. كل من راندولف سكوت وجووَل ماكراي من مخضرمي سينما الوسترن. الفيلم ختم به سكوت أعماله الـ108 في المهنة وكان الفيلم الثالث والتسعين بالنسبة لماكراي.
يدمج المخرج مفاهيمه حول الأمس المحبب إليه والتطوّر الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يكن له يوماً أي إعجاب ببعض المشاهد الأخّاذة أهمها ذلك المشهد الذي يُصاب فيه ستيف برصاصة قاتلة. يهرع إليه جيل ويطمئنه ‪ قبل أن يلفظ أنفاسه، بأنه لن يحتفظ بالمبلغ بل سيوصل الأمانة إلى المصرف «كما كنت ستفعل تماماً»، يرد عليه سكوت وهو يستند بمرفقه على الأرض «أعلم أنك ستفعل ذلك. أنت فقط نسيت قليلاً». ينتهي المشهد بخروج تدريجي لوجه ستيف من اللقطة دلالة لا على موته فقط، بل شهادة موت الغرب الأميركي بأسره. نهاية لا يتقنها إلا شاعر سينمائي وبكنباه لم يكن أقل من هذا.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.