أعلنت «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة» (يونيسكو)، أول من أمس، عن تسجيل «المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك (الكسكس)» في قائمة «اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي»، استجابةً لطلب مغاربي مشترك من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا.
وأوضحت المنظمة الأممية، عبر موقعها الرسمي، أن إدراج «المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك «الكسكس» في القائمة العالمية للتراث الثقافي غير المادي، الذي يدخل في عداد الملفات الستة عشر متعددة الجنسيات التي قُدّمت إلى «لجنة اليونيسكو للتراث غير المادي» في عام 2020، يعترف بـ«القيمة الاستثنائية لـ(الكسكس) وللمهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإعداده»، كما يجسد «التعاون الثقافي بين أربعة بلدان لديها هذا التراث المشترك»، ويشهد على «الجهود الخاصة التي تبذلها (اليونيسكو) من أجل تشجيع الإدراج المشترك بين عدة بلدان بغية تحقيق التقارب بين الشعوب والثقافات».
ونقل الموقع عن أودري أزولاي المديرة العامة لـ«اليونيسكو»، قولها إن هذا الإدراج المشترك يعتبر «نجاحاً عظيماً»، وذا «دلالة مهمة على الاعتراف الثقافي»، كما أنّه «نجاح دبلوماسي حقيقي يتناول موضوعاً يحمل أهمية ورمزية كبيرة للشعوب في هذه المنطقة بمجملها، بل ويتجاوزها أيضاً». فيما «يتبيّن من توافق الآراء هذا أنّ التراث الثقافي يمكن أن يكون شخصياً واستثنائياً في الوقت نفسه، ويتجاوز الحدود».
وشددت «اليونيسكو» في سياق احتفائها بـ«تقاليد (الكسكس)» على الكيفية التي يعمل بها التراث على تحقيق التقارب بين الشعوب، مشيرة إلى أن إدراج «المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك (الكسكس)» جاء ثمرة ترشيح مشترك بين المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس. وزادت أن هذا الإدراج المشترك لأحد عناصر التراث المشتركة، يبين إلى أي حدّ «يمكن للتراث الثقافي غير المادي أن يكون موضوعاً يجمع الدول ويحضّها على التعاون»، مشيرة إلى أن جوهر عمل «اليونيسكو» يتمثل في «بناء الجسور بين الشعوب، والعمل على تقاربها من خلال الممارسات والمعارف المشتركة بينها».
وتوسعت «اليونيسكو» في الحديث عن تاريخ «الكسكس»، مشيرة إلى أنه «ليس ضارباً في القدم وحسب»، لأنه كان معروفاً منذ العصور الوسطى على أقل تقدير، وإنّما «مركب وشديد التنوع». واستحضرت، في هذا السياق، الجدل الذي سبق الطلب المغاربي المشترك، خصوصاً بين المغرب والجزائر، مشيرة إلى أنه «كان من الصعب البتّ في تاريخ هذا الطبق، حيث دارت نقاشات بين الخبراء الذين أعدوا ملف الترشيح»، قبل أن تتفق جميع «الأطراف المعنية في النهاية على النتيجة نفسها»، والمتمثلة في أن «أفضل (كسكس) هو الذي تعدّه أمي».
وتحدثت «اليونيسكو» عن «روح الكسكس» و«التعبير عن الحياة الاجتماعية»، مشيرة إلى أن «الكسكس» يبقى «طبقاً يميّز حياة شعوب هذه البلدان الأربعة وأكثر»، حيث «لا يوجد زفاف أو عيد أو اجتماع عائلي من دون (الكسكس)»، فــ«هو في الوقت نفسه طبق الأيام العادية والمناسبات الاستثنائية، وطبق الأفراح والأتراح، ويؤكل في المنزل وخارجه، وفي الزوايا (وهي أماكن تقليدية للعبادة) على سبيل المثال، أو حتى في الهواء الطلق، وبمناسبة تقديم الذبائح وتبادل الهبات»، حيث «يرافق النساء والرجال والشيب والشباب والسكان المستقرين والرحّل، وأبناء الريف وأبناء المدينة والشتات، من المهد إلى اللحد»، كما «لا يمكن اختصاره بالمكونات المميزة له»، إذ هو «أكثر من مجرد طبق»، إنّه «أوقات مميزة وذكريات وتقاليد ومهارات وحركات تتناقلها الأجيال»؛ ولذلك «هناك وصفات لتحضير (الكسكس) بعدد العائلات التي تُعده، وهناك مجموعة لا متناهية من الفروق الدقيقة بين المناطق»، كما تختلف مكوناته باختلاف النظم الإيكولوجية، من سهل أو جبل، من واحة أو صحراء، من ساحل أو جزيرة، مما يجعل من «(الكسكس) مرآة للمجتمعات التي تطهوه».
وحيث إنه «أكثر من مجرد طبق»، يبقى «(الكسكس) سلسلة من المعارف والمهارات والتقاليد»، من منطلق أن «تحضير حبات (الكسكس) احتفالي»، و«يتبع عدداً من الخطوات التقليدية، إذ يُطحن السميد بالطاحونة اليدوية أو الآلية (التي كانت في السابق موجودة كجزء من أثاث المنزل، وهي تعمل باليد بواسطة ذراع)، ثمّ يُفرك السميد بين أيدي النساء، بحسب التقاليد، في أطباق مصنوعة من الفخار والخشب والقش، وأخيراً أصبحت الأطباق مصنوعة من المعدن، من أجل الحصول على حبات يعيّر حجمها باستخدام منخل خشبي، كانت تُصنع شباكه من الأمعاء أو من القش، وأصبحت تُصنع حالياً من المعدن». وبالتالي، فالكسكس ينطوي على «طيف من المهارات التي تضطلع بها المرأة بدور أساسيّ». بل «لا يقتصر دور المرأة في هذا السياق على عملية تحضير الكسكس واستهلاكه، بل يمتد ليشمل أيضاً إحياء منظومة القيم والدلالات المتعلقة بهذا الطبق والحفاظ عليها».
وبالإضافة إلى ذلك، «يضم (الكسكس) مجموعة من الخبرات والحرف اليدوية: بدءاً من الحرفيين الذين يصنعون الأدوات المتعلقة بالكسكس، والمزارعين الذين ينتجون الحبوب، وعمال المطاحن الذين يطحنون هذه الحبوب ويحولونها إلى سميد، والتجار، وحتّى أصحاب الفنادق. ومن هنا، نرى أنّ (الكسكس) عالم ينطوي على نسيج اجتماعي كامل متكامل». فيما كانت «صناعة الكسكس» والطقوس المختلفة لتحضيره، ولا تزال، كما تضيف «اليونيسكو»، «رمزاً للتعددية التي تمتاز بها المعارف والمهارات التي تُتناقل شفوياً من خلال المراقبة، ثم التطبيق، الأمر الذي يستدعي صونها».
ويوصف «الكسكس»، كما نقرأ للكاتب المغربي سعد سرحان في مؤلفه «ديوان المائدة»، بالكرنفال الغذائي، الذي «لا أحد يعرف مَنْ أطلق عليه اسم (الكسكس)»، هو الذي تجعل منه تركيبته شبه الكاملة «طعام الأطعمة»، بحيث يصير «المعادل الغذائي لكتاب الكتب عند بورخيس».
وبالنسبة لسرحان، فليس «الكسكس» طعاماً، «إنه الطعام (بتسكين الطاء) كما تنطقه العامة في غير منطقة من المغرب. وإذا كان (الكسكس) طعاماً جامعاً تقريباً، فإنه جماعي تماماً. ذلك أن قصعته لا ترضى بأقل من حلقة عائلية تُغذّي دفئها من حرارته. فتجد هذا يناول مما يليه ذاك، وتلك تغدق على هذه، والكبير يُلقِّم الصغير... في درس عن ثقافة التشارك لا أوضح منه خارج حصة (الكسكس)».
يشير سرحان إلى أن «الكسكس» يُقدم يوم الجمعة مأدبة، وفي العرس وليمة، وفي المأتم وضيمة، وحوله تنعقد حلقات الذكر، وأنه «يبارك ويعزّي ويُحسن ويُسبِّح مفصحاً، هكذا، عن مكارم الأخلاق وعمق الورع. وكما أنه ليس طعاماً بل الطعام، فهو ليس معروفاً فقط بل المعروف الذي لا يُؤْمَر به، وإنما يُسدى لكل ذي مسغبة. وكأي جدٍّ طاعنٍ في السن، فإن لـ(الكسكس) أبناءً وأحفاداً وأسباطاً يحملون الكثير من ملامحه. ولنا فقط أن نتملّى في السميدة والبَلْبولَة والعَصيدَة والصّيكوكْ والبرْكوكْش والدشيشة... لنرى كيف تفرّقت خريطته الجينية عشوائياً على نسله... إنه مفرد بصيغة الجمع.
والفضل في ذلك يعود إلى النساء اللواتي برعن وأبدعن في جنسه بما توافر لهن من خيرات الأرض. فلأصابعهن أسرار البلاغة والبيان التي تجعل من (الكسكس) سحراً، ولها لذّتها التي تصيبه فتعرّض آكله لقضم أصابعه من فرطها. فسلام عليهن، على النساء وهنَّ يَفْتِلْنه، وهن يُبَخِّرنه، وهن يطبخن لحمه وخضره، وهن يسقينه، وسلام عليهن إذ يُقدِّمنه طَبَقاً شهيّاً. إنه جمع بصيغة المفرد، فهو الكسكس باللحم والخضر، والكسكس المدفون، والكسكس المسقوف، والكسكس برأس الغنم، والكسكس بذيل البقر، والكسكس بالفول الأخضر، والكسكس بالقرْع الأحمر، والكسكس بالحمّص والزبيب، والكسكس بالقرفة والحليب... وكلما ابتعد عن المراكز والحواضر، استفحلت لذّته، وكأنه لا يكون رائقاً إلا قرب ربوعه الأولى حيث الحقل أسفل الحاكورة والساقية تتحدر إليهما معاً من مرتفعات الثغاء».
14:11 دقيقه
«الكسكس» كرنفال غذائي يقتحم لائحة «اليونيسكو» للتراث
https://aawsat.com/home/article/2688881/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B3%D9%83%D8%B3%C2%BB-%D9%83%D8%B1%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%BA%D8%B0%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%8A%D9%82%D8%AA%D8%AD%D9%85-%D9%84%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%B3%D9%83%D9%88%C2%BB-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB
«الكسكس» كرنفال غذائي يقتحم لائحة «اليونيسكو» للتراث
استجابة لطلب مغاربي مشترك
- مراكش: عبد الكبير الميناوي
- مراكش: عبد الكبير الميناوي
«الكسكس» كرنفال غذائي يقتحم لائحة «اليونيسكو» للتراث
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

