حملة شخصية على ماري هارف لسان الخارجية الأميركية

في الأسبوع الماضي، تعرضت ماري هارف، نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية إلى هجوم شخصي وحاد من المذيع اليميني راش ليمبو، ربما أشهر مقدم برنامج تعليقات إخبارية في الولايات المتحدة (كل يوم يستمع إليه تقريبا 20 مليون شخص). هاجمها لأنها لا تستعمل أوصافا صارت ملتصقة بالمسلمين منذ بداية ما تسمى «الحرب ضد الإرهاب»، التي أعلنها الرئيس السابق جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. الأوصاف هي: «إرهاب المسلمين» و«تطرف المسلمين» و«عنف المسلمين».
هاجم ليمبو، بصوته الجهوري وغضبه الذي يبدو كأنه دائم، مظهر هارف، وملابسها، ونظارتها، وطريقة تسريحة شعرها، و«طريقة كلامها، وطريقة تفكيرها»، والجامعة التي تخرجت فيها، والمقررات التي درستها. وذلك كتمهيد لانتقاد رفضها تصنيف الإرهاب والعنف والتطرف تصنيفا «إسلاميا».
ووصف ليمبو هارف بأنها «دام بلوند» (شقراء غبية). وقال: «نظارتها أكبر من وجهها، وشعرها يكاد يخنق رقبتها».
سار على نفس طريق ليمبو زميله بيل أورايلي، أيضا يميني، وأيضا مقدم برنامج إخباري يشاهده الملايين (وبرنامج تلفزيوني مثله). وكانت مشاكل أورايلي بدأت قبل عامين، عندما انتقد جين بساكي، المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأميركية، في ذلك الوقت، قال ما معناه أن بساكي ليست متحدثة ناجحة لأنها لا تعرف كيف «تتحدث». وكرر قول: «تلك المرأة»، بطريقة فيها احتقار واضح.
في وقت لاحق، دافعت هارف عن رئيستها، وقالت إن أورايلي «سكسيست» (يكره النساء). وطبعا، رد عليها أورايلي. وقال: «نساء كيري (وزير الخارجية) أعلنّ الحرب علي، بدلا من إعلان الحرب على الإرهاب والمتطرفين».
ثم جاءت تصريحات هارفي عن المسلمين والإرهاب. وانضم أورايلي إلى زميله ليمبو، وانتقد ما سماه «دفاع هارف عن المسلمين».
من هي هارف؟
رغم كل الضجة حولها، ماري هارف عمرها 33 عاما فقط. وعندما بدأت تدير المؤتمر الصحافي اليومي في الخارجية الأميركية، كانت أصغر من فعل ذلك. بل، قبل ذلك، عندما كانت المتحدثة باسم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، كانت أصغر متحدثة هناك.
ولدت في غرانفيل (ولاية أوهايو)، ودرست الثانوية هناك. ودرست في جامعة إنديانا (بلومنقتون). ثم جامعة فرجينيا (شارلوتفيل) حيث نالت ماجستير في الشؤون الدولية، مع تركيز خاص على الشرق الأوسط، وخاصة السعودية.
ثم التحقت باحثة في قسم العمليات في «سي آي إيه». وعندما لاحظ رؤساؤها فصاحتها، وجرأتها، ومعلوماتها الغزيرة عن الشرق الأوسط، نقلوها إلى قسم العلاقات العامة لتجيب عن أسئلة الصحافيين. وعندما نجحت في ذلك، اختاروها متحدثة باسم «سي آي إيه»، وكان عمرها أقل من 30 عاما.
خلال الانتخابات الرئاسية في عام 2012، ساعدت هارف في صياغة استراتيجية الرئيس أوباما للأمن. وصارت المتحدثة باسم الحملة الانتخابية في قضايا الأمن القومي. وبعد فوز أوباما بالرئاسة للمرة الثانية، اختيرت نائبة المتحدثة باسم الخارجية، تحت جين بساكي.
وبعد نجاحها الحالي، يتوقع أن تصير المتحدثة الرسمية في منصب مساعدة الوزير للشؤون العامة. لكن قالت أخبار إنها تفضل «المتحدثة»، وقالت إن منصب مساعدة الوزير فيه كثير من الأعمال البيروقراطية التي لا تروق لها.
زوجها هو جوشوا لوكاس، خريج جامعة ييل، وأيضا متخصص في الشؤون الدولية.
في الأسبوع الماضي، في مقابلة في تلفزيون «سي إن إن»، فرقت هارف بين «إرهاب» و«إرهاب مسلمين»، و«تطرف» و«تطرف مسلمين». وركزت على «الحرب ضد التطرف العنيف». ودخلت في انتقادات متبادلة مع معارضين يريدون استعمال عبارات مثل «إرهاب إسلامي» و«إرهابيين إسلاميين» و«تطرف إسلامي».
وحدث نفس الشيء في مقابلة في تلفزيون «فوكس» اليميني. وكررت هارف: «ليس تطرف المسلمين هو التطرف الوحيد الذي نواجهه. يوجد ناس يريدون قتل ناس باسم أسباب كثيرة. طبعا، نحن نركز على الذين يقتلون باسم الإسلام».
وأضافت: «ونحن نشن الحرب ضد (داعش) نريد من المسلمين المعتدلين أن يقولوا: (هؤلاء لا يمثلوننا). طبعا، يتحدث هؤلاء المسلمون المعتدلون عن دينهم أكثر منا. وطبعا، نحن نريد من مثل هذه الأصوات أن تساعدنا في جهودنا».
وقالت: «نريد أن نركز على كل أنواع التطرف، خاصة على الذين يستعملون اسم الإسلام، ونحن نقول إن هذا ليس باسم الإسلام».
طبعا، ليست هذه آراء هارف الشخصية. وليست فقط آراء الخارجية. هذه سياسة الرئيس أوباما. وهي استمرار لسياسة منع كلمة «إرهاب»، واستبدالها بكلمة «عنف» التي أعلنها عندما فاز أول مرة عام 2008. لكن، فشلت هذه السياسة، وعارضتها حتى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية وقتها.
الآن، مع عنف «داعش»، وعنف «بوكو حرام»، وعنف باريس، زاد الحديث عن «عنف المسلمين». ومرة أخرى، أمر أوباما بتحاشي مثل هذه الكلمات.
وفي الأسبوع الماضي، قال إريك هولدر، وزير العدل «نحن في حرب مع الإرهابيين الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال البشعة والذين يستعملون اسم الإسلام. لكنهم يستعملون تفسيرات غير صحيحة للإسلام لتبرير أعمالهم هذه».
وقال جون إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض: «نريد أن نركز على التطرف العنيف، وليس فقط تطرف المسلمين العنيف. توجد أنواع أخرى من مثل هذا التطرف العنيف».
وأضاف: «هذه مسألة دقة. نحن نريد أن نصف، في دقة، ما حدث. هؤلاء أفراد يمارسون الإرهاب، ثم يحاولون تبريره بالإشارة إلى الإسلام حسب تفسيرهم المنحرف له».
لكن، في الجانب الآخر، قال السيناتور الجمهوري تيد كروز: «لن تقدر على الانتصار في الحرب ضد الإرهاب المتطرف إذا لم تستعمل عبارة: إرهاب المسلمين المتطرف».
وقال إندرو ماكارثي، مؤلف كتب عن هذا الموضوع: «يرفض الرئيس أوباما ومستشاروه القول بأن ما حدث في باريس كان إرهابا، وذلك لأنهم يخافون غضب المسلمين». وأشار ماكارثي إلى أن مانويل فالس، رئيس وزراء فرنسا، قال، قبل 3 أيام: «نحن في حرب ضد الإرهاب، وضد المسلمين المتطرفين، وضد كل ما يعادي وحدتنا، وحريتنا، وإخاءنا».
خلال كل هذا، ظلت هارف تتحدث، وتناقش، وترد، وأحيانا تناكف الصحافيين في المؤتمر الصحافي اليومي.
ثم واجهت عاصفة أخرى: هل «عداء الصهيونية» جزء من «عداء السامية»، وأن الذين ينتقدون سياسات إسرائيل يكرهون اليهود، قالت هارف: «يمكنك أن تختلف مع بعض السياسات التي تتخذها دولة من دون أن يكون في ذلك معاداة للسامية..».
طبعا، سيزيد هذا الغضب على هارف.