الرحلة الطويلة والمثيرة لسيدة الشاشة العربية‬

فاتن حمامة خرجت منتصرة من أدوار مكررة إلى نجاحات كبرى

من فيلمها الأول «يوم سعيد»  -  وأخرى من «الخيط الرفيع»
من فيلمها الأول «يوم سعيد» - وأخرى من «الخيط الرفيع»
TT

الرحلة الطويلة والمثيرة لسيدة الشاشة العربية‬

من فيلمها الأول «يوم سعيد»  -  وأخرى من «الخيط الرفيع»
من فيلمها الأول «يوم سعيد» - وأخرى من «الخيط الرفيع»

وفاة الممثلة الكبيرة فاتن حمامة عن 83 سنة يعيد فتح الباب عريضا على تاريخ السينما العربية مرة جديدة وربما أخيرة. ممثلة قوية الأداء والشخصية ليس فقط في أدوارها التي تتطلب مثل هذه القوة، بل عبر الأدوار التي ظهرت فيها امرأة مستضعفة من حين لآخر. مرافعتها الجريئة في «أريد حلا» وشعور المذلة في «الحرام» (وبينهما سنوات كثيرة) هما قطبا تلك الموهبة التي تحلت بها، وكلاهما متعة للتعرف على سمات موهبة تستطيع أن تذهب بأدائها في أي اتجاه وتنجح.
انتمت الراحلة إلى عدة أجيال سينمائية متعاقبة. ترعرعت في زمن السينما التي لم يكن قد مضى على دوران عجلتها الإنتاجية على نحو متواصل سوى عقود قليلة، حيث مثلت بين أول أفلامها، وهو «يوم سعيد» للمخرج محمد كريم (1938)، وحتى نهاية الأربعينات، 24 فيلما.
مع قيام الثورة المصرية سنة 1952 واصلت العمل من دون انقطاع. كانت تحولت إلى واحدة من أبرز النجمات الشابات، وجاءت الخمسينات لتعزز وضعها. مثلت 50 فيلما في ذلك العقد؛ منها 11 فيلما بين 1950 و1952. في الستينات لعبت بطولة 12 فيلما فقط، كونها في الواقع لم تكن بحاجة لتأكيد نجوميتها واختبار حجم نجوميتها. 10 أفلام في السبعينات و3 في الثمانينات، و3 أخرى في التسعينات، والمجموع 102 فيلم‪.‬
بذلك، هي انطلقت أيام كان الموسيقار محمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وأنور وجدي ملوك الفن المصري، وفي أيام خطا فيها محمود المليجي، الذي شاركها الظهور في أكثر من عمل مهم، خطواته الأولى، وعندما كان سراج منير وميمي شكيب وماري منيب وجوها مساندة تحيط بها في أكثر من عمل. وهذا كله كان أيام المخرج محمد كريم الذي تأصل بين مخرجي الثلاثينات إلى أن اعتزل سنة 1959.

* البداية
كانت في الثامنة من عمرها، وهي التي ولدت في 22 مايو (أيار) 1931، عندما وقفت أمام الكاميرا لأول مرة. كان ذلك في خامس فيلم من إخراج (وسيناريو) محمد كريم «يوم سعيد». بطولة الفيلم النسائية كانت لسواها: علوية جميل وفردوس محمد، والرجالية قادها محمد عبد الوهاب، وكان لعبد الوارث عسر دور مساند بدا فيه أكبر سنّا مما كان عليه، كما اعتاد في غالبية أفلامه إلى أن تقدم به العمر فعلا.
على النقيض، لم يكن أمام ابنة الثامنة، فاتن حمامة، سوى أن تشارك الأدوار. وهناك مشهد لافت يجمعها بالفنان محمد عبد الوهاب تنظر إليه وهو في محنته العاطفية. عيناها المتشبّثتان به وهي تنظر إلى الأعلى، تعكسان تلك النظرة المتألمة والمتفائلة معا.. نظرة نجدها لاحقا في أكثر من عمل لها.
لا هي ولا سواها كان يعرف ما يخبئه القدر لها، ولا كان تحولها إلى ممثلة في حسبان والدها أحمد حمامة عندما أخذها معه لحضور مسرحية من بطولة آسيا داغر وكانت في السادسة من عمرها. عندما ربحت مسابقة جمال للأطفال، شعر والدها بأن ابنته تستحق أن تظهر على الشاشة الفضية، فأرسل إلى المخرج محمد كريم بصورتها بعدما سمع بأنه يبحث عن طفلتين لفيلمه المقبل «يوم سعيد».
مرت 5 سنوات قبل أن يعود محمد كريم ليطلب وجهها. كانت الآن في الثالثة عشرة من العمر. لم يكن دور بطولة؛ إذ ذهب ذلك إلى الممثلة راقية إبراهيم في دور الفتاة التي يقع عبد الوهاب في حبها، بل في دور مساند أسوة بعلي الكسّار وسيد سليمان وبشارة واكيم وسراج منير. اللافت أن دور عبد الوهاب في هذين الفيلمين كان دور الفنان الفقير، وهو دور امتد ليصبح منوالا معتادا أَمّه لاحقا فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ على سبيل المثال.
لم يكن على فاتن حمامة أن تنتظر 5 سنوات أخرى، بل عادت في فيلم «أول الشهر» من بطولة حسين صدقي ومغنية وردت من لبنان وأصبحت نجمة في مصر هي صباح. دور أكبر كان بانتظارها في فيلمها الرابع «الملاك الأبيض»: تراجيديا ميلودرامية من إخراج إبراهيم عمارة مع حسين رياض وعلوية جميل وسراج منير. وفي الإطار الميلودرامي الخازن لمشكلات عاطفية، لعبت فاتن حمامة عددا متلاحقا من الأفلام من بينها «ملاك الرحمة» و«دنيا» و«نور من السماء» حيث الزوج الطيب والثري ينتهي مخدوعا من قبل الطامعين بماله فيضحي بعائلته قبل أن يدرك الخديعة ومغبة ما قام به.
ولم يختلف الوضع كثيرا عندما مُنحت فاتن حمامة فرصة بطولة أول فيلم لها وعنوانه «المليونيرة الصغيرة» سنة 1948. فيه هي ابنة عائلة من أصل تركي بالغة الثراء تتعلق بحب ضابط (رشدي أباظة)، الذي يبادلها الحب، لكنه يتراجع عن الزواج بها عندما يعلم مدى ثرائها. عليها الآن إقناعه بأنها لا تقيم وزنا للمال، بل للحب. تمردها على الأعراف الاجتماعية السائدة كان أحد ملامح أعمال مقبلة لها أيضا ومناسبة لإظهار قوة عزيمتها وشخصيتها.

* نقلة رائعة
على أهمية الدور، إلا أن هذا الفيلم لم يكن، من ناحية فنية صرفة، أفضل حالا مما سبق؛ ومنها «العقاب» و«خلود» و«اليتيمتين» وهذا الأخير (1948 أيضا) من إخراج حسن الإمام وفيه التوليفة التي سار عليها المخرج الراحل طويلا. أما «العقاب» فكان لقاء فاتن حمامة الأول مع المخرج الذي فضلته على كل من عملت معه هنري بركات.
في الإطار نفسه عاد يوسف وهبي لإدارتها في العام التالي بفيلم «كرسي الاعتراف» وفي «بيومي أفندي» (كان هو محور الفيلمين). ثم ها هي في فيلم يوسف شاهين الأول مخرجا وهو «بابا أمين». حينها لم يكن شاهين كشف عن شخصيته الفنية، والفيلم انتمى إلى تلك الأعمال الجماهيرية الصرفة التي لم تتقدم بالممثلة إلى الأمام. لكن شاهين تحسن سريعا وعاد إلى فاتن حمامة في «ابن النيل» حيث قدمت (ربما لأول مرة) أداء مشحونا بالرغبة في تجسيد تلك الشخصية التي تؤديها تجسيدا فاعلا.
حدث ذلك في عام 1951 الذي شهد انتصارا آخر لها، وذلك عندما اختارها صلاح أبو سيف لبطولة «لك يوم يا ظالم». ردد المخرج الراحل في تصريحاته: «كنت أرغب في تقديم هذه الممثلة التي عُرفت بأدوار البراءة في دور معاكس جدا. حين تحدثت إليها عارضا دور الابنة الشريرة في (لك يوم يا ظالم) خافت. لم تكن اعتادت على مثل هذا الدور. لكني طمأنتها للنتيجة واقتنعت».
دورها هنا نقلة رائعة من التمثيل الرومانسي إلى النضج الدرامي. كانت تزوجت، سنة 1947 من المخرج عز الدين ذو الفقار الذي كانت لديه مفاهيمه المختلفة عن كل من يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، فقدّمها في فيلمين عاديي الأثر هما «أبو زيد الهلالي» و«موعد مع الحياة» حيث منسوب المادة الترفيهية يرتفع وحده. لذلك جاء عملها مع شاهين وأبو سيف بمثابة خشبة خلاص من تكرار أدوار ابنة المدينة الشابة التي تفتح قلبها للحب وتحصد متاعبه بعد ذلك.لم يتوقف هذا المنوال من الأعمال ولم ينته. مع وجود تقليد عريض من العمل بشروط السينما السائدة، لم يكن محتملا أن تبتعد فاتن حمامة عن مثل تلك الأدوار غير المتعمقة أو تنبذها. فظهرت في أعمال كوميدية لفطين عبد الوهاب (مثل «الأستاذة فاطمة») وتراجيدية لحسن الإمام («كأس العذاب») ودرامية لعز الدين ذو الفقار («سلوا قلبي») وكلها في عام 1952. لكن إلى جانب هذه الوفرة من الأفلام السريعة (بينها فيلم آخر من بطولتها لجانب يوسف وهبي وهو «المهرج الكبير» كما حققه يوسف شاهين) كان هناك فيلم آخر لمخرج ممتاز من الصف الأول هو كمال الشيخ الذي كان ينتظرها بفيلم من كتابة علي الزرقاني هو «المنزل رقم 13».

* اختيارات
كل من حسن الإمام وعز الدين ذو الفقار وجمال مدكور عاد إليها خلال الخمسينات، وهي الفترة التي أصبحت فيها النجمة الأولى بين الممثلات. هذا لم يكن يخلو من منافسة بينها وبين ماجدة ولاحقا بينها وبين سعاد حسني. لكن لقب «سيدة الشاشة العربية» كان بدأ يلتصق بها في ذلك الحين. لقب عززته اختياراتها من الأعمال.. فإلى ذلك الحين، لم يكن المخرج هو الهم الذي تلتفت إليه، ولا الأسلوب الفني لأي من المخرجين.. السينما، في حسبانها، كانت الترفيه المتوجه مباشرة، ومن دون عناء يذكر، إلى الجمهور عبر أفلام عاطفية أو كوميدية تنجز ما تعد الجمهور به.
بالتلاؤم مع كل هذا، ونتيجة له في الوقت نفسه، وجدنا فاتن حمامة تختار من الشخصيات ما يضعها غالبا في دور سيدة القرار. حتى حين تكون حائرة بين عاطفتين، فإنها لا تنجرف أو تنحاز وقلما تخطئ، وإن فعلت، فإن ذلك لن يشوّه صورتها لأنها ستكون ضحية اعتداء ما سيمكنها من استدعاء التعاطف المنشود، وهذا تحديدا ما وقع عندما اختارها هنري بركات لبطولة فيلمه «الحرام» في منتصف الستينات التي قالت عنه في لقاء نادر نشرته «الأهرام»: «أحببت شخصية البطلة جدا. وبمجرد أن قرأت الرواية وافقت عليها فورا».
مما مكنها أيضا من حمل لواء «سيدة الشاشة العربية» هو أنها منذ النصف الثاني من الخمسينات وما بعد، أخذت تعمل بجهد للاشتراك في أعمال ذات مصادر أدبية. حينها كان الأدب فاعلا مؤثرا في السينما، والكثير من أعمال عبد الحميد جودة السحار ويوسف إدريس ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس.. وسواهم، انتقلت إلى الشاشة، وكانت فاتن حمامة من بين من مثل في عدد ملحوظ منها. «الحرام» مثلا من تأليف يوسف إدريس، و«الله معنا» لإحسان عبد القدوس وكذلك حال «الطريق المسدوس» (1957)، ثم «دعاء الكروان» من أعمال طه حسين (أخرجه أيضا هنري بركات).
في كل ذلك، نرى أنه لم يكن هناك من سبيل إلا الاشتراك مع طاقم النجوم الكبار من الذكور أيضا. هي لعبت أمام عماد حمدي وأمام شكري سرحان ومع عمر الحريري ومحمود مرسي ورشدي أباظة وفريد شوقي ومحمود المليجي وأحمد مظهر و(لاحقا) محمود ياسين وبالطبع عمر الشريف.

* مع عمر الشريف ومن دونه
فاتن حمامة تصرفت على نحو يعكس معرفتها بقدرها ومكانتها منذ منتصف الخمسينات عندما كانت رغبة المخرج يوسف شاهين الإتيان بالممثل محسن سرحان لكي يشاركها بطولة «صراع في الوادي» (1954)، لكن فاتن حمامة عارضت، مما دفع بالمخرج للاستعانة بالممثل عمر الشريف بديلا. وهو لم يكن قد ظهر في أي فيلم من قبل، لكن ظهوره مع فاتن حمامة ضرب وترين: على الشاشة ظهرا ثنائيا شابا مندفعا وقابلا للتصديق، فالفيلم يدور حول الجديد ضد القديم.. الفلاح ضد الباشا.. الحب ضد الرغبة في التملك. ومن ناحية ثانية، كان ذلك بداية حب متبادل أوصلهما سريعا إلى طريق الزواج بعدما تطلقت الممثلة من المخرج ذو الفقار وإن عملت معه لاحقا في كثير من الأفلام.
بعد «صراع في الوادي» ظهرت حمامة وعمر الشريف في «أيامنا الحلوة» (1955)، و«صراع في الميناء» (1956)، و«سيدة القصر» (1958)، ثم حصل «لورنس العرب» سنة 1962: المخرج البريطاني ديفيد لين كان يبحث عمن يلعب دور الأمير علي في ذلك الفيلم، ولم يكن عمر الشريف اختياره الأول، لكنه كان الاختيار الأكيد، وكان الفيلم الذي خلق من عمر الشريف نجما عالميا. لكن مع كل فيلم هوليوودي أو فرنسي كان الشريف يقوم بتمثيله (وهو ظهر في 15 فيلما أجنبيا ما بين 1962 و1972 وأكثر من ذلك فيما بعد) كان التباعد يقع بينه وبين الممثلة التي كانت رفضت تقبيل أي ممثل شاركها البطولة قبل أن ترضى أن يقبلها الشريف في «صراع في الوادي».
ستبقى حكايتهما العاطفية شأنا عاما يتردد صداها في المجلات الفنية حتى من بعد أن بات الفراق واقعا. بعض المتابعين لمثل هذه الشؤون الشخصية يؤكدون أن فاتن حمامة لم تعد هي ذاتها بعد ذلك الفراق. كانت قبلت عذر غياب عمر الشريف في السنوات الأولى على أساس أنه ممثل يستحق ما يحققه من نجاح، لكن لاحقا غمرها الحزن على ما ساد علاقتهما من فتور. في عام 1966، وهو العام التالي لقيام عمر الشريف ببطولة «جنكيز خان» وقبل ولوجه بطولة «دكتور زيفاغو»، ظهرت فاتن حمامة في «شيء في حياتي» لهنري بركات عن قصة ليوسف السباعي وأمام وجه جديد اسمه إيهاب نافع. ثم انقطعت عن العمل 3 سنوات لتعود في 4 أفلام متتابعة في عامي 1970 و1971 وهي «الحب الكبير» عن سيناريو كتبه (وأخرجه) بركات وأمام فريد الأطرش ويوسف وهبي، و«الساحرة» مع عادل إمام وصلاح ذو الفقار، و«الخيط الرفيع» لهنري بركات أيضا، و«رمال من ذهب» ليوسف شاهين (لجانب دريد لحام ونهاد القلعي).
إنها الفترة الأقل إلهاما بالنسبة للنجمة المرموقة. لا فيلما هنري بركات (أكثر من وثقت بهم من المخرجين) كانا جيدين، ولا فيلم يوسف شاهين كان مهما، و«الساحرة» مر عابرا من دون أثر. في تلك الفترة، كان نجوم الستينات ما زالوا يؤدون الأدوار ذاتها التي كانوا يؤدونها في سنوات الشباب: عماد حمدي ومحمود ياسين وفريد شوقي وأحمد رمزي ورشدي أباظة، من الرجال، وماجدة وسميرة أحمد وشادية من الممثلات. فاتن حمامة وجدت نفسها ضمن هذا الإطار، ولم تستطع أن تمتنع. صحيح أنها حافظت على قدر كبير من الأنفة واللياقة لاعبة دور سيدة راشدة، إلا أن بعض أدوار تلك الفترة كان يمكن لها أن تقع لها وهي في العشرينات والثلاثينات من عمرها.

* النهاية
ما أنقذ هذا الوضع دخول المخرج حسين كمال على الخط ناقلا إلى الشاشة رواية إحسان عبد القدوس «إمبراطورية ميم» سنة 1972 التي تتحدث عن امرأة مات زوجها وعليها تحمل مسؤولية الإشراف على 6 أولاد تعيلهم من خلال عملها في وزارة التربية. معالجة صادقة النيات في طرحها الاجتماعي للمشكلتين الفردية والعامة وجدت فاتن حمامة فيها الدور الملائم لها تماما. وهو، إلى حد بعيد، كان واحدا من آخر وأهم نجاحاتها السينمائية.
بعده فيلم آخر لبركات وهو العاطفي «حبيبتي» الذي كان اللقاء الثاني بين ثلاثة جمعتها مع محمود ياسين بدءا بـ«الخيط الرفيع» وانتهاء بـ«أفواه وأرانب».
في عام 1975 وضعها المخرج الراحل منذ أشهر قريبة سعيد مرزوق في بطولة فيلم آخر من تلك النجاحات الكبيرة المتأخرة وهو «أريد حلا» (1975): دور ناضج آخر أدت فيه دور سيدة متزوجة تتقدم للمحكمة بطلب الطلاق، ويسبر الفيلم الأسباب الموجبة. معها في البطولة رفيق المهنة رشدي أباظة، وكلاهما كان في السن المناسب والخبرة الرائعة لمنح الفيلم قوة المضمون الاجتماعي المهم.
لكن سيبقى بركات أكثر المخرجين الذين تعاملوا معها تقرّبا فنيا مما طمحت إليه. سيبقى صاحب المعالجة الرشيقة المناسبة لصورتها الأنثوية الرومانسية وهو فهم ذلك وأم المطلوب منه لتأمين هذه الغاية بصرف النظر عن مستوى الأفلام التي أخرجها لها: «الحرام» كان رائعا، لكن معظم ما حققه معها أو بعيدا عنها، لم يصل إلى مستواه.
الثاني بين أكثر المتعاملين معها كان عز الدين ذو الفقار، وهو منحها الخامة العاطفية والاجتماعية بأسلوب مختلف عن ذاك الذي أمّنه بركات. ولم تشتغل كثيرا تحت إدارة كمال الشيخ ولا صلاح أبو سيف، لأسباب محض فنية، لكن أفلامها القليلة مع يوسف شاهين لم تكن بدورها أفضل أفلامه أو أنضجها. الغالب أنها لم تكن على اتفاق معه بشأن طروحاته التي كانت سياسية أكثر منها عاطفية، وذاتية المنطلق أكثر منها حكايات عامّة. بعد تمكنها من الشهرة كانت، وبخيار صائب من وجهة نظر عملية، تنشد أفلاما تكون هي والبطل المواجه محورها. شاهين لم يكن مخرجا نسائيا كما كان بركات، لذا كان من الطبيعي أن يتوقف التعاون بينهما خصوصا مع توجه شاهين المتزايد لتقديم أفلام تعبر عن وجهة نظره وتتوجه إلى معجبيه في المجال الأول.
هل سيخلف رحيل فاتن حمامة فراغا كبيرا؟
بلا شك.. لكن هذا الفراغ ليس جديدا.. الموت هو ختام مرحلة كانت انتهت عمليا من قبل، فهي التزمت البيت وابتعدت عن الأضواء منذ مسلسلها «وجه القمر» سنة 2000. كان العام نهاية عقد وقررت أن يكون نهاية مشوار أيضا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».